الدوحة – “القدس العربي” – إسماعيل طلاي: قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، إن نجاح أي استراتيجية وطنية لإدماج الإرهابيين العائدين من ساحات القتال، يتطلب استئصال البيئة الحاضنة للفكر المتطرف، وبناء قدرات الدولة على مكافحة الإرهاب، بمراعاة الاحترام التام لالتزامات الدولة تجاه سيادة القانون وحقوق الإنسان.
وأضاف: “لا شك أن عملية تأهيل المقاتلين العائدين وإعادة إدماجهم في المجتمع تتطلب مقاربة شاملة تعمل على تصحيح الأفكار المغلوطة حول مفاهيم العنف والتطرف والإرهاب، ومعالجة الأسباب السياسية والاجتماعية وغيرها”.
ونوّه آل ثاني في افتتاح أعمال منتدى “عودة المقاتلين الأجانب” في الدوحة، إلى أنه يتعين توافق التشريعات الوطنية بما يتناسب مع التزامات الدولة على الصعيد الدولي، وخاصة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا سيما القرار رقم 2178 لعام 2014، والقرار رقم 2396 لعام 2017 المتعلقة بتجريم الأعمال التي قام بها المقاتلون العائدون، ووضع الأسس القانونية لملاحقتهم قضائياً، أمام محاكمة عادلة وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
ويشارك في المنتدى خبراء من أكثر من 30 دولة، يناقشون على مدى يومين، العديد من المواضيع والسياسات التي تعنى بكيفية التعامل مع المقاتلين الأجانب وتعاون المجتمع الدولي في معالجة هذه الظاهرة، لما يمثله هذا الموضوع من أهمية قصوى للعالم بأسره في الوقت الراهن، فضلا عن تبادل الأفكار بين المشاركين واقتراح الحلول .
قطر شريك فاعل في مواجهة الإرهاب
وأوضح آل ثاني أن قطر شريك فاعل في التعاضد الدولي في مواجهة الإرهاب، مشيرا إلى تطوير قطر المستمر لتشريعاتها الوطنية وكياناتها المؤسسية المعنية بالإرهاب وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، وشراكتها الفاعلة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
ونوّه إلى أنه لا يمكن مجابهة الإرهاب والقضاء عليه ما لم يوحد المجتمع الدولي جهوده، والتزامه بالقانون الدولي، والتخلي عن سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في مجال مكافحة الإرهاب.
معظم الإرهابيين من الشباب المضطهدين والمعزولين
ولفت المسؤول القطري إلى أن تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى أن المقاتلين الأجانب سواء كانوا من منطقة الشرق الأوسط أو آسيا أو أوروبا، معظمهم من الشباب الذين يفتقدون أيديولوجية الفكر الصحيح، وينتمون إلى طوائف مضطهدة أو معزولة اقتصاديا، ويفتقرون إلى الفرص المعيشية والتعليم، ولديهم فرص عمل ضعيفة.
وشدد على أنه لا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو فئة عرقية ، كما أنه من الأهمية بمكان عدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، مؤكدا على ضرورة نبذ اللجوء إلى إرهاب الدولة تحت غطاء مكافحته.
وأعرب عن يقينه بإدراك الجميع للتحديات سواء القانونية أو السياسية أو الاجتماعية التي تواجه إشكالية “المقاتلين الأجانب”، لا سيما في ظل اختلاف النظم القانونية في تعريف الإرهاب وعدم توافق المجتمع الدولي على تعريفه، وكذلك تسييس مصطلح الإرهاب في كثير من الأحيان وضعف التعاون بين الدول لأسباب سياسية.
العمليات العسكرية لا تكفي لمواجهة الإرهاب
ونبّه آل ثاني إلى أنه “لا مناص من اللجوء إلى العمليات الأمنية والعسكرية، واتخاذ تدابير عاجلة لإنفاذ القانون لمواجهة الخطر الداهم الذي تمثله الجماعات الإرهابية، التي تجند وتنقل المقاتلين الإرهابيين عبر الحدود الدولية”، لافتا إلى أن الاستنفار الملحّ لا ينبغي أن يقف حائلا دون معالجة الأسباب الحقيقية للإرهاب، مشيراً إلى اتفاق يسود المجتمع الدولي أن المقاتلين الأجانب يشكلون تهديدا خطيرا لدولهم الأصلية، والدول التي يعبرونها والتي يسافرون إليها، وكذلك الدول المجاورة لمناطق النزاعات المسلحة، مشيرا إلى أن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، على سبيل المثال، ينتمون وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة إلى أكثر من 100 دولة.
