دمشق – «القدس العربي»: أطلق مثقفون وأكاديميون ووجهاء وشيوخ معارضون في كلّ من السويداء ودرعا وريف حلب، مبادرة تحت شعار “وثيقة 8 آذار” للمناطق الثلاث دعت جهات سورية إلى “إعلان سوري مشترك بين الشمال والجنوب” لتوحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري بمشاركة منظمات المجتمع الأهلي والمدني، واتحاد النقابات المهنية والعلمية والاتحادات الحرة، بهدف مد جسور أهلية بين المناطق ودعم حراك السويداء، و”فتح حوار سوري عمومي عابر للمحليات والعصبيات يقود إلى تصور مشترك للخطوات الأولى لبناء اجتماع سياسي توافقي، قادر على تمثيل طموحات السوريين”.
التقت “القدس العربي” مع أبرز مؤسسي الحراك في الداخل السوري والخارج من أبناء المناطق الثلاث حيث أكدوا وجود دعم سياسي سوري مستقل داخلي وخارجي للمشروع، معتبرين أن الجامع الوطني المشترك بين المناطق هو رفض مشاريع الحكم الذاتي على حطام الدولة التي هي ملك للسوريين، وضرورة ربط الشمال بالجنوب لمواجهة المشاريع التي تعمل على الاستثمار في حراك السويداء وتعزيز حضور المجتمع الأهلي والمدني في القرار السياسي بما يتجاوز الهياكل الحزبية والتنظيمية السياسية القائمة، وتعزيز امتلاك السوريين لقرارهم والخروج من عباءات القوى المختلفة التي تحاول السيطرة عليهم والتحكم بمصيرهم.
ونشر القائمون على المشروع بيانا رسميا جاء فيه: “إنَّنا، بصورةٍ سوريةٍ مشتركةٍ ملؤها الأَمل، إذ نَتذَكَّر “إعلانَ استقلال سورية”، الذي أُعلِن في مِثل هذا اليوم من عَام 1920، اخترنا من طرائق الذِكرى أفضَلَها؛ فَقرَّرنا أن نُحيي ذاكِرتَنا الوطنيةَ الديمقراطية العريقة من بوابةِ المستقبل، وبدلالتِهِ، بالعَملِ المُشترك الذي يَستأنفُ المشروعَ الديمقراطي الوطني الذي بدأه السوريون في آذار 2011”. وتابع البيان: “واستناداً إلى ذلك، يتقدَّم أبناءُ هذه المناطق الثلاث إلى أبناءِ بَلدِهم سوريا في هذا اليوم العظيم بالوثيقةِ المشتركةِ الآتية، طامحين أن تكونَ موضعَ توافقٍ وترحيبٍ شعبي على امتدادِ البلاد، بما يُمهِّد الإمساك بمستقبلنا، وابتكارَ سياسةٍ وطنيةٍ سوريةٍ جديدةٍ أكثرَ عقلانيةٍ ونجاعة”. ويشتمل البيان على 6 مرتكزات أساسية:
أولا، قال البيان: “السياسةُ في سوريا شأنٌ عموميٌ سوريٌ، لا يخص فئةً دونَ أخرى”، متابعاً: “فإنَّنا نُعلِنُ بوضوحٍ، أنَّ تسليمَ القرار العمومي السوري لأي قوةٍ أجنبيَّةٍ، أو دولةٍ أخرى، أو ميليشيا، أو جماعاتٍ حزبيةٍ، أو عصبيةٍ، مصادرةٌ لقرار السوريين، ويجب أن يتوقف؛ سواء صدر من الطغمة المجرمة التي تحكم دمشق، أو من أي طرفٍ آخر”.
وتابع: “إنَّ ترجمةَ شعار الثورة الأول “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”، إلى سلوكٍ وخطابٍ سياسي يُحقِّقُ امتلاكَ السوريين السياسةَ العمومية، حقٌ أصيلٌ وواجبٌ على كل أبناء البلاد، لأنَّهم الذين صنعوا الثورة وهم مَن يملك الوطن. وتمكينُ السوريين من تأميم قرارهم الوطني هدفٌ سامٍ، لن تهونَ عزيمتُنا ولن تضعفَ إرادتُنا، حتى نُحقِّقَه”.
ثانيًا، اعتبر البيان أن “الصراعُ في سوريا بين الحرية والكرامة من جهة، والقَهر والإذلال من جهةٍ أُخرى هو بين ذهنيةٍ توَّاقة إلى الحياةِ والحرية يُمثِّلها الشَعب، وأخرى لا تفهم إلا القتلَ والتعذيب، وسلبَ الحد الأدنى من الحقوق، يُمثِّلها “النظام” الحاكم”. وتابع: “إنَّنا نؤمن أن الحياةَ، والحريةَ، والأمانَ، والكرامةَ حقوقٌ مصونةٌ للسوريين كلِّهم، تقعُ في مركزِ تفكيرِ السياسةِ السورية. ونُنَاهِض كلَّ فعلٍ أو خطابٍ يدعو إلى الكراهية أو يُروِّج للقبولِ بمصادرةِ الحُريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار”.
ثالثًا، وأكد البيان: “الدولةُ الوطنيةُ لجميع أبنائها، وليست دولةَ ملَّةٍ أو طائفة أو جماعةٍ عرقيةٍ أو حزبٍ أو تيارٍ سياسي”. وأضاف: “ونعلن أنَّ السعي إلى تقسيمِ سوريا عملٌ غيرُ مشروعٍ، أيًا كانت ذرائعه، ويجب مُناهضته بكل السُبل المُمكنة”.
رابعاً، اعتبر البيان أن “إنسانية البشر مُقدَّمةٌ على العصبيات والتحزّبات على اختلافها، لا يسلبها أحد ولا يمنحها أحد”.
وتابع: “لقد كانت “التنسيقية”، التشكيل الأول للثورة، فرصةً لتوليد السياسة والتعبيرِ عن حقيقتنا الوطنية وضمانِ عدم احتكارها وتشويهها بالتنسيق والتواصل بين السوريين. واليوم ندعو السوريين جميعًا إلى العودة إلى مبدأ التنسيق مرةً أُخرى، وبناءِ شبكاتِ ثقةٍ بينهم عابرةٍ للمناطق والطوائف والعصبيات، من أجل الإمساك بزمامِ أمورهم انطلاقًا من سلوكٍ ديمقراطي حرٍ وأصيلٍ يؤمن بتساوي السوريين، وأنَّ تعاونهم وعملهم المشترك السبيلُ لاستعادة الوطن”.
أما خامسًا، ذكر البيان، فـ “الثقة أداةُ تأسيسٍ سياسيةٍ تؤطِّر اجتماعنَا الوطني، وتُعيدُ بناءَ رأس مالٍ اجتماعي وطني يُمهِّد الطريق لـ “الوحدة في الكثرة”، واحترام التعددية وترسيخها قناعةً وعملًا، ويُمهِّد الانتقالَ إلى الديمقراطية فكرًا وسلوكًا”. ودعا البيان “السوريين كلهم في ذكرى التأسيس الوطني المُلهمة هذه، إلى التعبير عن الثقة والعملِ على تعزيزها وإيلائها أهميةً في السلوك السياسي والخطاب”.
وبذلك، أعلن “أبناء هذه المناطق الثلاث، التي لا تزال تنبض بروح الثورة وتحتفظ ذاكرتُها بآلامها وآمالها على مر السنين بتقدُّمِها وتَعثُّرِ”، العمل معًا.
دعم سوري
الشيخ أحمد الصياصنة، أبرز وجهاء وشيوخ محافظة درعا ومن مؤسسي المشروع والقائمين عليه، تحدث لـ “القدس العربي عن أهمية الوثيقة والدعم السياسي المقدم لها.
وقال: “تكمن أهمية وثيقة 8 آذار في مضمونها ومبادئها التي انطلقت منها، الذي يدعو إلى وحدة السوريين وتأميم السياسة وعدم الاتكال على الخارج والخطاب الوطني الجامع والبعد عن التجاذبات ونبذ الطائفية والمناطقية والاعتماد على السوريين أنفسهم في الخروج مما هم فيه”.
وثانياً من المناطق الثلاث “التي كونت النواة في الإعلان عنها لما تمثل من رمزية وإجماع وطني لدى السوريين، ونطمح لتكوين شيء جديد على أسس أكثر ثباتا سياسيا في القريب العاجل، وهناك مساع جادة بهذا الاتجاه”.
وأضاف الشيخ: “الذي يدعمها خارجياً لا أحد إلا السوريين الأحرار في الخارج غير المحسوبين على أي جهات غير سوريا، مثل ما تدعم الوثيقة داخلياً من السوريين أنفسهم والوطنين والشرفاء منهم أينما وجدوا”.
وتحدث مضر الدبس، وهو أحد القائمين على تنسيق العمل من محافظة السويداء، في تصريح لـ “القدس العربي”، عن القائمين على المشروع، مؤكدا أن الوثيقة تضم قوى مجتمع مدني وأهلي ونقابات مهنية ولجان حراك منتخبة ووجهاء ورجال دين تنتمي إلى المناطق الثلاث.
وبيّن أن الوثيقة مقدمة لبناء تصور سياسي واسع يضمن أكبر عدد ممكن من السورين على امتداد سوريا، وأضاف: “ثمة تصور مبدئي يحتاج إلى مزيدٍ من التنسيق والعمل، ولكن من دون شك، سوف يتم العمل على المراكمة على الوثيقة لبناء مجتمع سياسي يقوم على منهجية سياسية جديدة تنفع السوريين وتستطيع تمثيل طموحاتهم”. والجدير بالذكر أن “الفكرة يتم العمل عليها من قبل مجموعة من المعنيين بتغيير الوضع السياسي السوري إلى الأفضل، والمؤمنين بتأميم السياسة، وبالسوري العادي، والكثير منهم من خارج المناطق الثلاث، ولكن بطبيعة الحال كان القرار أن يتم الإعلان باسم المناطق الثلاث لاعتبارات عديدة، منها تقديم نموذج في المجال العمومي، ومنها الاستناد إلى القيمة الوطنية المعنوية التي للقريا بوصفها مهد الثورة السورية الكبرى عام 1925، وأيضًا درعا البلد مهد ثورة الحرية والكرامة في 2011، وريف حلب الشمالي والأنموذج الذي يقدمه في الصبر على المحن والإصرار على الحرية ووحدة الشعب السوري والديمقراطية”.
وقال: “ثمة نوعٌ من القناعة بأن منهجيات العمل السياسي وأدواته التي بين أيدينا الآن لم تعد صالحة لتحقيق طموحاتنا وحل مشكلتنا، وعليه سوف نسعى معًا إلى تجاوز المنهجيات القديمة القاصرة، وبناء شيء جديد يشبهنا يتجاوز النظام والمعارضة معًا، ويقترب من روح السوري العادي، وهذا سوف ننجزه معًا وبصورة مشتركة على امتداد سوريا كلها. كما تدعو الوثيقة السوريين كلهم إلى النظر بإيجابية لطروحاتها، ونقاشها، وإبداء الرأي لتطويرها، والانضمام إليها لبناء الخطوة التالية؛ لأن العمل في سوريا تراكمي بالضرورة، ولا يمكن انتظار العصا السحرية، أو التعويل على الخير لحل مشكلاتنا”.
وبرأيه، فإن “أهم ما تفيد به الوثيقة ومنهجيتها أن السوريين لن يتخلوا عن ذاكرتهم الوطنية ومشروعهم المستقبلي الذي يستند إلى وحدة الشعب السوري وحريته ورغبته في التحول إلى الديمقراطية.
والمسألة الثانية: أنها وحدة وقدرة على التنسيق على امتداد الجغرافيا السورية، وصولًا إلى تأميم السياسة السورية، أي عودة ملكية الشأن العمومي إلى الشعب السوري من جديد بوصفها خطوة لازمة لتحقيق الحرية والكرامة، وكأن إنعاش ذاكرتنا العمومية حول الثامن من آذار بوصفه يوماً سورياً لإعلان استقلال سوريا الأول عام 1920 هو عملية تأميمٍ أيضاً تعلنه الوثيقة ضمناً لهذا اليوم الذي نمتلكه نحن السوريين، وخصخصة حزب البعث بذكرى تافهة هي انقلاب 1963 سيئ الذكر”.
نشأة الفكرة
عضو لجنة صياغة وثيقة 8 آذار من ريف حلب – فضل حجب هويته لدواع أمنية – قال لـ “القدس العربي” عن الجهات التي شاركت في الوثيقة: “هي متعددة، من المجتمع الأهلي والمدني؛ من ريف حلب الشمالي شارك وجهاء من مدن حلب وأعزاز والباب، واتحاد ثوار حلب، واتحاد النقابات المهنية والعلمية، والاتحادات الحرة. وعن درعا البلد الشيخ أحمد الصياصنة ووجهاء من درعا البلد. وعن القريا لجنة الحراك العام في القريا. وهم يعكسون بمجموعهم المجتمع في هذه المناطق الثلاث”.
وحول الدعم السياسي الخارجي المقدم للمشروع، قال: ليس هنالك أي دعم خارجي. نشأت فكرة الوثيقة من ضرورة أن يتصل الشمال بالجنوب، وإفشال محاولة عزل الحراك المدني في السويداء من قبل النظام، والتأكيد الجامع الوطني المشترك بين المناطق الثلاث ورفض مشاريع الحكم الذاتي على حطام الدولة التي هي ملك للسوريين جميعاً.
الفكرة الجوهرية وراء الوثيقة هي تعزيز امتلاك السوريين لقرارهم والخروج من عباءات القوى المختلفة التي تحاول السيطرة عليهم والتحكم بمصيرهم دون إرادتهم.
أهمية الوثيقة
وأضاف: “لقد وجد الموقعون أن هنالك ضرورة لمد جسور أهلية بين المناطق الثلاث، ودعم حراك السويداء، وقد وجدوا في موعد 8 آذار/مارس الذي يصادف إعلان الاستقلال، موعداً مناسباً لتعزيز الاستقلال، ولقد اختير الموعد بعناية واضحة وتضمن الإشارة إليه في الوثيقة”.
وحول أهداف المشروع، قال: “يمكن تلخيصها بربط الشمال بالجنوب وتعزيز التنسيق والتفاعل بينهما، ومواجهة المشاريع التي تعمل على الاستثمار في حراك السويداء الوطني وجر السويداء إلى مشاريع مثل مشروع قسد، وتعزيز حضور المجتمع الأهلي والمدني في القرار السياسي بما يتجاوز الهياكل الحزبية والتنظيمية السياسية القائمة، كما تهدف الوثيقة أيضاً إلى أن تكون بداية لوثيقة أعم تشمل كل المناطق السورية”.
وحول استثناء مناطق شمال غرب وشرق سوريا، قال: “لقد تم تجنب إدلب كونها تحت حكم قوى أمر واقع ليست جزءاً من الثورة، تماماً كما هو الحال في الشرق”.
وحول الخطوات المقبلة، قال المتحدث: “يجب أن يستفاد من الوثيقة ويبنى عليها خطوة أخرى، وإن توسيع المتبنين لمضمون الوثيقة هو خطوة أولى وضرورية يمكن أن تتحول إلى أساس لإطار أكثر تنظيماً، هي الآن أشبه بإلقاء حجر في الماء الراكد. دعونا نرى ماذا يمكن أن يخرج بسببه”.