وجهة النهر

حجم الخط
1

أعودُ إلى البئرِ هذا المساء،
باحثاً عن يوسفَ.
ككلّ مساءٍ، أعودُ إلى البئرِ
لا لأُطَمئِن قلبَ أبي
ولكن لأغفرَ آثامَ قَلبي.
أنا خبأتُهُ في البئرِ خوفاً من إخوتي عَليه،
وحينَ رجعتُ، عرفتُ أن امرأةً
كانت تُربّي جدائلَها كأنهارٍ من الكحلِ،
قد قايضَت شَعرَها بسُلّمٍ
وعادت إلى البئرِ قبلي،
إلى يوسف.

هجَستُ بكلّ نهرٍ أفلَتَ من ضفيرة،
ألا يعطشُ نهرٌ أفلتَ من ضفيرة!
كيفَ يهدي خُطوتي نحوَ غايَتِها حينَ يلبسهُ الجفاف؟

كنتُ أركضُ خلفَ حَشرجةِ القافلة
خلفَ حَمحَماتِ الخيول، صرير الجفونِ التي صَدِئَت
وهي مفتوحةً تَنظرُ إلى يوسفَ تُحاول أن لا يَغيبَ.
كنتُ أقتَفي أثرَ الكُحلِ فوقَ الدروبِ ولَم أهتَدِ.
سأعثُرُ على يوسفَ، قلتُ، إن تبعتُ
رنّةَ العَطَشِ في وُجهةِ النهرِ
سأتبعُ جوعي إليه وشَوقي
سأتبعُ خَوفي عليهِ لأنجو من القلقِ
الذي ينتابُني ويكسرُ قلبَ أبي.
كان يَكفي أن يجرحَ الشكُّ خاطرَ يوسفَ لأرتبكَ
قبلَ أن يكون بوصلتي إلى اليقين،
أنا خبأتُهُ في البئرِ خوفاً من إخوتي عليهِ
حينَ أصابتهُ حيرةٌ
وأضعتُ في البئر قلبي حينَ أدرَكَني اليقين.
تَبعتُ رنّةَ العطشِ في وجهَةِ النهرِ، ولم أجِد يوسفَ.
كانت جدائلَها أطول من طريقي،
المرأةُ التي أفلَتَ من جدائلِها النهرُ.
كان الكحلُ ليلاً يقضمُ أثرَ القوافلِ فلَم أجد يوسفَ.
وحين أوشكَ اليأسُ منّي، والخُطى أدمَنَها اليباسُ
كانت امرأةٌ بنهرٍ فالتٍ من جدائِلها تخفِقُ بي، قالت:
لَم تصِل إلى يوسفَ لكنكَ أدرَكتَ الطريقَ وأكمَلتَهُ.
أعودُ إلى البئرِ هذا المساء،
باحثاً عن امرأةٍ تخفق بي.
ككُلّ مساءٍ أعودُ إلى البئرِ،
لا لأُطَمئِنَ قلبَ أبي،
ولكن لكي أجِدَ الطريقَ الذي
يقودُ خُطايَ نحوَ قلبي.

شاعر سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية