صدّق الكنيست الإسرائيلي، في القراءتين الثانية والثالثة، على مشروع قانون يرفع إلى مستوى تمييزي جديد أشنع طرائق التنكيل بالكوادر التعليمية العربية في أراضي الـ48 والقدس الشرقية المحتلة، ويستهدف ترسيخ التضييق أكثر على ما يتبقى للمعلمين والمدرسين الفلسطينيين من هوامش للحفاظ على وعي وطني فلسطيني وتربية حسّ الانتماء والصمود والمقاومة.
والقانون يخول وزارة التعليم الإسرائيلية طرد المعلمين والمدرسين الذين «يتماهون» علانية مع أي فعل «إرهابي» وهذا توصيف تعمد المشروع أن تكون صياغته تعميمية وعريضة تتيح للتطبيق أن يكون عشوائياً واعتباطياً، ويشمل بالتالي أي وكل ملمح وطني فلسطيني. كذلك يمنح القانون الوزارة سلطة حجب المعونة الحكومية عن ميزانية المدارس التي تُظهر تعاطفاً مع «فعل إرهابي أو منظمة إرهابية» طبقاً لمفردات المشروع، الأمر الذي يفتح أوسع الأبواب أمام تأويل القانون كيفما اتفق، وبما يخدم نهج التضييق على مواقع التعليم الفلسطينية.
ولم يكن مفاجئاً أن يتقدم بمشروع القانون عضو الكنيست تسفيكا فوغل عن حزب «القوة اليهودية» الذي يتزعمه إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو، وأن يسارع الأخير إلى امتداح القانون لأن «التعليم حجر زاوية وعامل مؤثر يحفز العديد من الهجمات الإرهابية» حسب تعبيره. كان منتظَراً أيضاً أن تتحمس للتصويت عليه أحزاب الائتلاف الحاكم المتطرفة في تلاوينها اليمينية والقومية والمتدينة كافة، وأن يندرج هذا القانون الجديد ضمن سياق خطوات الكنيست المتسارعة نحو حضيض منظومات الأبارتيد.
فهذا الكنيست، «برلمان» الكيان الصهيوني الذي يتفاخر أنصاره في الغرب بأنه «واحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، صوّت خلال الأسابيع القليلة الماضية على قانون يقضي بإبعاد الأفراد من عائلات المقاومين، سواء في أراضي الـ48 أو الضفة الغربية والقدس المحتلة، ضمن إجراء ينطوي في نهاية المطاف على ما هو أبشع من العقاب الجماعي.
كما صوت على مشروع قانون ثانٍ يقضي بمنع الدول من إنشاء قنصليات جديدة في مدينة القدس، في استكمال لتشريع إسرائيلي مركزي يعتبر المدينة عاصمة حصرية لدولة الاحتلال، فلا ينتهك بذلك أبسط حيثيات القانون الدولي فحسب، بل يصادر حقّ الدول السيادي المطلق في اختيار مواقع تمثيلها الدبلوماسي بموجب الأعراف الدولية. هذا عدا عن قانون ثالث فاضح يضع العراقيل المصطنعة أمام الفلسطينيين من أفراد وأحزاب سياسية عند الترشح لانتخابات الكنيست، ويخوّل الشرطة الإسرائيلية اقتحام أجهزة الكومبيوتر والهواتف المحمولة من دون علم أصحابها.
ورغم أنه لم يقصد بتصريحاته سوى الباطل، فقد أصاب عميت هاليفي عضو الكنيست عن حزب الليكود حين اعتبر أن «القنبلة لا تُخلق ولا تنفجر من تلقاء ذاتها، فمكوناتها الأساسية تتأسس في الدماغ وفي القلب» وأن «أستاذاً واحداً يمكن أن يربّي دزينة من القنابل الموقوتة كل سنة» وأن «فكرة واحدة يمكن أن تكون أكثر تدميراً من ألف دبابة».
وهذا درس حفظه التاريخ مراراً في سجلات الشعوب الواقعة تحت احتلال استعماري واستيطاني وعنصري، ودوّنته حركات المقاومة الوطنية كافة، ليس لأن الفكرة قنبلة موقوتة بل لأنها لا تموت.