وطنية «الذباب الالكتروني» السعودي والإماراتي مشدودة على آخرها هذه الأيام. السبب ليس التهديدات الإيرانية، كما يمكن أن يتوقع المرء، لا الألغام في طريق السفن العابرة لمياه الخليج، ولا صواريخ الحوثيين تقصف المطارات المدنية، أو تهدّدها بطائرات مسيّرة، وليس بالطبع تهديدات إسرائيل، فهذه، على ما يبدو، باتت شريكاً استراتيجياً، بالسرّ والعلن.. السبب هو حذاء بيلا حديد، عارضة الأزياء الشهيرة، الأمريكية من أصل فلسطيني.
حديد نشرت صورة لحذائها وهي في أحد المطارات، فبدا في خلفية الصورة طائرات سعودية وإماراتية، ما فسّر على أنه تقصّد وضع الحذاء في وجه رموز البلدين.
“الذباب الالكتروني” بات عمله الوحيد، في ظل الحاجة إلى عصبية متوترة تقي المملكة وحلفاءها من خطر وهن عزيمة الأمة، البحث عن ضحية جديدة كل يوم. فكانت بيلا حديد فريسة حلوة أشعلت مخيلة أصحاب الحسابات المزيفة، والهاشتاغات الصاروخية.
منذ ذلك الوقت قامت قيامة الذباب، الذي بات عمله الوحيد، في ظل الحاجة إلى عصبية متوترة تقي المملكة وحلفاءها من خطر وهن عزيمة الأمة، البحث عن ضحية جديدة كل يوم. فكانت حديد فريسة حلوة أشعلت مخيلة أصحاب الحسابات المزيفة، والهاشتاغات الصاروخية.
استُعمل حذاء بيلا نفسه في توليف صور جديدة، لتشويهها، ثم في محاولة للضغط على شركات منتجة ومعلنة، ظهرت فيديوهات تصوّر إلقاء عطورات ومواد ماكياج في حاويات النفايات ما يعني الدعوة لمقاطعتها، كما ظهرت هاشتاغات وشتائم، إلى آخره من عدّة الحملات الالكترنية المعهودة.
ومع أن نجمة الأزياء تعيش في الولايات المتحدة، وولدت فيها ( لوس أنجلوس 1996)، فقد آثر، أو استسهل، فريق الذباب النيل من فلسطينيتها، فقد تعدّت الهجمات شخص حديد لتصل إلى جحود الفلسطينيين ناكري الجميل «الدول العربية التي دعمت قضية بلدك، وصرفت عليها الملايين، من التبرعات لبلدك، الذي هجرتيه لتصبحي بائعة لجسدك».. لم يجد الذباب الالكتروني ما يقوله بخصوص جحود أمريكي، فصبّ جام غضبه على من سواهم، من يعتقد أنه مهاجمتهم من غير كلفة تذكر.
دعوات إلى التكاتف الوطني، أعلام سعودية وإماراتية، رموز، وصور محمد بن سلمان مترافقة مع كثير من تغريدات الحملة، كلها راحت تزنّ بصوت واحد على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن اضطرت المخلوقة للاعتذار، باللغتين الانكليزية والعربية، مع تأكيد أن صورتها لا تتعلق بالسياسة، وأنها لم تلاحظ الطائرات التي بدت في الصورة.
ليس جديداً أن نرى أنظمة تتهاون في القضايا الكبرى، خصوصاً الأخطار الكبيرة على حدودها، لتستقوي على مواطنين عزّل، في الداخل والخارج، لكن من غير اللائق حقاً أن تنشغل مملكة بهذا الحجم بحذاء، وقد بات مكرراً ومعروفاً القول إن رمزية الحذاء في الثقافة الغربية غيرها لدى العرب والمسلمين.
إننا نخجل فقط، نخجل عن المملكة، أن تقف هذه الحشود من سكان مواقع التواصل الاجتماعي، كلّها مقابل حذاء!
يا حرية
يحمل برنامج «يا حرية» (على تلفزيون «سوريا» من إعداد وإخراج سعاد قطناني) هذه المفارقة: في بذرته إمكانية كبيرة للمشاهدة من قبل جمهور متعطش لمعرفة ما جرى ويجري في أقبية أجهزة الأمن، من حكايات كان تداولها يجري همساً من قبل، أو أنها كانت تهرّب في كتاب، نموذجه الأكثر رعباً رواية «القوقعة» لمصطفى خليفة، وهو (البرنامج) كذلك منتزع للدموع، ما قد يرضي شرائح واسعة من محبي الميلودراما. لكنه يحمل، في الوقت ذاته، تجارب مرعبة قد تدفع المشاهد للذهاب بعيداً عن الشاشة، إذ من يهوى، خصوصاً إذا كان ممن يحمل إلى اليوم كوابيس الاعتقال، أو الخوف من الاعتقال، على نظام بشار الأسد، أن يعيش الكابوس من جديد عبر حلقة تلفزيونية!
