واشنطن والسوريالية على طريقة الـ Genociden

حجم الخط
0

ثمة الكثير من الخلاصات التي تكشفت عنها انتخابات «الثلاثاء الكبير» تمهيداً لتسمية مرشحَي الحزبين، الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب؛ حيث فاز الأخير في 12 ولاية من أصل 15، وتمكن الأوّل من الفوز في جميع الولايات. ولعلّ الخلاصة الأجدر بالتنويه، هنا، هي حقيقة أنّ السباق ذاته الذي طبع الرئاسيات السابقة يُستعاد اليوم، بحذافيره وحيثياته وملابساته ذاتها تقريباً؛ مع فارق جوهري، يمتزج فيه العبث الفاضح بالسوريالية الهابطة، هو أنّ كلا المرشحين مكروه في ناظر غالبية عريضة من الناخبين في الحزبين معاً، حتى إذا كان أحدهما أكثر من خصمه تحريضاً على المقت، تماماً كما في المثل العربي الشهير عن شهاب الدين وأخيه.
فإذا وضع المرء حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزّة معياراً لقياس مواقف المرشحَين، بايدن وترامب، فإنّ الكفة يمكن بالفعل أن تميل لصالح الثاني؛ من حيث اتساق المواقف وتجانس الخيارات وسيادة منطق التواصل والاستمرار. هذا رئيس سابق منح دولة الاحتلال أكثر، ربما، مما كانت تحلم باستحصاله أعتى مجموعات الضغط الصهيونية/ اليهودية في الولايات المتحدة، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل، وأكمل صفقات أبراهام التطبيعية مع أنظمة عربية هنا وهناك.
الثاني، في المقابل، لا يكفّ عن اللهاث خلف مجرم حرب من طراز رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ولا يعفّ عن المصادقة على أية سردية إسرائيلية تجمّل جرائم الحرب المختلفة، ويمارس حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي ضدّ أيّ وكلّ مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار. لكنه، بضغط من الكوابيس المحتملة لعزوف شرائح واسعة من ناخبيه السابقين عقاباً له على انحيازاته العمياء تلك، يحتكم إلى هذا الطراز من التناقض الصارخ: متابعة تزويد دولة الاحتلال بالسلاح والعتاد والمال للذهاب في حرب الإبادة أبعد وأشدّ همجية وتوحشاً، من جهة أولى؛ والركون، من جهة ثانية، إلى بدعة مزدوجة هي الإنزال الجوي للمساعدات وإنشاء رصيف عائم عسكري لشحن مساعدات أخرى.
وكي يطرق مسماراً إضافياً في الجثة الخشبية العتيقة المهترئة إياها، استطاب بايدن أن تكون خطبته الأخيرة حول حال الاتحاد مناسبةً لعقد مقارنات خرقاء، بين أدولف هتلر وفلاديمير بوتين ودونالد ترامب ترامب؛ ولا عجب أن يكون تخوّفٌ مكتوم قد اعترى بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، خشية أن يخلط سيد البيت الأبيض بين الثلاثة: أيهما حكم أمريكا أم روسيا أم ألمانيا، على غرار ما فعل حين اختلط عنده المصري عبد الفتاح السيسي مع المكسيكي أندريس أوبرادور.
خارج الكونغرس، قبل خطبة الاتحاد وبعدها، كان التخوّف أعمق إزاء مؤشرات ملموسة حول رفض بايدن المرشح، تزايدت وتتزايد يوماً بعد آخر لدى فئات الشباب، والأفرو ـ أمريكيين، وأوساط اليسار، والطبقة العاملة، وذوي الأصول اللاتينية؛ قبل العرب ـ الأمريكيين والمسلمين عموماً. وإذا كان لقب Genociden، الذي ينحت مزيجاً من مفردة الإبادة واسم الرئيس الأمريكي، قد أخذ ينتشر لأسباب على صلة وثيقة، وشبه وحيدة، مع موقف بايدن من حرب الإبادة الإسرائيلية؛ فإنّ اللقب الثاني، Ecociden، بات يتردد بدوره على الألسن، لجهة آثام هذه الإدارة بحقّ البيئة والتسبب في تضخيم انبعاثات الكربون.
ذلك لأنّ تاريخ بايدن حافل بالمواقف المنكرة التي تشكّل سوابق منطقية لانحيازاته الفاقعة الراهنة، كما حين أطلق صفة «البراز» على تظاهرات الاحتجاج ضدّ حرب أمريكا في فييتنام، أو حين انفرد عن زملائه الديمقراطيين فصفّق لمشروع جورج بوش الأب في اجتياح العراق، أو ــ أخيراً، وليس البتة آخراً ــ حين خطب في مجلس الشيوخ سنة 1986 بأنّ منح دولة الاحتلال مساعدات بقيمة 3 مليارات هو «الاستثمار الأفضل» للولايات المتحدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية