تلك هي مسؤولية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فهو الذي قرر تعيين نفتالي بينيت، وهو شخص مؤهل لمنصب وزير الدفاع في فترة الحكومة الانتقالية بين الحملتين الانتخابيتين الثانية والثالثة؛ كان هدد بالعزل من وزارة الدفاع إذا لم يستجب للضغوط في توحيد قوى أحزاب اليمين من أجل الليكود تمهيداً للانتخابات المقبلة. وعندما يتعامل رئيس الوزراء نفسه مع وزارة حكومية مسؤولة عن مصير الأرواح كإله إثني سياسي من كل النواحي، فقد يصعب إلقاء اللائمة على وزير يتصرف بشكل مشابه.
منذ دخوله الوزارة في تشرين الثاني الماضي، عرف بينيت أن وقته محدود فيها، تصرف وكأن الخوف يتملكه. كل بضعة أيام يُخرج بياناً جديداً من مكتبه حول نشاطات الوزير، والحديث لا يدور فقط عن تهديدات حول الرد في غزة (التي لا تثير في هذه الأثناء الانطباع لدى الجهاد الإسلامي)، أو تصريح علني عن خطة لطرد القوات الإيرانية من سوريا. جهود كثيرة بذلت لإرضاء ناخبيه، وعلى رأسهم المستوطنون.
إرضاء للمستوطنين.. وفي سلسلة خطوات إعلان الحرب على أراضي الفلسطينيين
قائمة جزئية من الخطوات التي أعلن عنها وزير الدفاع مؤخراً تشمل تأخير إعادة جثامين مخربين لعائلاتهم، واعتقال متسللين من غزة حسب بند “مقاتلين غير قانونيين”، والإعلان عن محميات طبيعية في الضفة الغربية تقيد وجود الفلسطينيين، وتجنيد الجيش الإسرائيلي للحرب على مناطق “ج” في الضفة الغربية، وتعيين مستشار مهمته تركيز النضال.
تجد هيئة الأركان صعوبة في التعود على وتيرة وزير الدفاع الذي يمتلك منشطات زائدة. عدد كبير من القرارات تُتخذ استناداً إلى جلسات عمل قصيرة بالحد الأدنى من الأشخاص دون الاستناد إلى عمل منظم للهيئة. ويجب القول بأن بينيت أيضاً يفاجئ بالإشارة إلى الاتجاه المعاكس. مثلاً هكذا عبر عن دعمه للتسهيلات الاقتصادية للقطاع وسمح في الأسبوع الماضي بإخلاء مبان في بؤرة استيطانية متطرفة قرب مستوطنة يتسهار.
ولكن الرقم القياسي تحطم، ربما بشكل مؤقت، مساء السبت. فقد أصدر مكتب الوزير بياناً مفصلاً أعلن فيه عن الخطوات التالية: وجّه بينيت قيادة المنطقة الوسطى والشاباك والشرطة في منطقة يهودا والسامرة بإصدار أوامر إبعاد لنشطاء يساريين فوضويين من مناطق الضفة؛ ويركز بينيت على نشيط اليسار المعتقل يونتان بولك (الذي يعمل في “هآرتس”) وقال إن هذه الخطوة موازنة إزاء خطوات مشابهة يقوم بها ضد نشطاء من اليمين متورطين في تخريب الممتلكات الفلسطينية (نشاطات تدفيع الثمن). وهو يوجه القوات للتعامل بقسوة من أجل تفريق مظاهرات اليسار في الضفة. ولخص الوزير أقواله بأن “السيرك انتهى”.
أما في مكتب الوزير فإن السيرك بدأ الآن. إلى أي درجة ينحرف بينيت عن القواعد المتبعة؟ تعالوا لنحصي: أولاً، لم تصدر أجهزة الأمن حتى الآن أي أمر بمبرر سياسي مثل الموازنة بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف. ثانياً، إصدار أمر شخصي ضد بولك رغم فشل جهوده لإقناع الشاباك بأن ثمة مادة استخبارية تشير إلى أنه شخص خطير. امتنع القسم اليهودي في الشاباك عن لعبة الوزير السياسية هذه، وأعلن بأن لا توجد لديه أي معلومات كهذه، وأنه إذا تم ضبط بولك وهو يستخدم العنف في المظاهرة، فسيطلب من الشرطة اعتقاله مرة أخرى.
ثالثاً، قد يكون هذا هو البند الأكثر أهمية بالنسبة إلى رئيس الأركان افيف كوخافي، فقد تصرف بينيت وكأنه المسؤول المباشر عن قائد المنطقة الوسطى (ممثل القائد في المنطقة)، نداف بدان. وعملياً، يجب أن ينسق الوزير عملية كهذه مع رئيس الأركان ويمر من خلاله. رابعاً، توجيه القوات المباشر لإظهار قبضة حديدية تجاه الفوضويين يعدّ انحرافاً عن القواعد والإجراءات، وقد يكون أمراً خطيراً. يجب أن يكون التعامل مع المظاهرة مرهوناً بالتطورات التي على الأرض، ولكن ماذا سيفعل الوزير في المرة القادمة إذا فهم جندي من حرس الحدود في الميدان أن التوجيه هو تصريح لاستخدام الرصاص المطاطي ضد متظاهرين إسرائيليين وأصاب عين شخص ما. بالمناسبة، يذكر بينيت في بيانه المظاهرات التي في بلعين ونعلين، وهما القريتان القريبتان من جدار الفصل، والمظاهرات فيهما توقفت قبل بضع سنوات.
صيغة البيان تثير الشك إذا ما كان وزير الدفاع قد فكر حتى النهاية بالتأثيرات السياسية والقانونية والعملياتية لقراراته. الحكومة الانتقالية الخالدة برئاسة نتنياهو، ومن خلال نشاطات حثيثة لبينيت، تواصل المضي حتى النهاية في كل ما يتعلق بالمناطق، وتخاطر بإبراز النشاطات في مناطق “ج”، واقتراح فحص ضم غور الأردن، وزيادة التوتر مع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
البيان الأخير ليس مجرد خدعة انتخابية أخرى، ففي الجانب الثاني من التوجيهات جيش إسرائيلي عليه أن يحافظ على مكانته الرسمية ويواصل سلوكه حسب قواعد واضحة. يستخدم بينيت الجيش بصورة سياسية مكشوفة، مع تجاهل واضح لسلسلة القيادة والالتفاف العلني على رئيس الأركان. ويحافظ الجنرال كوخافي حتى الآن على الحذر الشديد، وأحياناً المبالغ فيه، في علاقته مع المستوى السياسي الذي يأتي فوقه. أحداث أمس تشير إلى أن حان الوقت لنقول لوزير الدفاع: حتى هنا.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 19/1/2020