وزير الخارجية التركي يبدأ زيارته لتل أبيب ورام الله والقدس ضمن مساعي استعادة العلاقات مع إسرائيل

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة ـ “القدس العربي”: بدأ وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، اليوم الثلاثاء، زيارته لفلسطين وإسرائيل. وسيخصص اليوم الأول من الزيارة التي تستغرق يومين للقاء الرئيس عباس وجهات فلسطينية.
الوزير أوغلو وهو المسؤول التركي الذي يزور إسرائيل للمرة الأولى بعد 15 سنة قطيعة، سيتناول وجبة غداء مع وزير السياحة في حكومة الاحتلال يوئيل رازبوزوف، وقبل ذلك سيلتقي نظيره الإسرائيلي يائير لابيد، وسيتباحثان في تطبيع العلاقات بين الجانبين واستعادة سفيريهما بعد قطيعة منذ2018 وسيشاركان في مؤتمر صحافي مشترك. وحسب برنامج الزيارة المنشور من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية سيقوم وزير الخارجية التركي بزيارة مؤسسة “ياد فاشيم” لتخليد ذكرى المحرقة اليهودية وبزيارة خاصة للشطر الشرقي من القدس المحتلة والصلاة في المسجد الأقصى دون مرافقة إسرائيلية، وذلك حسب طلبه كما حصل في زيارة وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو. وهذه الزيارة للحرم القدسي دون مرافقة إسرائيلية هي إشارة ورسالة سياسية من تركيا مفادها أنها متمسكة بموقفها الداعم لحقوق الفلسطينيين، وربما للرد على انتقادات ومزاودات مختلفة عليها من قبل جهات مختلفة لعودتها لعلاقات دبلوماسية مع الاحتلال.

من القطيعة للتطبيع
بعدها سيشارك أوغلو في لقاء اقتصادي في تل أبيب وفي فعالية اجتماعية تنظمها منظمة “يهود من أصل تركي في البلاد”.
وتندرج زيارة وزير الخارجية التركي ضمن مساعي تركيا وإسرائيل لاستعادة علاقاتهما حيث كان رئيس الأخيرة يتسحاق هرتسوغ قد زار أنقرة في مارس/ آذار المنصرم وحل ضيفا على نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
يشار أن حالة التقارب بين تركيا وإسرائيل قد بدأت قبل شهور بعدما أطلقت أنقرة سراح زوجين إسرائيليين اعتقلتهما الشرطة التركية للاشتباه بهما بالتجّسس وتصوير مواقع حساسة في إسطنبول. بعدها أعلن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان عن نية بلاده استعادة العلاقات مع إسرائيل وعن زيارة وشيكة لرئيسها هرتسوغ للأراضي التركية.
وفي اللقاء بينهما قبل نحو شهرين ذكر أردوغان العلاقات بين الجانبين والمصالح الاقتصادية المشتركة، وقال إنه يؤمن بإن “الزيارة التاريخية لهرتسوغ شكلت علامة فارقة في هذه العلاقات وهدفنا تنشيطها على أساس الاحترام المتبادل وهذا مهم لاستقرار المنطقة وبذلك نساهم بالتعايش والسكينة، وإن تمكنا من دفع التعاون الثنائي والحوار سيكون أكثر سهولة للتحدّث حول مواضيع خلافية”.
يشار الى أن أردوغان بادر للاتصال بهرتسوغ في خضم الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسي الشريف خلال شهر رمضان السابق وقال إن بلاده معنية بالحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل منوها أن العلاقات المتينة معها هي مفتاح للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وإسرائيل لاعب مهم في المنطقة لا يمكن تجاهله”.

بداية القطيعة

يشار الى أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد شهدت قطيعة بعد أزمة كبيرة شهدها عام 2010 بعد اعتداء الجيش الإسرائيلي على أسطول الحرية المتجه من السواحل التركية لغزة المحاصرة ومهاجمة سفينة “مرمرة” وقتل وإصابة عدد كبير من المتضامنين الأتراك.وبعد سحب متبادل للسفيرين في أنقرة وتل أبيب تمت المصالحة برعاية أمريكية عام2016 وفيها اعتذرت إسرائيل عن قتلها عددا من الأتراك وقامت بتعويض ذوي الضحايا، لكن العلاقات عادت وتفجرّت بعد عامين حيث بادرت تركيا لتوجيه انتقادات حادة لإسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، بعدما هاجم جيش الاحتلال مسيرات العودة على طول الحدود مع قطاع غزة وقتل العشرات من الشباب الفلسطينيين وأصاب المئات منهم.

تشكّك إسرائيلي ودعوات للحذر

وانقسمت المواقف في إسرائيل حيال دوافع أردوغان وتساءلت هل التغيير استراتيجي دائم أم تكتيكي عابر؟ وكانت أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية قد رحبّت بتطبيع العلاقات مجددا مع تركيا بسبب المصالح المشتركة خاصة في المجال الاقتصادي، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو عشرة مليارات دولار ويميل لصالح تركيا. كما أعربت هذه الأوساط عن أمنيتها بأن يؤدي التقارب مع تركيا إلى طرد قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الأراضي التركية.
في المقابل شككّت أوساط إسرائيلية أخرى بنوايا أردوغان واعتبرت أن تغيير موقفه من إسرائيل جاء لاعتبارات تكتيكية فقط وسيعود بعد حين لمعاداة إسرائيل ومهاجمتها، داعية لاستعادة علاقات التعاون مع أنقرة بحذر وخطوة خطوة.
ويرى مراقبون في إسرائيل أن تركيا معنية بالتقارب مع إسرائيل في الشهور الأخيرة نتيجة جملة اعتبارات وحسابات منها رغبة أردوغان بتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية عشية انتخابات أمريكية قريبة وعين المسؤولين الأتراك على السائحين الإسرائيليين واجتذاب المزيد منهم، علاوة على تعاون محتمل لتزويد أوروبا بغاز إسرائيلي عبر الأراضي التركية خاصة بعد الحرب في أوكرانيا والرغبة الأوروبية بالتحررّ من الاحتكار الروسي للغاز.
ويرى السفير الإسرائيلي السابق في أنقرة والمحاضر في جامعة تل أبيب ألون ليئيل أن تركيا ترغب بالخروج من العزلة الإقليمية ولذا فهي تتقرب أيضا من السعودية ومصر وتتطلع لتفكيك محور مصري يوناني إسرائيلي، علاوة على وجود رغبة بالحفاظ على مصالح لها في شمال سوريا وغيرها من المصالح.
ألون الذي يشيد بتركيا ودورها رغم أزمتها الاقتصادية الداخلية يقول إنها تطمح أيضا للعب دور في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ولذا فهي تريد أن تكون مقبولة من الطرفين.

مباركة استعادة العلاقات لكن بحذر

في المقابل يقول السفير الإسرائيلي السابق في قبرص، المحاضر الجامعي ميخائيل هراري، إنه ينبغي مباركة التقارب التركي الإسرائيلي ولكن بحذر، زاعما أن أنقرة أدركت متأخرا أنها بقيت خارج المنظومة الدبلوماسية الفاعلة في حوض البحر المتوسط والمتعاونة في مجال النفط بمشاركة مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وغيرها.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” يوضح هراري أن الحرب في أوكرانيا دفعت تركيا لأن تحّث خطاها للاندماج في اللعبة الإقليمية.
ويرجح هراري أن يكرّس وزير الخارجية التركي الكثير من اهتمامه لموضوع الطاقة خلال مباحثاته مع المسؤولين الإسرائيليين بعد اكتشاف كميات كبيرة جدا من الغاز في قاع البحر الأبيض المتوسط مقابل يافا وحيفا، منوها أن تركيا تستورد الطاقة من روسيا وأذربيجان وإيران والجزائر وهي مرتهنة للغاز الروسي بنسبة 50 % من مجمل الغاز الذي تستهلكه وهي الآن معنية بتخفيف هذه الكمية بعد الحرب على أوكرانيا ورغبة الدول الأوروبية بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة. ويتابع هراري”علاوة على ذلك هي معنية أيضا بتحسين موقعها الجيوسياسي بواسطة تعزيز مكانتها كقناة مركزية لتزويد أوروبا بالطاقة وهي ترى أن الغاز الإسرائيلي موجود وراء الباب”. ويشير هراري إلى أنه على المستوى الدبلوماسي – الاستراتيجي استغلت إسرائيل ودول أخرى فترة الجمود في العلاقات بينها وبين تركيا من أجل بناء منظومة تعاون جديدة في حوض البحر المتوسط تركت تركيا خارجها، ولذا فهي اليوم تدير مساعي دبلوماسية مكثفّة وناجحة لتحسين العلاقات مع إسرائيل والسعودية ومصر والإمارات”.
ويقول إن عودة تركيا لـ “واجهة الأحداث” تهدف لتعزيز مكانتها في قضيتين تحتلان مكانة مركزية في منظومة المصالح التركية القومية وهما العلاقات مع اليونان ومشكلة قبرص.

