صاحب موجة الإنتخابات الأخيرة في العديد من البلدان، ومنها الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي في بريطانيا واوروبا، نمطا مهما، بصراحته وعمقه، من التساؤل حول هذا الجانب من الديمقراطية. فهولا يتعلق بالفساد والابتزاز، وهو ما يسود في النقاش عندنا فيجعل نسيج الديمقراطية مهترئا لا يليق بالمواطنين، وانما بالمنظور الواقعي لما يمكن توقعه من الناخبين حتى في أكثر الحالات نزاهة.
فما هي تساؤلات المواطن الغربي المختلفة عنا ؟
لعل اكثرها عمقا ما تمت مناقشته في برنامج قدمه راديو 4 للبي بي سي عشية الانتخابات، نهاية الشهر الماضي، ووسط قلق عام حول انخفاض نسبة المشاركة بالانتخابات كمؤشر يهدد الديمقراطية. والحلقة المعنية بالانتخابات هي واحدة من سلسلة اسمها «الفلسفة العامة»، قدمها بروفسور مايكل ساندل، استاذ الفلسفة في جامعة هارفارد الامريكية المعروفة.
من بين التساؤلات التي طرحها الجمهور على نفسه وقام ساندل بادارة النقاش حولها بشكل ساحر، مضيفا اليها تساؤلاته هو الآخر، هي: ما مدى قدرة المواطن على الاختيار الصحيح؟ وهل يعرف المواطنون مافيه الكفاية عن السياسة ليصوتوا بشكل صحيح؟ لماذ لا يصوت الجميع؟ هل هو انعكاس لحالة اليأس من السياسيين وعدم تنفيذهم للوعود الانتخابية؟ هل هو حصر التمثيل السياسي والفوز بحزبين او ثلاثة احزاب تاريخية فقط ؟
لم يكتف الجمهور بطرح الاسئلة فقط بل وتطورت من خلال الاسئلة المهمة اجوبة يحمل بعضها نوعا من الحلول. أكد البعض على مسؤولية المواطن بل وواجبه في المشاركة بالانتخابات، وحين تساءل ساندل عما اذا كان على الدولة في حالة تقاعس البعض، ان تجعل التصويت اجباريا، لجعل الناس يهتمون بما يجري حولهم، اجابه الحاضرون بان الاجبار يفسد مفهوم الواجب المدني؛ الذي هو بطبيعته عملا تطوعيا. اقترح احدهم ان يتوجب على المواطن، وهذا من شروط التمتع بحق المواطنة، ان يعرف جيدا لمن سيصوت ولماذا، ليكون لصوته القدرة على التغيير.
ماذا عن استخدام الرشوة او قبض المال للتصويت لصالح مرشح دون غيره؟ هل سيكون قبض 200 جنيه استرليني مثلا عملا غير اخلاقي؟ اقترح أحد الحاضرين ان تأخذ المال ولا تصوت لمن دفع لك. مما يذكرني، بما حدث اثناء الانتخابات العراقية. حيث افتى آية الله بشير النجفي، عبر برنامج استديو التاسعة بقناة «البغدادية»، بأن يأخذ المواطنون المال من السياسي الفاسد ولا يصوتون له، لأن المال ليس ماله بل هو مال الشعب العراقي. وهي فتوى تستحق التوقف عندها لما تثيره من تساؤلات حول مفهوم السلوك الاخلاقي وعلاقته بالانتخابات واذا ما كان القبول ببعض الفساد سيؤدي بالنتيجة الى ترسيخه كعملة مقبولة التداول. اما في لندن، فقد برر احد الحاضرين قبول الرشوة قائلا بانه ليس هناك فرق بين اخذ 200 جنيه كرشوة شخصية وبين وعد السياسي بتخفيض الضريبة الشخصية بقيمة 200 جنيه. ولكن، أليس تخفيض الضريبة هو لصالح جميع المواطنين، فما هو العيب بذلك خاصة اذا كانت جزءا من برنامج انتخابي شامل ولا تقتصر على تحسين الوضع الاقتصادي للافراد فقط؟
وحين توقف الجمهور عند اهمية البرنامج الانتخابي والمصلحة العامة، علق احدهم بان نسبة المنتخبين تزداد في حالة الحاجة الى اثبات الهوية. وهي نقطة تم المرور عليها بسرعة، ولعل سبب ذلك هو طمأنينة المواطن البريطاني على هويته وعدم احساسه بالتهديد الخارجي. هنا، استلم ساندل دفة النقاش متسائلا : «ما هو التصويت؟»، هل هو ملكية خاصة؟ شيئا أو عقارا صالحا للبيع والشراء؟ ومادام ملكا شخصيا لم لا يحق للفرد بيعه؟ جاءت الاجوبة مؤكدة بان التصويت مسألة معقدة. فهو فعل عام وهو اساس الديمقراطية وحرية الاختيار الفردي بذات الوقت الذي هو تعبير عن رغبة الفرد بان يكون جزءا من المجتمع. المجتمع الذي يوفر له حقوق المواطنة ويصبح من حقه ان يطالبه بالواجبات ومنها حق التصويت. هناك، اذن، عملية توازن دقيق بين حقوق المواطن وواجبه تتبدى بوجه خاص من خلال عملية التصويت.
لا بد أن بعض هذه التساؤلات تنطبق علينا في العراق وبقية الدول العربية، اذا ما نظفنا الواقع الانتخابي من أي تزوير أو أبتزاز او رشوة تقوم بها السلطة القابضة على موارد النفط، أو الأحزاب بمواردها أو ميليشياتها، ومع ابعاد عامل التدخل الخارجي.
ولنتفحص فترة ما بعد الانتخابات في العراق مثلا، حيث يتوجب على المواطن الاصغاء الى اسطوانة تشكيل الحكومة العراقية المشروخة. تصريحات الساسة جعجعة بلا طحن في دوامة التفجيرات والاعتقالات. مهمتهم الاولى هي الصراع على السلطة المموه بشعارات الحوار واللقاء ن بمساعدة اجهزة الاعلام. انهم مشغولون بخلق ضجة فارغة عن تكثيف الحوارات واللقاءات (حزب الدعوة الشيعي)، لتشكيل الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب، وتشكيل حكومة شراكة وطنية (كتلة الاحرار – التيار الصدري) وان تكون الإنتخابات فرصة لكي يقع العراق على السكة الديمقراطية والفدرالية الحقيقية (رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني)، والسير باتجاهين لتحقيق حكومة الاغلبية (دولة القانون، رئيس الوزراء نوري المالكي). ولكن، يتساءل البعض، الا يستحق المواطن كل هذا مادام قد شارك في الانتخابات وكانت نسبة المشاركة المعلنة أعلى بكثير من العديد من الدول الغربية، بما فيها بريطانيا، حاضنة الديمقراطية المعروفة؟ واذا ما كانت محاججة البعض بعدم صحة النتائج تذهب الى حد اتهام المواطن بالتخلف، والاصغاء للقوى الظلامية، وغسل الدماغ عبر اجهزة الاعلام مدفوعة الاجر، اليس هذا احتقارا للمواطن وحريته في الاختيار؟ وهو موقف مناقض، تماما، لمفهوم الديمقراطية والانتخابات المبنية على حرية الاختيار! ثم أليس من يتهم المواطن بالتخلف فيما يخص الادلاء بصوته، الآن، سيكون عرضة لأن يخسر صوت المواطن مستقبلا؟
هذه التساؤلات هي بعض ما اثير اثناء اعلان نتائج الانتخابات العراقية التي تم الترويج للمشاركة فيها باعتبارها اداة التغيير، الحقيقية، المؤدية الى التخلص من «المستبد نوري المالكي». وبما ان «التغيير» لم يتم، لكثير من الاسباب، بدأ الساسة يوجهون التهم الى الشعب باعتباره لا يليق بالديمقراطية، بدون ان يتطرقوا الى الحقيقة والنظر الى انفسهم باعتبارهم جزءا لايتجزأ من الفساد و»العملية السياسية» التي ساهمت وستواصل المساهمة في صناعة الاستبداد ايا كانت طائفته او دينه او قوميته. واذا ما تفحصنا الوضع، حاليا، بالعراق، وفق هذه المنظور، لادركنا كم هو مسكين المواطن المطالب بالتغيير عبر الانتخابات، والادهى من ذلك، في ظل نظام برنامجه الانتخابي هو «تصفية الحساب».
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
تعليقا على ما قرأته أعلاه أقول، على أرض الواقع هناك وجه واحد للديمقراطية/الديكتاتورية، فهي لا تقبل إلاّ بالترجمة الحرفيّة كما هو حال مصطلح الديمقراطيّة/الديكتاتورية نفسه، وما لاحظته في كل دولة عضو في الأمم المتحدة وتلتزم بنظامها بشقيه الديمقراطي والديكتاتوري، المخلصين فيها، بدأ كل منهم يعمل على إصلاح فساد النظام وما ينتجه من مثقفين ونخب من الذي يراه أمامه في فسادها.
والدليل على ذلك من ما زال يُسرّب المعلومات إلى أسانج مؤسس موقع ويكيليكس على سبيل المثال لا الحصر
ومن وجهة نظري ما فعله منتظر الزيدي بحذائه الذي رماه على ممثلي الديمقراطية بشقيه الغربي ممثل في جورج بوش والشرقي ممثل في نوري المالكي في آخر مؤتمر صحفي لجورج بوش في بغداد-العراق، لا يختلف عما فعله سنودن في موضوع تعرية ما تقوم به أجهزة المخابرات الأمريكية.
فكل منهما ابن النظام الفاسد ولكن استفاق ضمير كل منهما في لحظة ما.
فالأول نظر حوله لم يجد غير حذاءه فرفعه ورماه أمام جميع وسائل الإعلام والثاني نظر حوله لم يجد غير ما يعمل به من معلومات فرمى بمعلوماته إلى وسائل الإعلام.
ولكن مشكلة أهل ثقافة الـ أنا أو أبناء ثقافة العراق أولا أو سوريا أولا أو إيران أولا أو تركيا أولا أو فرنسا أولا أو بريطانيا أولا أو أمريكا أولا هو أنَّ بنائها الفكري مبني على النظرة السلبية (النظر إلى نصف القدح الفارغ بما يتعلق الأمر بالآخر والنظر إلى نصف القدح المليء بما يتعلق الأمر بالـ أنا أو العكس) ولذلك أنا لاحظت أنَّ هكذا مثقف لا يصلح للنقد،
كما تلاحظ بشكل واضح فيما ينشره منتظر الزيدي في مقالاته على سبيل المثال لا الحصر
والسبب ببساطة أنّه لا يستطيع استيعاب الصورة كاملة حتى يستطيع تشخيص المشاكل بطريقة صحيحة، حيث التشخيص الصحيح هو نصف الحل.
فما لم ينتبه له المثقف هو أن ما قام به جورج بوش من عولمة للديمقراطية من خلال استغلال الأمم المتحدة لشرعنة احتلال افغانستان والعراق، هذا أدى بالنتيجة إلى نسف الديمقراطية من الداخل بأدوات العولمة، التي اساسها مفهوم أنّه لا يمكنك الاحتفاظ بأي سر بعد الآن سرا، لعدم وجود حدود قُطريّة يمكنك التحكم فيما داخل هذه الحدود، لأنّ مفهوم الديمقراطية/الديكتاتورية تم بناءه أصلا على الضبابية التي تعمل ما بين مفهومي العلم الظاهر والعلم الباطن، أي أنّها تعيش على مفهوم السرّية.
فلذلك تجد أنَّ الديمقراطية قبل الديكتاتورية تحارب الشفافيّة أو التعامل بمصداقيّة لأنَّ النخب الحاكمة ستفقد الكثير من الامتيازات التي تعطيها لهم الضبابيّة بحجة العلم الظاهر والعلم الباطن.
ثم صناديق الإقتراع ليست حكرا على الديمقراطية، كما أن صناديق الاستفتاء ليست حكرا على الديكتاتورية، بل أنَّ مفهوم الصندوق لا علاقة له بمفهوم الصراع بين الأضداد أصلا.
ومن الطبيعي من حصر فكره داخل محددات الديمقراطية/الديكتاتورية لا يمكن أن ينتبه إلى أنَّ المواطن يبحث عن نظام جديد.
يكون فيه مفهوم الهيبة فيه للنخب الحاكمة ليس حق النقض/الفيتو كما هو الحال في نظام الأمم المتحدة، بل هيبة النخب الحاكمة تستمدها من احترامها لهيبة أصغر مواطن في الدولة.
