أكتب هذا المقال على خلفية صورة الطائرة التي تحمل جثمان أمير دولة الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد، عائدة به من أمريكا حيث كان يتلقى رعايته الصحية، الصورة التي تنتشر بكثافة الآن على وسائل التواصل صورة سيريالية غرائبية، ما كان أحد من الكويتيين، معارضاً أو حكومياً، يتمنى رؤيتها، ولا أتصور أحداً قادراً على التعامل الحيادي مع عاطفية لحظتها.
ولقد التقيت سمو الأمير الراحل مرة واحدة في حياتي، حين كان رئيساً لمجلس الوزراء، حيث استقبل وفداً من أعضاء مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان كنتُ من ضمنه. أتذكره -رحمه الله- باسماً، وهو يمد يده للسلام عليّ قائلاً: أهلاً وسهلاً دكتورة. بدا استخدامه للقبي غريباً، فالشيخ صباح الأحمد رجل كبير في السن والمقام، ضليع في إدارته السياسية، عالمي السمعة القيادية، ولكن الأكثر من ذلك، هو رجل له سمة أبوية عند كل أفراد الشعب الكويتي لا يمكن تفادي الشعور بها، مهما بلغ الإيمان بالدولة المدنية ومهما استقوت المفاهيم السياسية الحديثة من النفس. نبقى نحن كمجتمعات خليجية، بصواب أو بدونه، مجتمعات جماعية أسرية، تحمل لكبير العائلة الكثير من القداسة الاجتماعية، تتعامل مع منظومتها الحاكمة بالروح الأبوية، يغلب على أساليب تعاملاتها الاجتماعية واجب الاحترام للكبير وترك مسافة كبيرة مستحقة له. استخدام سمو الشيخ صباح للقبي قرب المسافة بعض الشيء أو غيرها، كان ذلك -على دفئه- غريباً ومخيفاً في آن.
يومها، كان يترأس الوفد رجل العمل السياسي والإنساني العظيم، وقل ما تجتمع نوعية العملين بعظمة في شخص إنسان منفرد، الرئيس السباق لمجلس إدارة الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، الراحل السيد جاسم عبد العزيز القطامي، الذي حضر الزيارة على كرسيه المتحرك. وقف سمو الشيخ صباح عند رأس القطامي يسلم عليه ويشد على يده، فداعبه القطامي قائلاً: «عاد إحنا معارضة وأنتم ما تبونا» أو جملة من هذا القبيل يشير بها إلى موقفه المعارض المعروف دائماً تجاه الحكومة، فبادره سمو الشيخ صباح: «يا ليت كل المعارضة مثل معارضتك». تضاحك جمعنا وغادرنا، نحن جمعية معارضة يعلم سمو الأمير أنها، فور مغادرتها، ستعمل بقسوة معارضة لحكومته، وسمو الأمير وحاشيته حكومة نعلم أنها ستقاوم توجهاتنا في كثير من الأحايين. هذا المشهد مشهد كويتي بامتياز، لا أستطيع سوى أن أوعز الكثير من استقرار ديمقراطيته لفاعلية دستور الكويت الرصين ولاحترام الأسرة الحاكمة لهذا الدستور وتقديرها لعمق انغراسه في وجدان الشعب.
ثم تغيرت الأيام، وتحولتُ إلى صفوف المعارضة المتشددة، خرجت في مسيرات معارضة تواجهت مع قوات ضبط الشغب الحكومية، حضرت اعتصامات لعديمي الجنسية تلاقت والغازات المسيلة للدموع والدخان الخانق، بعضنا قبض عليه وآخرون، منهم أنا، نجوا من الوجود في قوائم الاتهامات، وإن لم أتخلص تماماً من تبعات التحقيق والاستدعاء المتناثرة بين حين وآخر وإلى وقت قريب. إلا أن السائد كان شعور الجميع، حتى أكثرنا تطرفاً في المعارضة والغضب، بدرجة مهمة من الأمان بوجود قضاء عادل ومنظومة قانونية محكمة يمكن لنا جميعاً أن ننال من خلالها حقوقنا ونشعر في ظلها بدرجة من الأمان.
وسمو الأمير الراحل كان من أشد المتمسكين بمبدئية القضية الفلسطينية، وقد حافظ رحمه الله، على موقف الكويت الثابت على المبدأ، وذلك دون أن يدخل في عداءات مخيفة مع دول مجاورة قريبة أو بعيدة، وذلك كان أشد ما يميز سموه رحمه الله. سياساته الخارجية كانت عبقرية، استطاعت حفظ توازن الكويت وإضفاء أهمية وثقل لوجودها في المعادلة العالمية. تصلنا الأخبار من غزة اليوم بإقامة وقفة عزاء وشكر للأمير الراحل، وقفة شعبية بسيطة، وليس أدل من البساطة على عمق التقييم الفلسطيني الشعبي لموقف الأمير ولسياساته الخارجية المبدئية، رحمه الله.
في كتابة هذا المقال الكثير من الصعوبة، فأنا أكتب وعلى مدى سنوات طويلة بنفس معارض متشدد. لم يسبق لي أن نعيت أحداً في مقال حتى أهم وأشد الناس قرباً لقلبي، فما بالي وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي عن الكتابة حول سمو الأمير الراحل الذي كنت، وما زلت، معارضة متشددة لحكومته؟ ما بالي غير قادرة على التحكم بقلمي وتوجيهه تجاه أي موضوع آخر؟ لربما هو الحزن المتسيد للموقف اليوم.