تعاون بالخطوة خطوة

وينوه هراري أن “التحالف الهليني”(اليونان، قبرص وإسرائيل) والتعاون مع مصر في قضايا إقليمية في السنوات الأخيرة قد أضعف قدرة المناورة التركية وأوراق لعبها وبتطلعاتها لزيادة نفوذها. ويضيف”مع ذلك، تركيا لاعب مركزي جدا وتجاهله لا يخدم الاستقرار الإقليمي، والغرب اليوم يقر بازدياد أهميتها بعد الحرب في أوكرانيا كعضو في حلف الأطلسي وكدولة تسيطر على مضائق البوسفور والدردنيل، أما إسرائيل فأوضحت أن التقارب مع تركيا لن يأتي على حساب منظومة علاقاتها الوثيقة مع مصر، اليونان، وقبرص وتصدير الغاز الإسرائيلي عبر الأراضي التركية لا يتجانس مع التعاون مع منظومة الدول المذكورة في حوض البحر المتوسط على الأقل في الفترة القريبة.
ويقترح هراري طريقا للتعاون بين تركيا وإسرائيل رغم ما ذكره من تحفظات وذلك من خلال عدة خطوات: توضيح المصالح القومية للطرفين بشفافية وعلى إسرائيل التوضيح أنه لا يمكنها نقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا لأن القنوات تمر عبر المياه الإقليمية لقبرص واليونان وكذلك لا يمكن نقل الغاز الإسرائيلي بالمرور من المياه الإقليمية السورية واللبنانية.
ويرى أن مسيرة الحوار الاستراتيجي المتجدد بين إسرائيل وتركيا لا تزال في بدايتها ولا يمكن تسوية الخلافات والتغلب على أزمة الثقة بـإشارة بنان. ويقول إن محاولة إيجاد معادلة لدمج تركيا بالمنظومة الإقليمية المذكورة في المرحلة الحالية وعلى الأقل حتى الانتخابات في تركيا وقبرص في العام المقبل ليست عملية سهلة وممكنة، مستبعدا التقدم في علاقات أنقرة وجاراتها بكل ما يتعلق بالقضايا الخلافية، وفي المقابل لا يمكن أن يستمر إقصاء تركيا من منتدى الغاز الإقليمي ولذا لا بد من معادلة أيا كانت تشير لبدء تغيير الاتجاه. ويقترح التفكير بآلية متعددة الأطراف يشير للتغيير في المرحلة الأولى: سلسلة حوارات دبلوماسية بين تركيا وبين دول أخرى تجري بينهما الآن “دبلوماسية الابتسامات” والتقارب بحثا عن الطريق الأنجع لدمج أنقرة في التعاون الإقليمي بما يخدمها ويخدم المنطقة كتحريك الحوار المقطوع مثلا بينها وبين اليونان وقبرص، على أن تتولى اسرائيل دورا مهما في الوساطة بينها. كما يقترح هراري إقامة مجموعة عمل تركية – إسرائيلية في مجال الطاقة للتباحث في مسألة تصدير مستقبلي للغاز الإسرائيلي: الكمية وقنوات النقل ومنشآت تحويل الغاز لسائل والأسعار وغيره. كما يقترح بناء مجموعة عمل ثلاثية تركية، وإسرائيلية وأوروبية في مجال الطاقة، معتبرا أن ذلك يجسّد المكانة المركزية لتركيا في الأجندة الأوروبية والأجندة السياسية وتلك الخاصة بالطاقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

    لماذا “مكفهر” الآن، عدا ذلك وعد “ذاك” دوما ضاحك مستبشر!؟

إشترك في قائمتنا البريدية