واشنطن وطهران: تبادل السجناء خطوة على طريق شديد الوعورة

حجم الخط
0

ترجح غالبية من متابعي الوضعية الراهنة للصلات الرسمية الأمريكية ـ الإيرانية أن يكون اتفاق تبادل السجناء الأخير خطوة ملموسة على طريق أي مسارات محتملة حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وطهران، وأن يكون التنفيذ الناجح لعملية تسفير السجناء من الطرفين بمثابة تمهيد إضافي لأشكال التفاوض غير المباشر بين البلدين حول إعادة إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني لعام 2015، والذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد عطّله بعد وقت قصير من توليه الرئاسة وكان أحد أبرز الأسباب في تدهور العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية.
الملاحظة الأولى الجديرة بالتمعن هي أن الدبلوماسية القطرية لعبت الدور الأكثر حيوية في إدارة جلسات التفاوض غير المباشر حول تبادل خمسة من السجناء الأمريكيين مقابل خمسة من السجناء الإيرانيين، فضلاً عن رفع التجميد عن 6 مليارات دولار من عائد النفط الإيرانية المجمدة في مصارف كورية جنوبية وتحويلها إلى مصارف قطرية وسيطة تتولى التحقق من إنفاق طهران هذه الأموال على احتياجات إنسانية تشمل الغذاء والدواء.
وهذه مبادرة تستكمل وساطات سابقة تولتها الدبلوماسية القطرية بنجاح، على غرار المفاوضات الأمريكية مع الطالبان، وتعني أيضاً أن الآفاق لم تعد مغلقة تماماً أمام بذل جهود أخرى على طريق تحسين الصلات بين واشنطن وطهران، لما فيه مصلحة الشعبين الأمريكي والإيراني، وخدمة السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وخفض التوتر على مستويات إقليمية إجمالية. ومن الواضح أن أطراف التفاوض على أرض الدوحة تتعامل مع الدبلوماسية القطرية بثقة عالية أتاحت نجاحات سابقة مميزة، ولعلها سوف تتيح المزيد في المستقبل بخصوص ملفات شائكة مختلفة.
ملاحظة ثانية جديرة بالتأمل هي أن موافقة طهران على إخضاع الأموال المفرج عنها لرقابة متفق عليها بصدد أوجه إنفاقها، تدل من جهة أولى على أن العقوبات الأمريكية تثقل بالفعل كاهل الميزانية الإيرانية وتدفع إلى تقديم تنازلات اعتاد تشدد طهران الدبلوماسي على رفضها في الماضي. كما تدل أيضاً على أن حاجة إيران إلى السيولة لتذليل الصعوبات في الميادين الإنسانية هي في الآن ذاته تلبية لمطالب شعبية مشروعة تسببت مراراً في قلاقل واحتجاجات يكون ظاهرها الغذاء والدواء، ومضمونها الأعمق سياسي قوامه الدعوة إلى إصلاح النظام.
ملاحظة ثالثة هي أن غالبية السجناء المفرج عنهم على الجانبين من حملة الجنسية المزدوجة الإيرانية والأمريكية، وقد يُعقد الأمل على أن التوصل إلى اتفاقية التبادل الأخيرة يمكن أن يطوي جزئياً أو كلياً محنة هذه الشريحة من مواطني البلدين، خاصة وأن الاحتجاز وأحكام السجن تدور حول اتهامات غامضة وعامة مثل التجسس أو تهديد الأمن القومي. وإذا كان الأمريكيون الخمسة قد وصلوا بالفعل إلى أمريكا، فإن ثلاثة فقط من المواطنين الإيرانيين عادوا إلى بلدهم، بينما فضّل رابع السفر إلى بلد ثالث واختار خامس البقاء في أمريكا، الأمر الذي قد يشير إلى حال الحريات المدنية وحقوق الإنسان عامة في إيران.
تبادل السجناء خطوة أولى إذن، ملموسة وهامة، يمكن أن تفتتح مسارات على طريق طويل شديد الوعورة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية