وهمّ أمريكي

حجم الخط
0

توجد أمريكا ويوجد باقي العالم. الحلم الامريكي، حريات الانسان والديمقراطية، كل هذه تبدو في عيون الناس كنموذج ممكن ومرغوب فيه تحقيقه في كل مكان وموقع في العالم. صحيح، هذه ليست سياسة الادارة الامريكية الحالية، بل توجد هنا تقاليد طويلة السنين وان كانت مفعمة بأساطير عديدة.
المأساة الامريكية والفشل الذريع جدا لتسوية النزاعات بالطرق السلمية، لخلق بنى تحتية ديمقراطية من خلال القضاء على أنظمة شمولية قائمة، فشلت فشلا ذريعا. وستذكر ادارة اوباما الى الابد كمن فشلت تماما في سياستها الخارجية وجلبت الولايات المتحدة الى وضع هزيل امام العالم المنتهج وموجة التطرف الاسلامي التي تغمره باكمله. والسنتان اللتان بقيتا للادارة الحالية لن تغيرا من الاساس الواقع الذي نشأ في السنوات الستة الاخيرة في العالم. لا يوجد احد في العالم المتنور لا يفهم حجم الفشل في احلال السلام من خلال سياسة مصالحة غبية تأييد عناصر متطرفة للغاية من اجل اسقاط انظمة بدت مهددة، ولكنها عمليا كانت مرغوبة أكثر بكثير من تيار الاسلام الاصولي متعدد الاذرع الذي يبعث بأكثر الناس تزمتا الى حملات القتل والدمار.
قبل الخطوات الامريكية الغبية، لم يشكل العراق، سوريا، ليبيا وغيرها أبدا خطرا ملموسا على استقرار المنطقة والعالم بأسره. بحرب الخليج الاولى والثانية، اسقاط القذافي المجنون، التأييد غير المفسر لمعارضي النظام في سوريا ممن ليسوا سوى رجال القاعدة ومنظمات متطرفة، كل هذا لا يستوي مع العقل السليم. فهل يحتمل أن يكون النظام الديمقراطي المهم جدا للامريكيين ان يقوم في سوريا التي يسقط فيها الاسد ويستولي فيها رجال القاعدة على مكانه؟ هذه مبالغة، غباء وقصر نظر سياسي. وحتى لو لم يطب ما سنقوله لبعض الآذان فان الاسد افضل بعشرات الاضعاف من كل زعيم اسلامي متطرف قد يصعد الى الحكم في سوريا. وبالتالي فمن غير المفهوم لماذا يتحمس الامريكيون لمساعدة الثوار في سوريا؟ وماذا بالنسبة للعراق، مصر، ليبيا؟ ذات الاخطاء الفظيعة للادارات الامريكية والسياسة الخارجية غير المعقولة وغير الناجعة على نحو ظاهر. في هذا السياق يجدر الاقتباس عما قاله دنيس روس في كتابه «عن السياسة». وقد كتب روس في مقدمة الكتاب: «لم تكن لدي ملاحظات على سلم الاولويات الامريكية. فهل البيت الابيض والبنتاغون تصرفا بحكمة في انتقالهم من الحرب الاضطرارية في افغانستان الى الحرب الاختيارية في العراق؟ هل أجدت جهودنا لاسقاط صدام حسين أم اضربت بالحرب ضد الارهاب؟ فاذا كان «محور الشر» تهديدا على هذا القدر من الخطورة، فلماذا ركزنا جدا في العراق الذي ظهر منه الخطر الاقل فورية من ناحية اسلحة الدمار الشامل، وعملنا قليلا جدا بالنسبة لكوريا الشمالية وايران اللتين يحدق منهما الخطر الاساس؟»
هذه أسئلة جوهرية للغاية، ورغم محاولة روس طمس جسامة الاخطاء السخيفة، ولا سيما لادارة بوش، فان الواقع اليوم اصعب بكثير. فقد تطرفت ادارة اوباما جدا بايمانها بقيم الديمقراطية، وخطاب اوباما السياسي الاول في القاهرة اصبح قصة بائسة. ولم نتحدث بعد عن روسيا التي تفعل كل ما يروق لها، عن الصين التي تتجاهل الولايات المتحدة وقصر يد ادارة اوباما. ان السياسة الخارجية الامريكية، بما في ذلك بالنسبة لاسرائيل بالطبع، فشلت تماما لان الايديولوجيا لا يمكن فرضها.

معاريف الاسبوع 30/6/2014

تشيلو روزنبرغ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية