وهي تقيس “صهيونية العم جو”.. إسرائيل: هل سنرفع شعار “نحن اللاكولا”؟

حجم الخط
0

في الأيام العادية ينزل الرئيس الأمريكي الجديد مع عقيلته من منصة الترسيم ويدخل إلى سيارة الكاديلاك السوداء المحصنة التي تنقله إلى بيته الجديد. الرحلة بطيئة، على طول جادة بنسلفانيا. ولا يتوقف عن الهتاف جمهور ملأ ساحة النصب التذكارية والبيوت التي تطل على الجادة. البرد شديد، الرئيس يوقف السيارة ويسير شوطاً طويلاً على الأقدام ليجسد للكاميرات بأنه مع قدمين على الأرض، محب ومحبوب. وفي البيت الأبيض ينتظره هو وعقيلته الرئيس المنصرف وعقيلته. تجري السيدة الأولى المنصرفة جولة للسيدة الأولى الجديدة في غرف المبنى. يجلس الرجال في حديث خفيف عن شؤون العالم. المنصرف يسدي نصيحة أو اثنتين. الوافد ينصت بكياسة. الشعب بحاجة لرسالة وحدة واحترام متبادل: جنتلمانان يوفران الرسالة.

قليل جداً من كل هذا سيحصل اليوم في واشنطن. يسافر دونالد ترامب إلى المطار العسكري أندرويز، على مسافة 20 دقيقة من المدينة، يستعرض طابوراً عسكرياً نظمه لنفسه ويقلع إلى مزرعة الغولف الخاصة به في فلوريدا. قراره مقاطعة المراسيم وفرت حرجاً للعالم. سيرحل مثلما جاء: غرسة غريبة. الثنائي بايدن سيلقى في البيت الأبيض وكيل البيت، ليس أكثر.

لأربع سنوات كان ترامب رئيساً، تحكم دون قيود بالأخبار، بالخطاب، بالوعي، وما تبقى خلفه في المدينة ليست سوى ذكريات صادمة وفندق يحمل اسمه. هكذا ينقضي مجد العالم.

جو بايدن، العم جو، السياسي العجوز، المعانق المنتظم، غير الضار على نحو ظاهر، كان قد فعل هذا. فبعد أربع سنوات من بيت أبيض مجنون وفوضوي، سيسعى لجلب بعض من الحالة الطبيعية إلى بلاده والعالم. عندما انتخب أوباما رئيساً قبل 12 سنة، سمع ناخبوه أجراس الخلاص. أما بايدن فيكتفي بأقل. منتجو المشروب الغازي “سفن أب” نشروا مشروبهم ذات مرة تحت شعار “نحن اللاكولا”. بايدن هو اللاترامب.

أطلب من القارئ أن يبذل جهداً ويحاول التفريق بين ما يفكر به عن ترامب كمواطن إسرائيلي مع ما يفكر به عن ترامب كمواطن العالم. الكثير من اليهود الأمريكيين تصرفوا على هذا النحو يوم الانتخابات.

أربع سنوات من ترامب كانت استثنائية من ناحية إسرائيل. فبخلاف كل أسلافه، استجاب (تقريباً) لكل إرادات الحكومة في القدس: انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، اعترف بالقدس كعاصمة، وتبنى بسط القانون على الجولان، وطبخ من خلال صهره جاريد اتفاق التطبيع مع الإمارات. الاعتراف بالقدس كان عملاً صحيحاً، إصلاحاً لتشويه تاريخي. الاتفاق مع الإمارات سرع مسيرة مهمة ومباركة في الشرق الأوسط، وعلى الطريق أيضاً منع ضماً في الضفة، ضرره إلى جانبه. أما موضوع الجولان الذي لم يجدِ ولم يضر، فليس بذي معنى.

لقد كان القرار الإشكالي هو الانسحاب من الاتفاق النووي: فقد أزال حواجز منعت النووي الإيراني ودفعت بإيران إلى الأمان نحو القنبلة. أضعفت العقوبات الإضافية التي فرضها إيران، ولكن بخلاف التقديرات في إسرائيل، لم تدفعها إلى الانهيار. لا يخرج من هذا خير.

سيعين بايدن في الأيام القريبة القادمة رجل ارتباط بإيران. وقد بدأت معها المفاوضات، بوساطة عُمان، ويعتزم العودة أولاً إلى الاتفاق الأصلي وبعدها يشرع في مفاوضات كي يحسنه. وإسرائيل الرسمية، بما فيها جهاز الأمن، تتابع بقلق.

لن يلاحق القضية الفلسطينية، ولكن القضية الفلسطينية ستلاحقه. فقد أراد نتنياهو أن يشرعن في أيام ترامب الأخيرة سلسلة من البؤر الاستيطانية غير القانونية، فمنعه مندلبليت وغانتس. وابتداء من اليوم تتغير القصة. كل خطوة كهذه تصل إلى مجلس الأمن. ليس مؤكداً أن توافق إدارة بايدن على استخدام الفيتو. بايدن، بالفعل، مثلما قال ذات مرة، صهيوني في قلبه. ولكن ليس مؤكداً أن صهيونيته تتوافق مع صهيونية حكومة الـ 61 التي يتحدث عنها نتنياهو.

والآن لنضع جانباً العناق الذي تلقته إسرائيل من إدارة ترامب – موضوع هامشي بمقياس أمريكي – ولنلق نظرة إلى إرثه. لقد أخرج إلى النور نوازع دفينة، عدوانية، هذيانات عنصرية وتنظيمات تآمرية، إرهابية، لليمين المتطرف. خطاباته التحريضية ألقت بظل ثقيل على الأمن الداخلي الأمريكي، وعلى استقرار نظامها وعلى مكانتها في العالم. الحقيقة الواقعة كانت إحدى الضحايا: أكثر من 30 ألف كذبة، هذا هو الإحصاء الرسمي، تفوه بها في سنوات ولايته الأربع. إنه يترك وراءه أمريكا جريحة، مرضوضة، منقسمة، ضعيفة. وهذا ليس جيداً لإسرائيل أيضاً.

بقلمناحوم برنياع

 يديعوت 20/1/2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية