لندن – “القدس العربي”:
رأى إيشان ثارور المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” أن توجيه المدعي العام الإسرائيلي تهما إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو بمثابة فضح للرئيس دونالد ترامب.
وقال إن المدعي العام أفيشاي ماندلبت رمى قنبلته ليلة الخميس، ففي مؤتمر صحافي وجه رسميا التهم ضد نتنياهو في قضايا الرشوة والتزوير وخيانة الأمانة، منهيا ثلاثة أعوام من التحقيق ومقدما اتهامه الرسمي في 63 صفحة. وبهذه الطريقة يكون نتنياهو الذي سيطر على المشهد السياسي في إسرائيل مدة عقدين أول رئيس وزراء توجه إليه الاتهامات وهو في منصبه.
ويزيد الإعلان من حالة الفوضى السياسية بعد فشل كل من نتنياهو وبيني غانتز زعيم ائتلاف أزرق أبيض في تشكيل الحكومة. ورفض نتنياهو الاتهامات حيث سيجد نفسه أمام ملاحقة قانونية قد تستمر لسنوات. وربما واجه نتنياهو تحديا من داخل حزبه الليكود الذي قاده بدون أي تحد منذ عام 2005، وسط إمكانية عقد انتخابات للمرة الثالثة في آذار (مارس).
ويوصف رئيس الوزراء بالسياسي ذي التسعة أرواح حيث قد لا يجد أيا منها. وتقول الصحيفة إن القضية المتهم بها نتنياهو وزوجته سارة تتعلق بقبوله هدايا وذهب قيمتها 260.000 دولار مقابل الحصول على محاباة سياسية. وقضية أخرى تتعلق بتدخل نتنياهو بالتنظيمات والتأثير على المشرعين نيابة عن شركات إعلامية مقابل الحصول على تغطية إيجابية من منشوراتها. أما قضية الرشوة فهي خطيرة وتكشف عن قيام نتنياهو بالتورط في فساد مقابل تعزيز حظوظه السياسية. وهو ما يذكر بما يواجه الرئيس دونالد ترامب من تحقيق في مجلس النواب فيما يعرف بفضيحة أوكرانيا حيث عرض المساعدة على رئيسها مقابل تحقيقه في منافسه السياسي جوزيف بايدن.
محاكمة نتنياهو يجب أن تثير قلق ترامب، ليس لأن حليفه يواجه معضلة قانونية فقط بل لأن قضيته تشبه ما يواجهه نتنياهو أيضا
ويرى ثارور أن محاكمة نتنياهو يجب أن تثير قلق ترامب، ليس لأن حليفه يواجه معضلة قانونية فقط بل أيضا لأن قضيته تشبه ما يواجه الرئيس الذي عبر عن غضبه من التحقيقات التي يقوم بها مجلس النواب ذو الغالبية الديمقراطية. وما يحدث في واشنطن هو سياسي ولكنه يقوم على نفس المبرر القانوني وهو أن زعيما كبيرا أساء استخدام سلطته للحصول على منافع شخصية.
ولكن لا ترامب أو نتنياهو سمح بمؤسسات الدولة للتحقيق في المزاعم المتعلقة بإساءة استخدام السلطة. وعوضا عن هذا فهما يقومان بالهجوم وشيطنة المؤسسات الإعلامية المستقلة والمعارضين السياسيين لهما. ووصفا الموظفين المدنيين الذين يقومون بعملهم بأنهم يتصيدون في الماء العكر. ويقومان بحرف أنظار القواعد المؤيدة لهما من خلال التخويف ونشر القصص عن خطر المهاجرين والأقليات.
ووصف نتنياهو الاتهامات الموجهة إليه يوم الخميس بأنها “انقلاب” ودعا “للتحقيق مع المحققين”، وهي نفس اللغة التي استخدمها ترامب بشكل متكرر لمواجهة التحقيقات في سلوكياته وسياساته. وقارن المعلق في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية شيمي شاليف بينهما قائلا: “كان ردهما متشابها بشكل يدفع الواحد للافتراض أنهما ينصحان بعضهما البعض: كيف يمكننا التخلص من الجريمة؟”. و”تظهر الأدلة العرضية أن نتنياهو استلهم من وقاحة ترامب. ولم يكن رئيس الوزراء قادرا على التلاعب بالأعراف وتجاهل التقاليد والحط من الديمقراطية الإسرائيلية لو لم يقدم ترامب سابقة وأراه الطريق”.
ولا يتعرض نتنياهو لضغوط الاستقالة بسبب الاتهامات ولا يزال يحظى بدعم قوي من قطاعات في داخل حزبه، وربما حاول إقناع الإسرائيليين بعدم قانونية القضية ضده، في وقت يخشى المحللون من أثر محاولاته على المؤسسات الديمقراطية.
مواصلة نتنياهو البحث عن مبررات وأعذار في وقت تؤكد الأدلة أنه مذنب بجرائم تجعله غير مؤهل لمواصلة الحكم
وقالت ياعل مزراحي- أرنود الزميلة الباحثة في منبر التفكير الإقليمي: “واجه نتنياهو الكثير من المعوقات ولكنه استطاع تجاوزها حتى هذا الوقت” و”لكننا سنرى في الأشهر المقبلة كيف ستتعامل قاعدته وحزبه مع الاتهامات، فهل هم مستعدون لتجاوز وتقويض القانون؟ ومواصلة البحث عن مبررات وأعذار في وقت تؤكد الأدلة أنه مذنب بجرائم تجعله غير مؤهل لمواصلة الحكم”.
ويقول ثارور إن وضع نتنياهو يؤكد مفارقة جديدة في واشنطن. فالحزب الجمهوري رفض الاتهامات التي تقول إن ترامب حجب الدعم العسكري عن أوكرانيا إلا في حالة قامت الحكومة هناك بالتحقيق بمنافس سياسي محتمل له والتأكيد على أن الرئيس كان قلقا أكثر من تقارير الفساد في أوكرانيا. ولكن سجل ترامب في مواجهة الفساد بالخارج فقير كما تقول نانسي بوزويل، المديرة السابقة لمنظمة الشفافية الدولية- فرع الولايات المتحدة. و”بخلاف هذا فقد عبر ترامب وعدد من مسؤولي إدارته عن دعم قوي لقادة دول معروفة بالفساد المستشري والسياسات المعادية للديمقراطية”.
وقالت بمقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”: “تبنى ترامب من بين عدد من القادة المعادين للديمقراطية روسيا وتركيا ومصر بل وقال: “لقد وقعنا في حب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون”، بل وحبه لمن كسر الأعراف، ونتنياهو الفاسد جزء من القائمة”.
وكان النائب العام قد توقع رد فعل من نتنياهو ولكنه قال إنه اتخذ القرار “بقلب مثقل ولكن بقلب يحمل حس الالتزام بحكم القانون”. وربما تمنى الأمريكيون أن يكون لديهم نائب عام يقول لترامب نفس الكلام.