‘أنزلت الفلسطينيين عن شجرة الشروط المسبقة، ولن أوافق على تجميد بناء آخر في المناطق، ورفضت الافراج عن 120 سجينا قبل بدء التفاوض، ولا ذكر لخطوط 1967’، بهذا تفاخر أمس بنيامين نتنياهو على مسامع وزرائه الشكاكين. والحق معه. فالتفاوض يتجدد في وقت يسجل فيه نتنياهو لنفسه سلسلة انجازات تكتيكية، لكن كل شيء ينتظره وراء الركن: سيتم الافراج عن مخربي ما قبل اوسلو على دفعات. وسيتم ضبط البناء في المستوطنات المعزولة ويُجمد، ويتم التباحث في الحدود في خطوط 1967 فقط مع تغييرات وتعديلات يقتضيها الواقع لأن هذا هو الموجود. حصل نتنياهو على 9 اشهر أو 12 شهرا، ماذا يهم؟ ينتظره عند أسفل الطريق قرار حاسم مؤلم محرج يخشاه كثيرا، لكنه يعلم أنه لا مفر منه وهو تقسيم البلاد الى قسمين واحد لنا وآخر لهم. ومن جهة سياسية فان علامات الطريق التي ذُكرت سابقا ستُثور الائتلاف الحكومي كما يجب. فأشياع بينيت وليبرمان ودنون والكين سيصرخون كالكراكي (جمع بجع) لرؤية كل سجين مبتهج في طريقه الى غزة، ورؤية كل جرافة ساكنة على قمة جبل صخري أجرد في الضفة، وعلى أثر التسريبات التي ستخرج من غرفة التفاوض بيقين، مع الكلمتين الصريحتين: ‘القدس’ و’اللاجئين’. إن من ظن ان الوضع في الليكود قد هدأ بعد كل الثرثرة الداخلية التي جربناها في الاسابيع الاخيرة ظهر أنه كان واهما. فلن يكون هدوء في الحزب الحاكم كلما تقدم التفاوض. ومع ذلك ينبغي ألا نخاف على مصير رئيس الوزراء السياسي. فأولا سيبدأ التفاوض والميزانية العامة لـ 2013 2014 قد أصبحت وراءنا وأمامنا، شهران بلا كنيست. وسيكون لنتنياهو مجال حيلة سياسي كبير من دون ان يستطيع اليمينيون ان يلعبوا ويحتالوا في الكنيست. وثانيا يوجد له في كل لحظة مفروضة كثرة متشددة في الحكومة والكنيست والجمهور، لكل اتفاق ولكل تسوية يأتي بهما، فاذا ترك نفتالي بينيت فستدخل يحيموفيتش. واذا غادر ليبرمان فستتفضل شاس ويهدوت هتوراة وتعودان. وفي السيناريو المتطرف الذي تنهار الحكومة فيه يستطيع نتنياهو ان يتجه الى انتخابات مع انفجار سياسي أو بغيره، بصفة زعيم معسكر الوسط في اسرائيل، وان يحظى بتأييد كاسح حتى من قبل ليكوديين كثيرين ضاقوا ذرعا بالاحتلال الخبيث، وهو السياسي الوحيد في اسرائيل القادر على ان يوقع اتفاقا تاريخيا ويُجيزه وينفذه، بشرط أن يريد ذلك وبشرط ان يجد بالطبع الشريك في الطرف الثاني، وليس من المؤكد ان يجده. كرر عضو الكنيست احمد الطيبي المقرب من رئيس السلطة الفلسطينية أمس قوله الشهير في ولايته الماضية ‘أقصى قدر يستطيع رئيس الوزراء نتنياهو ان يعطيه لا يبلغ الى أدنى قدر يستطيع أبو مازن ان يقبله’. ونقول بضع كلمات اخرى عن شركاء رئيس الوزراء: سوُغت وزيرة التفاوض والقضاء تسيبي ليفني (الحركة) دخولها العجيب الى حكومة نتنياهو الثالثة. وقد وجه كلاهما المسارات التي أفضت الى بدء التفاوض. والسؤال الكبير هو ماذا سيحدث حينما ‘تدخل ليفني الغرفة’ (وهذا هو التعبير الذي تحبه كثيرا) وتبدأ الحديث مع صائب عريقات. في أية نقطة بالضبط سيتبين لها ولرب عملها أنهما لا يتفقان على استمرار الطريق. وسارع وزير المالية يئير لبيد الى نشر مدونة في صفحة الفيسبوك قبل خروج السبت نسب فيها الى نفسه فضل تجديد التفاوض. أمس حركنا التفاوض السياسي… بعد كل الاتصالات والمكالمات الهاتفية… وبعد تحليل السيناريوهات والاحاديث مع رئيس الوزراء ورجال الأمن، أسندت رأسي الى الخلف وسألت نفسي، كيف أشعر’، اعترف لبيد. لكن تمهلوا أكان هو الذي فعل؟ هل يستحق يئير الأزهار؟ انه يقول لنا منذ ثلاثة اشهر إنه ليس عنده وقت فراغ ليشغل نفسه بالموضوع السياسي بسبب الميزانية العامة، لكن أمس حينما ترتبت الامور قفز الى العجلة وربط نفسه أمام الخيول. سياسة جديدة وسياسة قديمة لكن القاعدة الذهبية ستبقى الى الأبد وهي أنه حينما يحدث شيء ايجابي فانسبه الى نفسك، لكن حينما لا تنجح الامور فقل هذا هو التراث الذي أورثونا إياه.