معالجة شاملة للأسباب الحقيقية لانتشار الإرهاب
وشدّد وزير الخارجية القطري على أن التصدي للتهديد الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب يتطلب معالجة شاملة للأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الإرهاب، وفي مقدمتها السياسات القمعية والطائفية والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية، الذي تعاني منه فئات واسعة في بعض المجتمعات، والعمل على مكافحة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية بدافع التطرف أو التعصب، ومنع نشر الفكر المتطرف والعمل على تصحيحه، وتعزيز التسامح السياسي والديني والتنمية الاقتصادية، والاهتمام بفئة الشباب، وتكريس التلاحم الاجتماعي وعدم الإقصاء، وإنهاء النزاعات المسلحة وتسويتها، وحرمان الجماعات الإرهابية من القدرة على ترسيخ أقدامها وإيجاد ملاذات آمنة، وتيسير إعادة الإدماج والتأهيل.
الإحصاءات عن الإرهابيين والعائدين من القتال غير موثوقة
وخلال الجلسة الأولى، بعنوان “استكشاف التهديد.. الوضع الإقليمي، واتجاهات الإرهاب العالمي”، قال خبراء في قضايا حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ان الإحصائيات المتداولة عالميا بشأن الإرهابيين العائدين من القتال غير موثوقة، لافتين إلى أن المجتمع الدولي يحتاج لمزيد من التعاون وتبادل المعلومات، مشيرين إلى أن الإرهابيين الذين كانوا في العراق وسوريا ومناطق أخرى لم يعودوا لأنهم لا يشعرون بالاندماج، وعوامل أخرى.
وحذّر الخبراء من استهداف بعض الحكومات للصحافيين والمدونين والنشطاء تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، لافتين إلى أن غياب تعريف موحد للإرهاب، يجعل الأنظمة تسعى لصياغة تعريف خاص بها، لإساءة استخدام القوانين والتشريعات بذريعة مكافحة الإرهاب.
وقالت فيونولا دي.آليان، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، انها مهتمة بالتعريف المبهم للإرهاب الذي يتم استغلاله في عدة اتجاهات عالميا، حيث قدمت تقريرا لمجلس حقوق الإنسان، يدعو الى تعريف موحد للإرهاب ومكافحة وضع كل دولة تعريفا يناسبها. لافتة الى استهداف الصحافيين والمدونين والنشطاء تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
بدوره، قال جيل دو كارشوف، المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب إنه بحسب الإحصاءات المتداولة، هناك 5 آلاف مقاتل تابعين لتنظيم “الدولة الاسلامية”(داعش)، 500 منهم عادوا. و ان هناك معلومات تقول إن 1200 قتلوا في الحرب ضد داعش في العراق، بالرغم من أن الناس لم يقتلوا، ولكن يريدون أن يوهمونا أنهم قتلوا، وبقي 600 يفترض أن يكونوا في المنطقة، ولا يمكن الوثوق بذلك. وكثيرون ذهبوا إلى أفغانستان أو الفلبين، ولم نسمع أنهم ذهبوا إلى الصومال أو منطقة الساحل.
وأضاف: “كثيرون قتلوا لأن القتال في الرقة كان شديدا ويصعب معرفة من قتل ومن لم يقتل، وبعضهم يختفون في تركيا أو شرق البلقان ربما. وهناك إحصاءات تتحدث عن 2666 امرأة، وأكثر من ألف طفل، 600 منهم ولدوا في مناطق تحت سيطرة تنظيم الدولة. و335 موقوف في العراق وسوريا، بينهم 94 طفلا.”
وتابع قائلاً: هؤلاء العائدون من مناطق القتال إجمالا يعودون في وقت مبكر، ولم نر عودة مكثفة في الفترة الأخيرة، ربما لأن داعش يقتل معارضيه، والحدود التركية أصبحت أشد حراسة. وفي أوروبا، فإن التقييم الأولي بين أن الذين نشأوا في الرقة لم يذهبوا إلى العراق وسوريا.
ودعا كارشوف الى تبادل المعلومات حول العائدين، لأن العديد منهم يستخدمون جوازات سفر مزيفة، وهناك تقنيات للتعرف على الوجوه تساعد في حل المسألة. ونحن نعمل مع واشنطن للكشف عن سرية المعلومات بشأن هؤلاء العائدين، وهناك موقوفين من طرف الأكراد لأنهم لا يريدون تركهم ولا الاحتفاظ بهم.