كرهَ المشاهد أو أحبّ، لا بدّ من البرنامج المزعج، وثيقةً للتاريخ، وشهادة لمن ينكر، ويستمر في الإنكار، توثيقاً للتوحش الرهيب الذي مارسه السجّان، وتوثيقاً لتجارب من أهدرت حيواتهم لسنين طويلة، وربما نوعاً من التحية لهؤلاء.
مع ذلك، كرهَ المشاهد أو أحبّ، لا بدّ من البرنامج المزعج، وثيقةً للتاريخ، وشهادة لمن ينكر، ويستمر في الإنكار، توثيقاً للتوحش الرهيب الذي مارسه السجّان، وتوثيقاً لتجارب من أهدرت حيواتهم لسنين طويلة، وربما نوعاً من التحية لهؤلاء.
إثر كل حلقة كان ينهض سؤال، السؤال نفسه منذ سنوات طويلة وإثر كل تجربة مماثلة، كيف يشعر مؤيدو النظام، ومن في حكمهم، حين تحكى رواية اعتقال مثل هذه؟ السؤال بالطبع يعوّل على ضمير ما في صدور هؤلاء، ولمَ لا! أليس هذا جزءاً من مهمة الإعلام والفن؟
الحاجة ماسّة لاستمرار البرنامج، وبرامج وروايات وأعمال أدبية وفنية أخرى، عددَ تجارب الاعتقال في هذه البلاد، هذا إذا كنّا نحلم بأن لا يبقى اعتقال، ولا معتقلون، في سوريا المقبلة.
فيلم تدمر
بدأت عروض الفيلم الوثائقي «تدمر» في الصالات الفرنسية أخيراً، وهو للمخرجة مونيكا بورغمان ولقمان سليم. تجربة فريدة من نوعها، فهي أولاً تأتي من زواية معتقلين لبنانيين قضوا سنوات في هذا المعتقل الرهيب، وفيها لا يكتفي الضحايا بروي ما حدث لهم، بل يقومون بإعادة تمثيل التجربة، مقسمين أنفسهم إلى سجانيين ومسجونين.
تجربة العذاب المديدة أنتجت أداءً لا يصدّق من فرط واقعيته واستثنائيته وتأثيره. معها تشعر بأن هذا العالم لا يستنفد، ويظل بإمكانه أن يمدّ السينما والمسرح ومختلف أنواع الفنون بقصص مرعبة.
إهمال الكاتب
في كل مقابلة يجريها إعلام النظام السوري مع نجوم مسلسل «دقيقة صمت» لا بدّ أن تجد سؤالاً عن النص المكتوب (من بينها مقابلة لهيام حموي مع عابد فهد على إذاعة شام أف أم)، كيف كانت انطباعات الممثلين عنه عندما كان على الورق، وكيف تحوّل على أياديهم إلى تلك الصورة، كما عرضت في رمضان الأخير.
هدف كل تلك المقابلات تأكيد انطباع وحيد، هو أن النص الذي احتفل به المشاهدون هو الأرجح من صنع الممثلين أنفسهم، ولولا اشتغالهم وتفانيهم وجهودهم الجبارة لما كان النجاح. أي، وباختصار، ما من فضل كبير لكاتبه (سامر رضوان)!
للنظام وسائله في عقاب من لم تطله يداه. وإهمال كاتب «دقيقة صمت»، بسبب تصريحاته ضد النظام، أبسط الأمثلة.
كاتب فلسطيني سوري
ولك جزيل الشكر أخي راشد عيسى. تأسفت لأن بيلا حديد اعتذرت, لكن استوقفني قصة ناكري الجميل! لأنني تذكرت بعض منحبكجية النظام السوري حيث قالوا للشعب “شوبدهم أكتر من هيك” يعني الرئيس وأبوه قدموا للشعب السوري كل شيء. بس على رأيك يادريد لحام ماناقصنا إلا شوية كرامة. وبن سلمان وبن زايد زادوا أكثر بكثير بصفقة القرن, أم أنا مخطئ ومافهمان صفقة القرن أيضاً.