أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت، ورقة علمية بعنوان: «هل تسهم العقوبات الأمريكية على روسيا في التحول عن نظام سويفت؟» وهي من إعداد الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم مقداد، البروفيسور في الاقتصاد، والذي يشغل منصب نقيب الاقتصاديين الفلسطينيين، والأستاذ محمد عبد الهادي نصار، باحث دكتوراه في الاقتصاد في جامعة بورصة أولوداغ بتركيا.
وتناقش الورقة أثر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لنظام سويفت في العقوبات الدولية تجاه التخلي التدريجي عن نظام سويفت والتحول إلى أنظمة أخرى.
وقد ظهر نظام سويفت سنة 1973 ويستخدم النظام رموزاً معيارية لتمييز المصارف والبنوك، ويتيح للمؤسسات المالية إرسال واستلام المدفوعات والتحويلات المالية بطريقة آمنة وفعالة، ويستخدم سويفت أيضاً لتبادل المعلومات الأخرى المتعلقة بالتحويلات المالية.
وعرف نظام سويفت العديد من التطورات التقنية على مدار السنوات، وصولاً لتعميم استخدام المنظومة الجديدة سويفت نت SWIFTNet مع حلول سنة 2004 ما اعتُبر تطوراً نوعياً سمح بالتواصل الآني بين الحواسيب، وإنشاء خدمات جديدة موجهة إلى زبائن جدد مثل صناديق التحوط، وصناديق التقاعد، وسماسرة أسواق المال، بالإضافة إلى المؤسسات غير المالية.
وأشارت الورقة أن من أهداف نظام سويفت ألا يكون النظام المالي العالمي تحت سيطرة أو احتكار كيان معين، ويشترط كجزء أساسي من قواعده عدم الانحياز إلى أي من الدول الأعضاء، إلا أن الهيمنة الأمريكية والأوروبية عليه ساعدت في تمكينها من فرض العقوبات الدولية على الكثير من الدول التي تخالف سياساتها، حيث قامت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في شهر شباط/ فبراير 2021 وفي أعقاب الغزو الذي شنته روسيا على أوكرانيا، باتخاذ مجموعة من الإجراءات العقابية تجاه روسيا ومنها طرد مجموعة مختارة من البنوك الروسية من سويفت، بما في ذلك سبير بنك، أكبر بنك في روسيا، بهدف عزل الكرملين عن الاقتصاد العالمي، واستنزاف الموارد المالية التي تساعد روسيا في الغزو العسكري لأوكرانيا.
وخلصت الورقة إلى أنه في ظلّ سيطرة نظام سويفت، ما يزال الدولار يحتل المرتبة الأولى على صعيد أوامر الدفع العالمية وفق بيانات شهر نيسان/أبريل 2023 وذلك بنسبة 59.74 في المئة من مجموع الأوامر المالية التي تمت عبر سويفت حول العالم، وبالتالي فإن سيطرة الدولار وهيمنته عالمياً تجعل الأمر صعباً أمام التحول نحو نظم بديلة على صعيد أوامر الدفع العالمية، وأشارت الورقة إلى عدم وجود احتمال واقعي بأن بكين وموسكو ستُنشآن نظاماً مشتركاً حيويّاً يمكّن روسيا والصين من الاستغناء عن نظام سويفت.
ونبَّهت الورقة إلى أنه وبالرغم من أن مئات المصارف الروسية قد تبنّت نظام سبفس، إلا أن عدداً قليلاً فقط من المصارف الدولية قامت بذلك، والعديد منها لا يستخدم هذا النظام بشكل فعال. وتشمل تفسيرات هذه الندوة مخاوف بشأن عدم كفاءة النظام، وساعات العمل المحدودة، وانخفاض أعداد المشاركين، ناهيك عن التأثير السياسي والاقتصادي الذي قد تمارسه موسكو على المصارف الأجنبية التي تنضم إلى مستخدمي النظام البديل.
ولاحظ الباحثان أن الدور الذي تلعبه النظم البديلة عن سويفت وخصوصاً نظام المدفوعات الروسية والصينية ما زال محدوداً ولكنه يتنامى مع الزمن، وستزداد قوة التحالف في حالة انضمام دول البريكس الأخرى؛ ما سيعجّل إضعاف الدولار الأمريكي، ويزيد من احتمالية التخلي عن الاعتماد على عملة دولة واحدة فقط، والتوجه نحو تبني سلة من العملات القوية وتعزيز قيمة عملاتها المحلية.
ورجح الباحثان أن يكون لنظام سبفس الروسي وسيبس الصيني مجتمعين أثر كبير في تفعيل نظام دولي جديد يعد أساساً للتحول عن نظام سويفت العالمي المحكوم أوروبياً وأمريكياً. فنظام سبفس الروسي يشتمل في مجموعته على 423 مصرفاً في 23 دولة، ونظام سيبس الصيني يشتمل في مجموعته على 1452 مصرفاً أو مؤسسة مالية في 185 دولة، ما يجعلهما مجتمعين مؤهلين لإصدار نظام جديد للمدفوعات المالية، وخصوصاً إذا تمّ تشجيع مجموعة البريكس لاعتماد عملة البريكس الموحدة لجميع هذه الدول.
ورأى الباحثان أن قوة التحالف الروسي – الصيني في مواجهة العقوبات الغربية، سيزيد قوة ونفوذ الصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيسهم في تغيير موازين القوى العالمية؛ حيث ستتحول الدول وشركاتها ومنتجو الصناعات الأخرى إلى تسويات معاملاتها الخارجية من خلال العملات المحلية عبر نظم المدفوعات البديلة عن سويفت، كما يسهم في ظهور تحالفات جديدة ستؤثر على خريطة الاقتصاد العالمي، وتؤثر بالتبعية على اقتصاد العديد من الدول الاقتصادية الكبرى؛ حيث يتبنى الاتجاه الروسي – الصيني، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وكذلك دول منظمة شنغهاي للتعاون للتنسيق فيما بينها لبدء التخلي المنظم والتدريجي عن استخدام الدولار كعملة تبادل رسمية، والاعتماد على العملات الوطنية في معاملاتها وتكوين احتياطاتها المالية، واستخدام النظم البديلة عن سويفت، ما سيسهم مع الزمن إلى تراجع أمريكا عن استخدام سويفت كسلاح عقوبات ضدّ الدول.
وخرجت الورقة بمجموعة من التوصيات التي تسهم في تسريع إيجاد بديل للتحول عن نظام سويفت، وتقليل قدرة أوروبا والولايات المتحدة على فرض العقوبات الاقتصادية على المخالفين سياسياً، حيث أوصت بتظافر جهود الدول المتضررة من العقوبات الأمريكية من خلال العمل على اعتماد نظام موحد فيما بينها كبديل عن نظام سويفت، والدمج بين عدد من نظم الدول المختلفة. ودعت الورقة إلى تعزيز التكتلات الاقتصادية الموازية أو المناوئة للتكتلات الغربية مثل تكتل البريكس أو الدول التركية أو غيرها.
كما أوصت الورقة بالتخلي التدريجي عن استخدام الدولار كوسيلة للمدفوعات الدولية، وحثت الدول المتخوفة من تهديدات الغرب أو المهددة بالعقوبات فعلاً على التجرؤ على اتخاذ قرارات إصدار العملة الموحدة والعمل في نظام بديل عن سويفت.