كورونا كورونا كورونا… كورونا في كل اتجاه ومع كل نشرة إخبارية وأحاديث الجلسات العامة، واللقاءات الاجتماعية، وحديث الساسة ومؤتمرات العالم، وسفر الناس، وحتى مباريات كرة القدم. موجة عارمة من الخوف والارتباك والاجتهاد. أمر يشبه الهستيريا على كل الصعد، في تعبير غريزي عن حب الإنسان للحياة، ورفضه للموت، في ظل تطور تكنولوجي مهم أخرج البشرية من الموت بالسل والكوليرا والتيفوئيد وإنفلونزا الطيور وجنون البقر وإنفلونزا الخنازير، وحتى من السرطان في بعض الحالات.
ومع حمى انتشار الذعر هذا بتنا نعيش سيلاً من فتاوى الكورونا، الجميع تقريباً أصبح خبيراً في علم الأوبئة، وعالماً بشؤون الفيروسات، وعلاّمة في إصدار فتاوى الوقاية والعلاج. بتنا نرى كماً هائلاً ممن ينصبون أنفسهم جهابذة في علاج الأوبئة، عبر سلسلة نصائح ما أنزل الله بها من سلطان، تتدحرج من شرب الماء الدافئ مروراً بطريقة غسل اليدين، وصولاً إلى نمط حياة كاملة. حالة من فوضى الفتاوى والاجتهادات والاختراعات والتقليعات دفعتني بكل حماسة لدخول الميدان شخصياً، لفحص أثر تلك التقليعات.. نجحت الخطة والنتيجة مذهلة لحملة الخوف والترهيب «والتخويث» والاستهبال والجهل وغيرها من صنوف الترويع.
فهناك من يبلغك بتفاصيل المرض وسبل الوقاية وخريطة انتشاره، وقائمة الدول، وعدد الإصابات فيها، وشروط السلامة وسبل الوقاية والأماكن المحظورة والتصرفات الشخصية الممنوعة، والقائمة أيضا تطول، ما يقود لافتعال هستيريا محلية ودولية وكونية، باتت تخيف الجميع. والبعض الآخر يسطح الأمور إلى حد التبسيط ويفرد لك أدلة لا تستطيع تحديد دقتها من عدمها. ووسط حالة الذعر المفروضة في كل اتجاه يعيش عالمنا العربي حالة متقدمة من التندر على الكورونا. فالسخرية في فضائها حدث ولا حرج: نكات وأفلام قصيرة وتسجيلات صوتية وأغان وقفشات كوميدية، وحتى اسكتشات استعراضية، كلها باتت عنواناً مهماً في كوكبنا الجديد… كوكب الكورونا، بصورة جعلتنا أقرب إلى تبني العنصرية تجاه العرق الأصفر، بشكل حرقنا معه إنجازات الدول وتألقها وتطورها ودورها في نهضة البشرية، وصولاً إلى إنتاج كم غزير من السخرية بالمرض.. كل هذا يحدث على مذبح الكورونا ربما تطبيقاً لمقولة عربية أصيلة: هم يبكي وهم يضحك. كمامات لاستخدام الأرجيلة، تتبيلة حارة مضادة للفيروسات، شراب عشبي مضاد للأكسدة، أكلة شعبية لتحييد الفيروس، سلام بالأرجل لتجنب التلامس، وغيرها الكثير الكثير من ابتكارات العالم العربي في هزلية الدراما المصاحبة للخالة كورونا.
وسط حالة الذعر المفروضة في كل اتجاه يعيش عالمنا العربي حالة متقدمة من التندر على الكورونا
كل هذا عشناه في مراحل مختلفة من أمراض أخرى لكن بوتيرة أقل. والسبب في زيادة عيار التندر هذه المرة هو، عدم وجود علاجٍ شافٍ للمرض، فوجد البعض في النكتة فرصة للترويح عن النفس أمام نشرات الأخبار المرعبة، وهروباً إلى الأمام من كثرة الرهبة والترهيب، رغم تقارير مستمرة تشير إلى أن نسبة الموت من المرض لا تتفوق على نسب الموت بحوادث السير والسكتات القلبية والجلطات على أنواعها.
المفارقة في هذه الزوبعة هو ظهور تلك الفتاوى من الخبراء المزورين والمدعين، وعبر جميع منصات الإعلام الاجتماعي ممن تسببوا بالقتل المعنوي لكثيرٍ من البشر، عبر اختلاقات وادعاءات واستطبابات ونصائح مزعومة لا أرضية علمية لها. لكل هؤلاء رسالتنا واحدة: إرحمونا! فمن «الكلام» ما قتل!
كاتب فلسطيني
نعم .لقد أصبت العنوان دكتور صبري.. بالفعل” ارحمونا” وقرفونا بالكورونا.. تعظيم الموضوع وتهويله.. اصبح كابوس يومي نعيشه .. ندعو الله أن يختفي هذا الوباء.. ويصيب من اخترعه..