وداعا يا صدام: رسالة بوش…. أخطأت العنوان

حجم الخط
0

وداعا يا صدام: رسالة بوش…. أخطأت العنوان

أحمد نجيب الشابيوداعا يا صدام: رسالة بوش…. أخطأت العنوان في جناح الظلام استل صدام من زنزانته وهو أسير حرب لتنفذ فيه إرادة المحتل الغاشم شنقا حتي الموت ويشفي به غليل الأحقاد الطائفية العمياء. وكما عهدناه بطلا في الحياة شاهدناه بطلا في وجه الموت، عالي الهمة مرفوع الرأس مؤمنا بأمته وشعبه مرددا بصوته الجهوري كلمات السر التي تشده إلي وجدان شعبه وأمته بعقد الإيمان الذي لا ينفصم. غادر صدام الحياة الدنيا إلي الخلود ليلتحق بكوكبة الذين لا يموتون في ذاكرة شعوبهم، كوكبة عمر المختار ومحمد علي وغيرهم كثار ممن يضيئون الطريق وتقص حياتهم مأساة أمة بأسرها.لم يسايرك أحد من شعبك وأمتك في أخطائك، وليس هنا المقام لذكرها، ولكنك سكنت في قلوب الملايين من سواحل موريتانيا إلي شواطئ الهند، لا بل أحبك كل حر مستضعف من أقاصي أمريكا إلي أعماق آسيا. أحببناك لأننا نذكر لك تأميم نفط العراق وبه فتحت باب استرجاع الشعوب المقهورة لثرواتها المسلوبة، وأحببناك لأنك رفعت سيفك المسلول في وجه الأمية فقهرتها ونشرت العلم والمعرفة في البلد الذي علم البشرية القراءة والكتابة بالقصب. أحببناك لأنك حولت عاصمة الرشيد من قرية تقبع تحت الغبار خارج التاريخ إلي عاصمة يتنافس فيها العلماء والشعراء والأدباء والرسامون مع الأطباء والمهندسين والباحثين يقدون حاضر العراق ومستقبل العرب الزاهر. أحببناك لأنك أصلحت الزراعة وشيدت الصناعة وحررت المرأة وقهرت المرض ومددت الطرقات السيارة ووصلت المدن بالسكك الحديدية وبنيت الجسور والمطارات علي طول العراق وعرضه، من تخوم الأردن إلي مستنقعات شاطئ العرب. أحببناك لأنك انتصرت لكل مقهور ضعيف فأخذت بيده واسترجعت له حقه ولأنك أحببت فلسطين وجعلت منها كلمة السر في حياتك ومماتك. أحببناك لأنك أحببت العرب وأمنت بهم أمة تسحق الحياة وهديت لهم أعز ما تملك: أبناؤك ونفسك الأخير. أحببناك لأنك لم تسرق المال العام ولم تخزنه خارج الحدود، أحببناك لأنك لم تساوم ولم تبع أحلام الأمة وأمجادها بمفاتن العرش ولا استهواك المنفي ولو كان ذهبيا كما استهوي غيرك في بلاد الله الواسعة وفضلت الوفاء والمقاومة والصمود كالأسد في عرينه مدافعا عن شعبك وبلدك وأمتك.أحببناك لأننا فهمنا حقيقة خلافك مع طغاة العالم، الحفاظ علي ثروات بلدك والكد والجد في ردم فجوة الزمن التي فصلت الشرق الأصيل عن الغرب الحديث. أردت أن تعيد لبغداد الرشيد مكانتها في النور فأنكروا عليك ذلك. هاجموك فحاصروك ولم تستسلم، أمنت القوت والعلاج لثمانية عشر مليونا من البشر تحت الحصار، شيبا وشبابا، سنة وشيعة، عربا وأكرادا، مسلمين ونصاري، مدة اثنتي عشرة سنة بأيامها ولياليها ففرغ صبرهم ولم تفل عزيمتك فأعادوا عليك الكرة دون حجة أو مبرر سوي شموخك وإيمانك الذي عرفته ذات مرة بأنه القدرة علي إدراك الحقائق قبل وقوعها . قالوا انك تكدس من أسلحة الدمار الشامل ما يهدد أمن جيرانك فكذبوا وافتضح أمرهم ثم قالوا انك وراء هجمات ايلول (سبتمبر) فخابت حجتهم