سد النهضة الذي يثير القلق والمخاوف ليس سوى وجه من وجوه الخلل الذي أصاب العلاقات العربية الإفريقية عموما والعلاقات المصرية الإفريقية خصوصا، فبعد أن كان هناك من يولي اهتمام ورعاية وعناية خاصة لدوائر المصير المشترك والمصالح وحسن الجوار، سيطر على العقل الرسمي العربي في عمومه والعقل الرسمي المصري على الخصوص إهمال متعمد وتعال غير مبرر على هذه الدوائر، وعلينا أن نعي سد النهضة حلقة في سلسلة مخطط شامل تقف وراءه واشنطن وتل أبيب لتصفية حسابات قديمة، وكانت مؤجلة مع «القارة العربية»، وفي المقدمة منها مصر عقابا لها على دورها الذي لعبته في زمن الاستقلال والتحرر الوطني، الذي ولى منذ نحو نصف قرن، وتحديدا فور أن وضعت حرب اكتوبر 1973 أوزارها، واتخاذ الرؤساء الذين حكموا مصر مواقف انعزالية ومنغلقة مشينة؛ جالبة للأزمات والفوضى والاستبداد والعنف، وما علينا إلا أن ننظر حولنا لنتأكد من هذا.
وصار القرار السياسي والمصيري المصري، ومن يقلدونه أو يتشبهون به ويسيرون على هداه، صار يأتيهم جاهزا ومعلبا بشأن أفريقيا و«القارة العربية»، وأصبحت نظرتهم لا ترى العالم إلا بعيون الإدارة الأمريكية والحركة الصهيونية ومستوطنيها في فلسطين وفيما وقع تحت احتلالهم من بلاد العرب، ومن دوائر نفوذهم في الغرب والشرق وباقي أنحاء العالم، وأوصلنا كل هذا إلى الوضع الذي نحن فيه، وكثير منا شريك في صناعته، وما أزمة سد النهضة سوى؛ وجه من وجوه مخطط تصفية حسابات قديمة لمرحلة سبقت، عاشها بقايا الكهول، ولم تعشها لا الأجيال الوسيطة ولا الشابة، وتأجلت حتى تهيأت الظروف للتنفيذ، ومصر التي لعبت في الماضي القريب دورا تاريخيا ومحوريا هاما ومؤثرا على المستويات كافة آن أوان استهدافها في وجودها ذاته، فتلحق بشقيقاتها في شرق وغرب وشمال وجنوب «القارة العربية»؛ بعد تصفية دورها، وكان ملء السمع والبصر ومزعجا لقوى الشر العالمية والإقليمية والداخلية.
وعن سد النهضة أشير لرأي باحث متخصص في القضايا العربية والإفريقية هو عادل عامر؛ رئيس المركز المصري للدراسات السياسية والاقتصادية؛ يشير إلى قصة سد النهضة، الذي أثار جدلا لم ينقطع، بأنه ليس سدا واحدا بل سلسلة سدود تقام على مجرى النيل الأزرق، الذي يحمل 136.5 مليون طن من الطمي سنويا، وهي كمية تكفي لردم سد النهضة في غضون خمسين عاما، وهي مدة قصيرة في عمر أي سد، وخطة إثيوبيا إقامة أربعة سدود؛ يتولى كل سد منها حجز كمية منه الطمي تخفف منه قبل وصوله إلى بحيرة سد النهضة، وذلك لإطالة عمر السد لمئتي عام، وتصل سعة هذه السدود التخزينية إلى مئتي مليار متر مكعب، والفاقد منها بالبخر يساوي نحو نصف حصة مصر من المياه!!، وإذا ما علمنا إن تدفقات النيل الأزرق، هي تدفقات رافد صغير لا تتعدى 49 مليار متر مكعب سنويا!! تعجز عن ملء أربع بحيرات لسدود أثيوبية ضخمة؛ مضافا إليها بحيرة ضخمة بحجم بحيرة ناصر للسد العالي المصري!!
صار القرار السياسي والمصيري المصري، ومن يقلدونه أو يتشبهون به ويسيرون على هداه، صار يأتيهم جاهزا ومعلبا بشأن أفريقيا و«القارة العربية»، وأصبحت نظرتهم لا ترى العالم إلا بعيون الإدارة الأمريكية والحركة الصهيونية
وبدا التسويف واستمرار العناد الأثيوبي إعلان حرب مياه على عموم أفريقيا، والأكثر تضررا منها هو الإنسان المصري، والسؤال من صنع ذلك المأزق؟، صنعته سياسات انعزالية مستمرة منذ ما قبل زيارة السادات للقدس المحتلة، وفك ارتباط مصر بـ«القارة العربية» وإفريقيا والعالم الثالث ومنظومة عدم الانحياز؛ تُركت تلك الدوائر عارية؛ تعاني الضمور، وسقطت واحدة تلو أخرى، وأثر ذلك بالسلب على التوازن الدولي، ونتج عنه انهيار الاتحاد السوفييتي، وتصفية الاتحاد اليوغوسلافي، وصار أثرا بعد عين، فضلا عما جرى بسبب التطبيع الرسمي الإسلامي والعربي مع الدولة الصهيونية، وصهينة أغلب السياسات العربية، بما فيها السياسة المصرية ومعها السياسة السعودية ودوائرها الخليجية والإسلامية، وما نتج عنها من حروب أهلية وبينية داخل البلد العربي الواحد وبين البلد العربي والآخر، وعن التخلي عن القضية الفلسطينية، وكأنها لم تكن جزءًا من الوجود العربي والإسلامي، وحقق ذلك انتصارا كاسحا للصهيونية العالمية لم تحلم به يوما.
وتولت أزمة سد النهضة تعرية السياسات العربية وفي قلبها السياسة المصرية، وكشفت تراجِعَها في إفريقيا؛ في وقت تغيرت، فيه القارة السوداء؛ وعادت مسرحا للمنافسة، وحلبة القوى المهيمنة الطامعة في ثرواتها، وتواجه تحديات لا قبل لدولة واحدة على مجابهتها في الظروف والأوضاع المتردية الحالية، وتحول أغلبهم لرديف يزود أعداءه بالطاقة والمال والتأييد والخنوع، ويعمل على تفتيت العرب واستنزافهم وعزل مصر وإبعادها، وهي خسارة فادحة لا يُعوضها غير فك الارتباط بالحركة الصهيونية، وبكل صور ونفايات الطائفية والمذهبية والعشائرية والتكفيرية، وإعادة النظر في العلاقات الأمريكية على أسس جديدة، وبدلا من العمل بالمقولة التقليدية المستهلكة عن «تحييد أمريكا»، والبديل هو التحصين بتحييد النفس بالبعد عن أمريكا، وقد أضحت طاعون العصر، وتشجيع أولي الأمر العرب على مد اليد لانتشال الأبناء من مستنقع الرديف والتبعية والضعف والهوان، وتوعيتهم بالتمسك بقيم المساواة الإنسانية والقانونية، وبالندية وباستقلال الإرادة وبالوحدة الوطنية والقومية.
وسد النهضة، وهو يدخل مراحله الختامية، وضع مصر أمام الأمر الواقع، وتسويف ومماطلة إثيوبيا فقد مبرراته وجدواه، وحقق الأهداف التي سعت إليها أديس أبابا، والمرة الوحيدة التي وقع فيها رئيس الوزراء الأثيوبي على اتفاق مكتوب كان «اتفاق المبادئ»، واعتمد عليه في المماطلة وكسب الوقت، ولم يُقابَل ذلك بحسم من القاهرة، وتم التعامل معه بالطريقة التقليدية، التي أدمنت التنازل ثم التنازل ثم التنازل، وأخطر التنازلات كان للرياض عن جزيرتي تيران وصنافير، ضمن اتفاق ترسيم بين الحدود البحرية بين البلدين (2016)، خلال زيارة الملك سالمان لمصر، وأقرها البرلمان المصري في (2017)، بعد جدال ومشاحنات؛ في البرلمان والرأي العام ودوائر القضاء، وفي العشرين من نفس الشهر أصدر القضاء الإداري حكمه ببطلان الاتفاقية، واستمرار نفاذ أحكام المحكمة الإدارية العليا، ببطلانها، وعدم الاعتداد بأي أحكام قضائية، صدرت أو ربما تصدر من محاكم الأمور المستعجلة، بشأنه.