اليوم يعم الحزن الكويت كلها، مواءمة ومعارضة. فقد كبير ألم بالكويت، عمود من عواميد اتزانها الخارجي وحمايتها العالمية غادرنا، ووجه أب سيواريه الفقد الأليم، حفرته الأيام في ذاكرتنا وهو يجري مقابلة بضحكاته المعهودة أو يطلق دموعاً (وقت زيارته لمسجد الإمام الصادق الذي كان ضحية تفجير إرهابي في الكويت) على أبناء فقدهم. وها هي السلطة تنتقل بسلاسة واطمئنان وأمان، بشكل قانوني مرتب، وتحت مظلة مجلس الأمة الكويتي، إلى أمير الكويت الجديد سمو الأمير نواف الأحمد، متمنين له التوفيق والسداد. الكويت مختلفة، ولا أدل على ذلك من كتابة معارِضة قاسية لهذ المقال، لا ترتجي من خلفه شيئاً ولا تتوقع له صدى، إنما هي مشاعر صادقة من معارِضة مستمرة لن تغير من طريقها اتجاهاً، مشاعر تشير إلى قصة مختلفة لدولة في قلب الخليج، والتي رغم كل نقدنا وتحفظاتنا واستيائنا، بل وغضبنا، ورغم كل أخطائها وقصوراتها واختلال بعض موازينها، نعلم باختلافها… ونقدسه.
“حضرت اعتصامات لعديمي الجنسية تلاقت والغازات المسيلة للدموع والدخان الخانق، بعضنا قبض عليه وآخرون، منهم أنا، نجوا من الوجود في قوائم الاتهامات،” إهـ
ليت الأمير أنصت لكم يا دكتورة! فمعاناة البدون بالكويت فاقت كل تصور!! ولا حول ولا قوة الا بالله
هناك معارضة تُباع وتُشترى, وهناك معارضة لأجل الإصلاح!
وهناك معارضة كيدية, وهناك معارضة مشبوهة الغايات!!
وهناك معارضة تتخفى بالشعارات!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لا ديموقراطية بلا معارضة, فمهمة المعارضة كشف الممارسات الخاطئة بالحُكم!
المعارضة السلبية للتخريب, والمعارضة الإيجابية للإرشاد!! ولا حول ولا قوة الا بالله
هناك معارضة للسياسة والإقتصاد وووووو,
وهناك معارضة للدين والعرف والقيم والعادات والتقاليد!
أتمنى ممن يعارض الدين أن يكون خريج شريعة حتى يكون النقد علمياً!!
ولا حول ولا قوة الا بالله
ههه الرأي والرأي الأخر !٩
الحاج داود.
قلت :” أتمنى ممن يعارض الدين أن يكون خريج شريعة حتى يكون النقد علمياً!!”
المنتقد للأديان بصفة عامة يقول بأن الأديان صناعة بشرية , من هنا جاءت معارضته وليس من معارضة بنوذ الشريعة أو غيرها في الأديان الأخرى.
لماذا ضروري دراسة الشريعة لمن لا يؤمن بوجود الاه خالق ولا يؤمن بالاخرة
فكما المؤمن يعتقد بوجود الاه منذ الازل كذالك الملحد يؤمن بوجود طاقة/مادة منذ الازل تتفاعل وتتطور
مشاعرك الصادقة وصلت و نحن الفلسطينيين في كل مكان نشعر بغصة و حرقة كبيرة على رحيل القائد الكبير. رحمه الله.
شكرًا أختي إبتهال الخطيب. أنا مثلك لاأحب أن أخلط بين المشاعر الإنسانية والمواضيع سياسية. رحم الله أمير الكويت الراحل فهو صاحب سجل طيب. لكن يقال عندنا في المثل الشعبي أعطي لله مالله ولفوعون مالفرعون. وعليه في المرة القادمة ليكن تحليل علمي لسياسة الكويت في عهد الأمير الراحل وماذا ينتظر الشعب الكويتي والعربي من الأمير الجديد، كلنا أمل!
يكفيه عزا أنه انتقل إلى رحمة الله وهو لم يهرول أو يطبع مع الصهاينة .
لروحه السلام ….
تعازينا لكِ د.ابتهال ولكل الشعب الكويتي .
سيدتي نشاطركم العزاء، برحيل أمير البلاد،ووداعكم قمة في نبل المشاعر و صدقها.
1-يا ليت لنا مثل هذا الأب الحاني الذي يتكلم مثل الناس ويضحك مثل البشر ويداعب مثل بقية المخلوقات.
يا ليت لنا مثل هذا الأب الذي يتكلم ويسمع ويعرف أقدار من حوله، ويترك أبناءه يتحاورون ويتصارعون ثم يفيئون إلى رحابه وهو سعيد بهم، لا يقتلهم في الميادين، ولا يعتقلهم بعشرات الألوف، ولا يطاردهم في داخل البلاد وخارجها.
الرجل الطيب الراحل الذي ينادي الناس بألقابهم العلمية ويتباسط معهم مبتسما ومتوددا وهو بينهم، حين نقارنه بالطاغية الدموي الذي ينهر عضوا بمجلس النواب يفترض أنه يمثل الشعب كله، ويسأله باستنكار: أنت مين؟(من أنت؟) وهو يلتفت إليه من وراء ظهره، لأنه لا يستطيع مواجهة الناس أبدا، نجد الفارق كبيرا بين إنسان طبيعي يصيب ويخطئ ويملك طعم الحياة، وبين مخلوق متوحش لا يعرف غير الوحشية طريقا لإثبات وجوده وحكمه.