الولايات المتحدة صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة. غير مرة بقيت وحدها في الدفاع عن إسرائيل في مجلس الأمن والأمم المتحدة وفي أطر دولية أخرى، في الوقت الذي تركت فيه دول غربية أخرى تعرض نفسها كصديقة لإسرائيل، المعركة أو انضمت لأولئك الذين ينددون بها ويهاجمونها.
إن تجند الولايات المتحدة من أجلنا بعد هجمة 7 أكتوبر يشكل أحد الفصول الفاخرة في منظومة العلاقات بين الدولتين، والذي ينضم إلى قصة “القطار الجوي” الذي أطلقه إلينا الأمريكيون في أثناء حرب يوم الغفران في أكتوبر 1973.
إن الصداقة التي بين الولايات المتحدة وإسرائيل راسخة في قيم مشتركة تتقاسمها الدولتان وفي المصالح الوثيقة. لقد أصبحت إسرائيل استحكاماً متقدماً في الصراع الأمريكي ضد قوى الظلام والشر في منطقتنا، وأدركت واشنطن كيف يقدرون ويمجدون مساهمة إسرائيل المميزة: عسكرياً واستخبارياً وتكنولوجياً للأمن القومي الأمريكي.
تظهر خلافات بين الأصدقاء الحقيقيين أحياناً. واجب على إسرائيل أن تصر على موقفها. يخيل أن إصرارنا على موقفنا وظهورنا أننا محقون، يجعلنا نحظى بتقدير أمريكي وإن بأثر رجعي.
من المهم أن نفهم بأن الأمريكيين بعيدون مسافة آلاف الكيلومترات عن منطقتنا وغير قادرين على النزول إلى أعماق تعقيداتها. يميلون لتحليلها وفهمها بمناظير غربية، وبالغالب مناظير وردية وكأن الحديث يدور عن قسم من غرب أوروبا أو شمال أمريكا، ويروا في اللاعبين الإقليميين عقلانيين يعملون وفقاً لمنطق غربي.
مع نشوب حرب “السيوف الحديدية “تجندت واشنطن إلى جانبنا وقدمت لنا، على الأقل في المراحل الأولى من المعركة، السلاح بلا قيود ومنحتنا سوراً واقياً في الساحة الدولية فيما تشدد على حق وواجب إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لكن في الوقت نفسه، أشار الأمريكيون إلينا، وفي الواقع طالبونا ألا نخرج إلى معركة عسكرية لتقويض حكم حماس في غزة، إذ إنه ليس بوسعنا، كما ادعوا، تحقيق هذا الهدف. لذا من الأفضل الموافقة على هدنة وصفقة.
بهذا النهج تمسك الأمريكيون على طول مراحل المعركة في الجنوب، وفي كل مرة تجاوزت فيها إسرائيل مرحلة وتقدمت من مدينة غزة إلى خان يونس، ومن هناك إلى رفح، ترافقت أعمال الجيش وانتقاداً أمريكياً علنياً ودعوة لوقف النار، حتى تبين في النهاية أنه حماس، بخلاف التقديرات الأمريكية، قد انهارت وأبيدت قوتها العسكرية.
ومثل غزة، تحذر الولايات المتحدة الآن من نطاق العملية الإسرائيلية في لبنان. يقول الأمريكيون إن الحل الدبلوماسي والتسوية مع حزب الله، منظمة إرهاب تدعو إلى إبادة إسرائيل، هو وحده ما يؤدي إلى التهدئة والهدوء على طول الحدود. بهذه الروح، روج الأمريكيون أيضاً إلى تحقيق تهدئة مع إيران، حتى بعد رشقات الصواريخ نحونا.
شائق أن نعرف ماذا كان الأمريكيون سيقولون لمن كان يروج لهم الوصول إلى اتفاق مع القاعدة بعد هجمة 11 أيلول أو مع “داعش” بدعوى أن لا جدوى للصراع مع هذه المنظمات ولا يمكن حله إلا بطرق سياسية.
ليس هناك جديد، فقد عارض الأمريكيون تدمير المفاعل العراقي في 1981 بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا، وذلك كي يتراجعوا ويعترفوا لنا بعد بضع سنوات من ذلك حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. وفي كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السوري في أيلول 2007، الخطوة التي تحفظ عليها الأمريكيون، ثم اعترفوا بالخطأ بعد نشوب الحرب الأهلية في سوريا.
يجب أن نأخذ التوقعات والمشورات الأمريكية بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقاً لأفضل تفكرنا وحكمنا، حتى وإن لم يرضهم الأمر. في نهاية الأمر، سيعترفون بخطاهم وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل، وسيتجندون لدعمها.
أيال زيسر
إسرائيل اليوم 6/10/2024