وأقر مجلسهم (الكونغرس) أن لا علاقة لك بذلك فعزفوا علي وتر الديمقراطية وحقوق الإنسان فافتضح أمرهم: تعذيب حتي الموت… اغتصاب جماعي للفتيات والمحصنات من النساء وحتي للأسود من الرجال… قتل بمئات الآلاف… إشعال لنار الفتنة الطائفية التي لم يكتو الشرق بها من قبل… نهب المتاحف والمباني العامة… سرقات بمليارات الدولارات…. فرق الموت… أنهار من الدماء… أدركت كل ذلك ووعدتهم بمقاومة لا تقهر علي أسوار بغداد فصدقت وكان وعدك الصادق. ها هم يعدون اليوم قتلاهم بالآلاف… وها هم جرحاهم اليوم يقصون بعشرات الآلاف علي أهاليهم مرارة الحرب ومآسيها. انقسم صفهم وادلهمت الآفاق في وجوههم فدفعهم حقدهم البربري الأعمي إلي مد يدهم عليك فاستباحوا حياتك وأنت أسير حرب بين أيديهم، قتلوك فجر عيد الأضحي وهم يعرفون قدسية هذا اليوم لدي شعبك وأمتك ويدركون ما ترمز إليه عندهم والمكان الذي تحتله في قلوبهم. سكت القادة العرب وارتجفوا إلا من رحم ربك ولكن بيوت العزاء أقيمت في شوارع موريتانيا المتحررة وفي فلسطين المحتلة وخرجت المظاهرات في عمان ومدن الهند حزنا وتغبنا عليك.أرادها بوش رسالة إلي العرب والمستضعفين فأخطأ العنوان. لا يريد أحد بعد اليوم ديمقراطيته الدموية، لا يريد أحد عدله القائم علي المكيالين مكيال للطغاة من أصحابه، بينوشي الذي لم يعرف حتي المحاكمة وشارون رجل السلام في صبرا وشاتيلا، ومكيال للأحرار من أمثالك فداس باغتيالك علي كل ما بنته أمريكا من مبادئ وقيم: المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع واستقلال القضاء والسلامة من التعذيب وسيادة القانون قانون الحرب والشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها إلخ من الأغاني الأمريكية التي أضحت مشروخة. إن كان للرأي العالمي والمنتظم الدولي من معني فقد خسرت أمريكا الحرب شرعيا حتي قبل أن تبدأها وإن كان لتأليف البشر وتوحيدهم من معني في السياسة فقد خسرت أمريكا الحرب سياسيا قبل أن تسقط فيها أخلاقيا. وها هي اليوم تخسرها عسكريا فاستقال وزيرها للحربية وأقر بوش ذاته بأن أمريكا لا تحقق النصر في العراق والبقية ينبئ بها ما أقدموا عليه من سفالة باغتيالك: هروب مذل من العراق كما هربوا من لبنان والصومال وفيتنام تاركين وراءهم الخراب والدمار والحروب الطائفية والنزاعات العرقية التي تهدد بالإتيان علي المنطقة بأسرها. لكن إدارة بوش التي أخطأت الحساب سنة 2003 تخطئ العنوان اليوم: لن يهابها أحد بعد اليوم، لقد مرغ أنفها في التراب، لقد أججت الحقد عليها في كل مكان من العالم. الشرق لن يموت، سينتفض من تحت الرماد، ويخرج من وراء الدخان واقفا شامخا راسخ القدمين علي صخرة مخزونه الحضاري الذي لا ينفد ولا يسرق ولا ينضب.نم واهنأ أيها الفارس المقدام لقد حملت نفسك ما لا تتحمله الجبال، نم وأهنأ أيها الفارس الهمام لقد بلّغت الرسالة وحفظت الأمانة ووعدك نافذ لا محالة، نم فلك العزة والخلد ولهم اللعنة والخزي.ہ محام وسياسي من تونس (الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي)9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية