القدس – «القدس العربي»: كشفت وسائل إعلامية عبرية أن جهات رسمية تعتزم تخصيص مليوني شيقل (543 ألف دولار) لتمويل اقتحامات استيطانية مُنظّمة لانتهاك حرمة المسجد الأقصى.
ولاقت هذه الخطوة استنكارا فلسطينيا، في الوقت الذي حذر فيه باحث تحدث لـ»القدس العربي» من مخططات تيار الصهيونية الدينية لبناء ما يسمونه «جبل الهيكل» في المسجد الأقصى. وكشف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي «قناة كان» أن وزير التراث في الحكومة الإسرائيلية، عميحاي إلياهو، المنتمي إلى حزب «القوة اليهودية» بزعامة المتطرف ايتمار بن غفير، يعتزم تخصيص المبلغ لتمويل اقتحامات استيطانية مُنظّمة لانتهاك حرمة المسجد الأقصى.
وقال التلفزيون الإسرائيلي إن وزارة التراث تسعى لبدء الاقتحامات التي تنتهك حرمة المسجد الأقصى خلال الأسابيع المقبلة، وذلك تحضيرًا لفترة الأعياد اليهودية.
وصادق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومجلس الأمن القومي على خطة وزارة «التراث» .
وكرر مكتب نتنياهو الزعم بأنه «لا يوجد تغيير في الوضع الراهن في جبل الهيكل»، في الوقت الذي يكرر ايتمار بن غفير الإعلان عن أن سياسته ستغيّر الوضع الراهن بالسماح لليهود الذين يقتحمون المسجد الأقصى بالصلاة فيه.
باحث مقدسي لـ«القدس العربي»: الصهيونية الدينية تسعى لبناء الهيكل
وحسب مراسل الشؤون السياسية في «قناة كان»، مخائيل شميش، فإنّ المجموعات اليهودية المتطرّفة التي تعمل لهدم المسجد الأقصى لم تعد هامشية، وبات يؤيّدها كثير من السياسيين والحاخامات، والمنظمات التي تحظى بدعم من داخل الكنيست، ولديها علاقات وقنوات اتصال مباشرة مع وزراء اسرائيليين. وأضاف أن جولات الاقتحام للمسجد الأقصى تهدف لتعزيز الرواية الإسرائيلية من خلال اقتحامات «إرشادية» تستهدف عشرات الآلاف من اليهود والزوار الأجانب، وذلك بالتزامن مع جهود ايتمار بن غفير، لتغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى.
وتتضمن الاقتحامات الإسرائيلية والتي كان آخرها صباح الثلاثاء، وقادها المتطرّف يهودا غليك، تقديم شروحات حول «التراث اليهودي» في المسجد الأقصى، مع ترويج الوزارة الإسرائيلية مزاعم بأن هذه المعلومات ستكون «نقية وخالية من الحقائق البديلة» .
وفي سياق ذي صلة، كشف شميش أن المدير العام لوزارة التراث، إيتي غرنك، تواصل مع المدير العام لمكتب بن غفير للحصول على موافقة الشرطة لتنظيم هذه الاقتحامات، والتي حظيت بموافقة نائب قائد منطقة القدس في شرطة الاحتلال.
وأكدت وزارة التراث أن هذه الاقتحامات ستتيح لعشرات الآلاف من اليهود ومئات الآلاف من السياح الأجانب سنويًا فرصة التعرف على «التراث اليهودي»، بمعلومات دقيقة خالية من أي «حقائق بديلة أو سرديات زائفة»، التي تعتبرها الوزارة جزءا من «أجندة معادية للسامية».
وأوضحت شرطة الاحتلال التابعة لوزارة الأمن القومي التي يقودها بن غفير أن هذه الزيارات ستنظّم ضمن إطار الزيارات التقليدية في منطقة «جبل الهيكل» ووفقًا للقوانين السارية. ويوم أمس الأول الإثنين، ألمح ايتمار بن غفير، إلى أنه يدعم بناء كنيس داخل المسجد الأقصى.
وقال لإذاعة الجيش إن «السياسات المتبعة تسمح لنا بالصلاة في الأقصى، بالإمكان إقامة كنيس في المكان». وأكد أنه «سيبني كنيسًا» في المسجد الأقصى.
وتعليقا، نددت وزارة الخارجية الفلسطينية بقرار الحكومة الإسرائيلية تمويل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، ووصفته بأنه «تحدٍ سافر».
وقالت في بيان: «في تحدٍ سافر واستخفاف بردود الفعل العربية والإسلامية والدولية تجاه الدعوة التي أطلقها بالأمس الوزير المتطرف بن غفير، أعلن ما يسمى بوزير التراث في حكومة الاحتلال (عميحاي إلياهو) تخصيص مليوني شيكل لدعم اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وتعزيز الرواية التوراتية المزعومة حول المسجد حسب ادعائه».
وأضافت: «هذا الدعم المعلن يمثل سياسة إسرائيلية رسمية تمعن في تهويد المسجد الأقصى وتغيير واقعه القانوني القائم، وتنذر بتفجير الأوضاع في الضفة الغربية وإغراقها في دوامة من الفوضى». ولفتت إلى أن ذلك «يترافق مع ما ورد في الإعلام العبري بشأن توسيع نطاق عمليات الاحتلال العسكرية والدموية في الضفة المحتلة، وتصعيد ملحوظ في اعتداءات ميليشيات المستوطنين».
وتابعت أن «تخصيص مبالغ مالية حكومية إسرائيلية، معلنة وغير معلنة، دليل واضح على تورط حكومة الاحتلال في تلك الاعتداءات، كما أن هذا الإجراء ترجمة لسياسة بن غفير الاستعمارية العنصرية للسيطرة على المسجد».
وأشارت الخارجية إلى أن «ذلك يندرج في إطار ترويج ادعاء الحق المتساوي في الصلاة لكنها في حقيقة الأمر تدنيس للمكان المقدس وخطوة باتجاه تهويد المسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني تماما كما يفعل الاحتلال في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل».
كذلك قال مدير دائرة القدس في منظمة التحرير الفلسطينية عدنان الحسيني، إن ما تم الكشف عنه «هو مأسسة لعملية الاقتحامات التي كانت تتم في السابق بشكل غير منظم».
وأضاف لـ»وفا»، أن الزيارات ممنوعة في المسجد الأقصى، والمستعمرون يدخلون عنوة إلى المسجد وبالقوة وبعيدا عن الأوقاف الإسلامية، ولا توجد زيارات للسياح.
وأكد أن المسجد إسلامي خاص للمسلمين، وكل ما يقوم به الاحتلال هو اعتداء على المسجد وتغيير للإستاتيكو القائم منذ عهد الدولة العثمانية، ويتم حاليا تغيير الوضع القانوني والديني في المسجد الأقصى بدعم من الحكومة الإسرائيلية ووزرائها المتطرفين.
وعلق الكاتب والمتخصص في شؤون المسجد الأقصى زياد ابحيص على سعي تيار الصهيونية الدينية إلى بناء الهيكل في الأقصى بأنه «إعادة إنتاج الصهيونية كحركة قومية ودينية في الوقت نفسه، لا تكتفي بالنظر إلى اليهود كشعب تريد أن تؤسس لهم كياناً سياسياً على أنقاض فلسطين، بل إن هذا الشعب هو في الوقت عينه أمة مختارة لهذه الأرض، لها تكليف إلهي بأن لا تسمح لهوية أخرى أن توجد فيها، وتكليف إلهي بأن تؤسس الهيكل ليكون محل سكن روح الرب، فتصبح «مملكة إسرائيل» التي يحل فيها الرب ويباركها».
ويرى ابحيص أن تحويل الأقصى إلى هيكل هو «جوهر مركزي مفقود لهذا الكيان السياسي بنظر الصهيونية الدينية، لا بد من تحقيقه لثلاثة أسباب: أولاً حتى تحل روح الرب فيه وتباركه فيكون «مملكة إسرائيل» الموعودة، والثاني إعمالاً للتوراة واستعادة للعبادة الأسطورية القربانية الموصوفة فيها، والتي لا تكتمل إلا بوجود الهيكل في مركزها، والثالثة والأهم باعتبار ذلك كله بوابة إلى تحقيق الرب لوعده بأن يرسل المخلص، وأن يُخضع به أعناق الأمم لشعبه المختار، بأن يتحول التاريخ من مجراه الإنساني إلى مجرىً إلهي تتجلى فيه المعجزة؛ وكلما ازداد شعور هذا التيار بأنه محاط بالأعداء وأنه عاجز عن كسرهم، سيصبح أكثر تطلعاً إلى تلك النبوءة وأكثر إلحاحاً على استجلابها وبالتالي أكثر إصراراً على العدوان على المسجد الأقصى».
وحسب ابحيص فإن تصريحات بن غفير التي ألمح فيها الى نيته بناء هيكل يمكن أن تقرأ منها مجموعة من النقاط، و»لعل أبرزها أن هذا التصريح تعبير عن برنامج عملي ممارَس وهو ليس بالون اختبار ولا مجرد فرقعة سياسية رغم الأسلوب الاستعراضي المعتاد الذي يصبغ أداء بن غفير السياسي».
وقال إن البرنامج السياسي المركزي الذي أوصل بن غفير إلى منصبه السياسي هو تهويد المسجد الأقصى وتبديل هويته من مسجد إسلامي إلى هيكل يهودي و»قد تلقى عند توليه منصبه وثيقة مطالب من ائتلاف منظمات الهيكل المتطرفة حددت 11 بنداً كان بناء كنيس في الأقصى المطلب الخامس في هذه الوثيقة». واستدرك الباحث المقدسي في حديث لـ»القدس العربي» قائلا: «عملياً يجري التعامل مع الساحة الشرقية للمسجد الأقصى باعتبارها «كنيساً غير معلن»، حيث يؤدي فيها المقتحمون الصهاينة طقوسهم خلال فترات الاقتحام فيما يمنع المصلون والمرابطون وحراس الأقصى وموظفو الأوقاف من دخولها أو حتى من الاقتراب منها بمسافة تسمح بالتصوير خلال الاقتحامات».
وختم أن بن غفير يحاول تكريس واقعٍ جرى التمهيد له، ضمن مخطط تدريجي يتطلع للإحلال الكامل وتحويل المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته إلى هيكل، ولا بد من التعامل معه بجدية ومجابهته بكل الطرق الممكنة وأولها كسر الاستفراد عن الساحة الشرقية للأقصى.