وقالت الحكومة، (يونيو 2016)، إن إدارتها لجزيرتي تيران وصنافير «ستستمر حفاظا على الأمن القومي المصري والسعودي»، إذا ما تم تسليم الجزيرتين للسعودية، مضيفة أن مواطنيها لن يحتاجوا إلى تأشيرة للذهاب إلى الجزيرتين، وحسب تقرير رسمي؛ «الجانب السعودي تفهم ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزر وحماية مدخل الخليج، وأقر الاتفاق بقاء الدور المصري إيمانا منه بدور مصر الحيوي في تأمين الملاحة في خليج العقبة».
ورفعت الحكومة المصرية دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، لفض تناقض الأحكام القضائية بشأن الجزيرتين، وقررت هيئة مفوضي المحكمة تأجيل الدعوى لجلسة عقدت في 2017 لتقديم المستندات والمذكرات والمرافعة، ومعنى ذلك استمرار النزاع القضائي، والإشكال هنا؛ كما يراه فقهاء الدستور ورجال القانون هو إنه بنشر الحكم في الجريدة الرسمية انتقلت ملكية الجزيرتين رسميا إلى المملكة السعودية(!!).
وهي نفس روح تعامل الجانب الإثيوبي مع «إعلان المبادئ» (2015)؛ تم التعامل؛ مع أزمة تيران وصنافير، وتخطي الحكم النهائي والبات بملكية مصر للجزيرتين، ونختم بالإشارة إلى الضمير الوطني المصري، وعدم قناعته بنزاهة الوسيط الأمريكي، وتأكده من رفض الحكومة الإثيوبية التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى ووقع عليه ممثل مصر، واستمر الموقف الاثيوبي المتعنت؛ معتمدا على تفسير حق إثيوبيا في بناء السد كحق مطلق، ونصه الوارد في الاتفاق «يعتبر بناء السد حقا لإثيوبيا على ألا ينجم عنه أضرار جسيمة بمصر والسودان» ولم تر إثيوبيا فيما فعلت أي ضرر وقع على مصر، وضاعت المفاوضات والوساطات، وغاب الضغط الأمريكي الذي راهن عليه الأغبياء على إثيوبيا، وتعزز الحدس الوطني المصري بوجود تواطؤ من واشنطن وتل أبيب لصالح استكمال بناء سد النهضة.. وما زال ملف العلاقات المصرية الإثيوبية والإفريقية مفتوحا!!.
كاتب من مصر
نتيجة سياسة حكام مصر بعد زيارة السادات الى القدس المحتلة وعربدة حسني مبارك وانفراد اليهود والامريكان بسياسة خكام مصر تركوا الدول العربية وتركتهم وباركت تفتيت العراق وهاهي مصر اليوم تواجه التكالب لوحدها فلا احد يعتد لها لانها لم تحسب جيدا وحتى لو دخلت في حرب من اجل السد لاحد من العرب يخاطر من اجلها
سردكم وتحليلكم واقعي ولا ننسي ايضا السد العالي وما ترتبت من اثار للسودان من تهجير سكنان حلفا و طمس قري فهذا دعم روسى وذاك لولب صهيوني والله غالب
الحكومات المصريه المتعاقبة مبنيه علي الفساد و المصلحه الخاصه. شخصيا” لا ولم اري اي دور لمصر لخدمة العرب إلا لمصلحتها. حتي دورها في القضيه الفلسطينيه مبني علي المنفعة والاستفاده و الدليل هو خنق قطاع غزه لسنوات تحتي اسباب تافهه بالرغم من الاستفاده الكبيره التي تجنيها علي حساب قضية فلسطين.
من حق إثيوبيا بناء سد النهضه لتنميه بلدهم الماء مائهم والأرض أرضهم والسد سدهم، مصر ليس لها الحق هل نسيتم جرمكم بتهجير قرى النوبيين باسوان ووادي حلفا واغراقهم وتشريدهم ببناء السد العالي خربتو البلد وإنشاء الله يكون سد النهضه عون لنوبيين لانحسار المياه عن قراهم والزراعه يا خرابين البيوت