إسطنبول -“القدس العربي”: كشف استطلاع للرأي عن ارتفاع شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحظوظه الانتخابية وذلك بفعل رضى شريحة أوسع من الشعب التركي عن السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس في الأسابيع الأخيرة والقائمة على العودة السريعة لسياسة “صفر مشاكل” والوساطة التي يقوم بها أردوغان لإنهاء الحرب في أوكرانيا والتي يتوقع أن تنجح قريباً في جمع رئيسي روسيا وأوكرانيا في إسطنبول وربما النجاح في دفع البلدين لتوقيع اتفاق سلام ينهي الحرب التي ألقت بظلالها السياسية والأمنية والاقتصادية على تركيا.
وفي استطلاع واسع أجراه مركز “متروبول” للأبحاث واستطلاعات الرأي والذي يعتبر من أبرز هذه المراكز في البلاد، كشفت النتائج عن أن نسبة الأشخاص الذين سيصوتون لحزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان ارتفعت بواقع ثلاث نقاط مئوية كاملة عن آخر استطلاع أجراه المركز قبيل أسابيع قليلة وذلك بسبب رضى شريحة أوسع من الشارع التركي عن دور الوساطة التي تقوم بها تركيا في الأزمة الأوكرانية، والرضى العام عن طريقة إدارة الحكومة للعلاقات مع روسيا وأوكرانيا في خضم الأزمة الأخيرة.
نتائج هذا الاستطلاع تدعم إلى درجة كبيرة العديد من التحليلات التي تشير إلى أن السياسة التي اتبعتها الحكومة حتى الآن ونجاحها في إدارة الأزمة تلقى ترحيباً جيداً في الداخل التركي، وسط تكهنات بأن يؤدي نجاح أردوغان المتوقع في رعاية عقد أول لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولاديمير زلينسكي في إسطنبول واحتمال توقيع البلدين على اتفاق سلام برعاية تركيا إلى زيادة أكبر في شعبية أردوغان بالداخل التركي.
وينظر إلى أي نجاح متوقع لأردوغان في هذا الإطار على أنه رسالة إلى الداخل التركي بأنه ما زال زعيما قويا على الصعيد الدولي وقادرا على القيام بما لا يستطع القيام به كافة زعماء العالم وهو ما يساهم في مخاطبة شريحة أوسع من القوميين والمحافظين الذين يعتبرون الخزان الانتخابي الأول للحزب الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية.
ويذهب محللون لا سيما من المعارضة التركية إلى أبعد من ذلك، بالقول إنهم لا يستبعدون أن يلجأ أردوغان إلى إجراء انتخابات مبكرة قبيل نهاية العام الجاري وعدم الانتظار حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو/حزيران من العام المقبل وذلك في حال نجاحه برعاية توقيع اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا وهو ما سيساعده في بناء حملة انتخابية قائمة على ترويج النجاح في السياسة الخارجية من أجل ضمان الفوز في الانتخابات التي توصف من اليوم بأنها ستكون من “الأصعب والأهم” في تاريخ البلاد.
وفي الأشهر الأخيرة، يقود أردوغان حملة دبلوماسية واسعة قائمة على مبدأ العودة إلى سياسة “صفر مشاكل” التي اتبعها الحزب في السنوات الأولى لوصوله إلى السلطة، حيث جرى إعادة تطبيع وتحسين العلاقات مع الإمارات وإسرائيل وسط اتصالات متقدمة مع مصر والسعودية وأرمينيا وتراجع لافت للخلافات مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقيادة الجهود الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ومنذ بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، قاد أردوغان حملة دبلوماسية مكثفة على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أركان الجيش للدول الثلاث، ورغم عدم نجاح مساعي منع اندلاع الحرب، إلا أن الوساطة التركية نجحت في جمع وزراء خارجية البلدين لأول مرة في أنطاليا وجمع وفدي البلدين في إسطنبول وسط تكهنات بقرب عقد لقاء جديد على مستوى وزراء الخارجية يمهد ربما لعقد لقاء على مستوى الرؤساء يمكن أن يتخلله التوقيع على اتفاق أولي أو اتفاق سلام شامل وهو ما تسعى له الدبلوماسية التركية.
والسبت، نقلت وكالة إنترفاكس أوكرانيا عن المفاوض الأوكراني ديفيد أراخاميا قوله إن تركيا هي المكان الأكثر ترجيحا لاجتماع الرئيس الروسي ونظيره الأوكراني، وأضاف: “أردوغان اتصل ببوتين وزيلينسكي الجمعة ويبدو أنه يؤكد من جانبه أنهما مستعدان لترتيب اجتماع في المستقبل القريب.. لا الزمان ولا المكان معروفان لكن نعتقد أن الأكثر ترجيحا أن يعقد (الاجتماع) في إسطنبول أو أنقرة”.
وبفعل الأزمة الأوكرانية، والتحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أفرزتها الحرب، فضلت معظم دول الناتو والاتحاد الأوروبي تحييد خلافاتها مع تركيا والتركيز على التعاون مع أنقرة لمواجهة هذه التحديات والتأكيد على مكانة تركيا الجيوسياسية والاستراتيجية في الناتو إلى جانب محوريتها في خطة أوروبا لإيجاد بدائل للغاز الروسي عبر مد خط لنقل غاز شرق المتوسط لأوروبا مروراً بالأراضي التركية، وغيرها الكثير من المتغيرات الكبيرة.
وحتى الآن تلقى الوساطة التركية ترحيباً دولياً واسعاً حتى من الإدارة الأمريكية وكبار دول الاتحاد الأوروبي، وفي حال نجاحها في وقف الحرب، يجمع محللون أتراك على أن ذلك سيعتبر بمثابة “نصر دبلوماسي” سيعزز من مكانة تركيا على الصعيد الدولي ويؤكد “مكانتها الإقليمية والدولية”، وسيعطي دفعة أكبر أيضاً لمسار العودة لسياسة “صفر مشاكل”، بينما ذهب كتاب مقربون من الحكومة إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أحقية منح أردوغان جائزة نوبل للسلام لجهوده في مساعي وقف الحرب في أوكرانيا.