ولا يهم من يكون من ضمن النخب الحاكمة طالما التزمت النخب الحاكمة بالحدود الدنيا من التعامل الأخلاقي مع مواطنيها، أي أن لا تفرض على مواطنيها أن يتعاملوا معها بحجة أنّها معصومة من الخطأ ، فقط لأنَّ المواطن أعطى صوته لكي تكون من النخب الحاكمة
فقد تبين لي من خلال الممارسة العملية أنَّ مبدأ أهل الديمقراطية/الديكتاتورية هو مبدأ من لا مبدأ له، بغض النظر إن كان بمسحة اسلاميّة أو علمانيّة، ولذلك من الطبيعي أن يخرج الجميع في أرجاء المعمورة ويهتف بكل جوارحه الشعب يُريد اسقاط النِّظام الذي يُكوّن مثقف ونخب حاكمة بلا ذمة ولا ضمير ولا إنسانيّة
والدليل من أرض الواقع هو طريقة تعامل نظام الأمم المتحدة مع ما يحصل في سوريا والعراق ومصر وفلسطين والمهجرين منها بسبب الظلم والاستعباد الحاصل فيها والتي لا تختلف عن مشاكل البدون في دول الخليج
ما رأيكم دام فضلكم؟
جثث الضحايا سُلم الصعود:
في عراق الدم قراطيه يقوم الاحتلال الأمريكي-الايراني بتنصيب زعيم المافيا ليقوم بواجب القتل والتنكيل والنهب تقرباً للأولياء. الانتخابات هي للضحك على عقول السذج والبسطاء خاصة في بلد كل شيء فيه مزيف من الأخلاق والوطنيه حتى الشهادات والعقود. لكن قدرتهم هائله على الخداع وسوف يصدقهم المغفلون والمنتفعون وما أكثرهم.
هذا وقد زار القنصل الأمريكي مركز الاقتراع في البصره.
لاأدري ما حصل في انتخابات العراق الاخيره
واين ذهب التغير
هل نحمل الشعب المسؤلية أم الجهل والفقر
أنا محتار مثلك ياأستاذه
ولا حول ولا قوة الا بالله
بسم الله الرحمان الرحيم , وبالله نستعين , وبعد .
متى نخرج من عنق الزجاجة كما يقال ؟, متى نصفي كل ما يدور حول الديمقراطية والانتخاب , بمصفاة الشفافية والصدق ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ؟ ألانستحق كشعب عربي أبي حر أن نرقى الىمستوى الشعوب التي تجاوزت هذه العنعنات والاختلالات والفساد وتأجير الضمائر وشراء الذمم ونحن أكثر شعوب الأرض أخلاقا ووعيا وادراكا , حيث حصننا الاسلام الحنيف والخلق العربي الأصيل ضد الزيف والخداع والكذب والرياء وبيع الذمم . أما آن الأوان أن ننفض ونرفض كل زيف وخذاع وكذب ورياء ونختار لأوطاننا الحكام الذين يخافون الله ويحقون الحق ونرقى بأممنا وبلادنا الى أعلى عليين , أم سنظل في دائرة الامعقول ونبيع ذممنا للطغاة المستبدين الذين يحكمون شعبهم العربي بالحديد والنا ر ؟, هل محكوم علينا أن ننتقل من طاغية الى طاغية آخر من حسني مبارك الى السيسي الى بشار الأسد – الى الأبد ياحافظ الأسد – الى المالكي وغيره وغيره , لماذا الحاكم في بلاد أخرى يفوز بنسبة معتدلة وحقيقية وحاكمنا يفوز دائم ب99,5 بالمئة أمعقول هذا ؟ ماذا تعلمنا من الجامعات التي صارت ملء الأرض العربية ؟ كم عدد الذين يحملون شهادة الدكتوراة ؟ ماذا قدم هؤلاء لأوطانهم ؟
لك الله ياوطني العربي الكبير مما تعاني .
السلام عليكم أستاذة هيفاء و شكراً لمقالك المفيد للمهتم و المتابع لشؤون الحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان…
الأشكالية بتقديري هي المقارنة ما بين ” حاضنة الديمقراطية المعروفة (أي بريطانيا) ” كما أسميتيها (تجلس على عرش أكثر من 300 عام من الممارسات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة و أحترام حقوق الانسان والقضاء المستقل والعادل بحيث أصبحت مدرسة حقيقية لاكثر الديمقراطيات الاوروبية التي جاءت بعدها وحتى مستعمراتها مثل أميريكا وكندا وأستراليا والهند) وما بين دولة – مثل العراق – أقل ما يقال عنها في ” دور التكوين الديمقراطي عبر ال 11 عام الماضية”…فأذا كان الاستاذ الدكتور ساندل يتمحّص الديمقراطيات الناضجة عبر ” مجهر سياسي ” فنحن في العراق ( وكما هو حال باقي دول ما يسمى بالربيع العربي) ليس بأمكاننا النظر الى السياسة ألا من خلال ناظور لا يرى ألا الاجسام و الاحجام الكبيرة من الوقائع السياسية….
وبالتالي فلابد من التفريق ما بين 300 عام و11 عام في كفاح الشعوب من أجل نيل الحرية والديمقراطية !!!