لندن- “القدس العربي”:
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها أعده بينويه فوكون، أن الإجراءات التي اتخذها الكرملين بعد تمرد زعيم مجموعة فاغنر، أثارت الأعصاب في أفريقيا والشرق الأوسط.
فمحاولات الكرملين السيطرة على مجموعة المرتزقة، أدت إلى انتشار مخاوف أمنية في هذه الدول، رغم التأكيدات من عدم تغير الدور الروسي في هذه المنطقة المتقلبة بهذه التغيرات.
وقالت الصحيفة إن هناك مخاوف متزايدة نتيجة التكهنات حول مكان وجود زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين. وفي يوم السبت، اجتمع بعض من أنصار فاغنر وعدد من المحاربين السابقين لتبادل القمصان والملصقات في مدينة سانت بطرسبرغ، إلا أن زعيم المرتزقة لم يظهر علنا منذ إعلان رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي توسط في صفقة أمّن فيها ممرا آمنا له بعد التمرد القصير ضد القيادت العسكرية الروسية، بأن بريغوجين عاد إلى روسيا.
ومع تزايد الغموض حول دور فاغنر المستقبلي، فإن بعض المقاتلين غادروا أماكنهم في منطقة الألماس بجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يخشى السكان من عودة المتمردين وسيطرتهم على المناطق التي تركوها. وعبّر مسؤولون سوريون عن مخاوفهم من تعرض حقول النفط والغاز التي يحرسها المرتزقة لهجمات من أعداء النظام وسط عملية انتقالية فوضوية بين فاغنر والقوات الروسية في سوريا.
واقتضت الصفقة التي توسط بها لوكاشينكو، بوقف فاغنر زحفها نحو موسكو، مقابل استيعاب أكبر عدد من مقاتليها الذين يبلغ عددهم 30 ألف عنصر في الجيش النظامي الروسي. ولم يكن واضحا كيف يمكن أن يحدث هذا، وكيف سيوقّع مقاتلو فاغنر للمشاركة في القتال.
كل هذا زاد من المخاوف وسط عدد من الدول حيث يتمركز فيها حوالي 6 آلاف من مرتزقة فاغنر، ويقومون بأعمال تشمل توفير الأمن للقادة المحليين مقابل حصول الشركة على المصادر المحلية. وكانت بصمات فاغنر في هذه المناطق رافعة مفيدة لكي تمارس روسيا تأثيرها ونفي أي دور لها في الوقت نفسه.
وقال المحلل لو أوزبورن من “أول آيز أون فاغنر” وهي مجموعة بحث في المصادر المفتوحة: “تحاول وزارة الدفاع استعادة السيطرة على نشاطات فاغنر والتي أنشأتها لكي تكون بعيدة عن سياسات الدولة.. ربما أدى هذا إلى بعض الفوضى في الدول التي تعمل فيها المجموعة”.
وفي يوم الأربعاء، غادرت قافلة من العربات العسكرية المصفحة معسكرا لفاغنر في قرية موين- سيدو في شمال جمهورية أفريقيا الوسطى حسب مسؤولين أمنيين حاليين وسابقين يركزون على الشؤون الأمنية في البلد، إلى جانب شهادات ناشطين وسكان في البلد الذي مزقته الحرب.
وقام المقاتلون في المناطق الغنية بالماس والذهب بترك معسكراتهم أو مغادرتها، بحسب قولهم. ويبلغ عدد من غادر منهم ما بين 100- 200 مقاتل، كما قال هؤلاء الأشخاص. ومنذ ذلك الوقت، غادرت طائرتا إليوشين اللتين تعاقدت معهما فاغنر العاصمة بانغي، وفقا للأشخاص، وبحسب ما أظهرت بيانات “فلايت رادار24” التي تسجل حركة الطيران الجوي.
وتكشف اللقطات التي نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، مقاتلي فاغنر وهم ينتظرون في المطار بأمتعتهم. وقال مسؤول روسي مرتبط بالمجموعة، إن الرحلات هي جزء من عملية انتشار متأخرة.
وقال ألكسندر إيفانوف، الذي يشرف على المدربين العسكريين الروس العاملين مع فاغنر، إن الرحلات نظمت بعد تأخر في العمليات اللوجيستية “للأشخاص الذين كان من حقهم أخذ إجازة قبل أشهر عدة”. مضيفا أنه لا يستطيع التعليق على تصرفات فاغنر. وقال إنه حصل على تأكيد من بريغوجين حول استمرار عمل المتعهدين الأمنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وقال إيفانوف، مدير اتحاد الضباط للأمن الدولي، الذي تصفه الولايات المتحدة بأنه واجهة لفاغنر: “سيستمر العمل ولن نذهب إلى أي مكان”.
وفي يوم الخميس، نشر إيفانوف على حسابه في منصات التواصل الاجتماعي، صورا لمرتزقة فاغنر وهم ينقذون عمالا صينيين في منجم ذهب وقع تحت تهديد المتمردين في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي شباط/ فبراير، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إيفانوف، متهما إياه بأنه المتحدث باسم فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، والشخص الذي يشرف على عمل المتعهدين الأمنيين الروس هناك. ويقول المسؤولون في جمهورية أفريقيا الوسطى إن هؤلاء المقاتلين مختلفون عن فاغنر التي تعمل بشكل لصيق مع مقاتلي البلد.
وعلق إيفانوف على تصنيف الاتحاد الأوروبي له، بأنه جزء من احتقار النفوذ الروسي في البلدان التي فشلت دول الاتحاد فيها. ومع زيادة التوتر بين بريغوجين والقيادات العسكرية الروسية بشأن الإمدادات العسكرية والقضايا الأخرى العالقة، وقف إيفانوف مع بريغوجين ونشر بيانا على حسابه في تلغرام بهذا الشأن، لكنه بعد نهاية التمرد، أعاد نشر بيان من الحكومة في جمهورية افريقيا الوسطى، شكرت فيه فاغنر على خدماتها التي قدمتها للبلد.
ولا يعرف ماذا ستفعل القوات التابعة لفاغنر في هذا البلد خلال المرحلة المقبلة. فقد هبطت واحدة من الطائرتين من بانغي في مطار تييومين في منطقة الأورال الروسية، حيث لدى فاغنر مركز أركان أُرسل منه المقاتلون إلى أوكرانيا. واتُهم مقاتلو فاغنر بارتكاب جرائم وانتهاكات حقوق إنسان في الدول الأفريقية، منها قتل أكثر من 500 قروي ببلدة وسط مالي في آذار/مارس 2020. لكن الدول المضيفة لهم، احتفت بدورهم حيث تخشى الحكومات المحلية من مغادرتهم وعودة المتمردين إلى المناطق التي عملوا فيها.
وقال مواطن في جمهورية أفريقيا الوسطى من منطقة غادرتها فاغنر: “هناك اضطراب عقلي كبير في المجتمع”، إلا أن إيفانوف قال في رسالة اطلعت عليها الصحيفة إنه “يتم تحريك المعسكرات إلى مناطق جديدة وأكثر ربحا”.
وفي الوقت نفسه، قال ديمتري سيتي، الذي يدير فرع البيت الروسي في بانغي، وهو ذراع ثقافي لوزارة الخارجية الروسية: “لا شيء تغير هنا.. كل واحد في موقعه ولا أحد تحرك”. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سيتي في شباط/فبراير، حيث اتهمه بلعب دور رئيسي داخل مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، وله علاقات قريبة مع بريغوجين.
ويدير سيتي شركة “لوبايي إنفست” وهي شركة جيولوجية للتعدين حصلت على امتيازات عدة في جمهورية أفريقيا الوسطى. ويقول سكان القرى التي غادرها مرتزقة فاغنر، إن هناك إشارات عن مغادرة بلا عودة. فقد تم استبدال 15 شخصا بالذين غادروا في معسكر نانا- باكسا، ويبيع المقاتلون كل المواد لديهم وأدوات الطبخ ومخدات النوم.
وفي سوريا، فإن عملية نقل السلطة أدت إلى قلق بين مسؤولي النظام السوري على حقول النفط والغاز في جنوب البلاد، والتي ستُترك عرضة للهجمات من تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك بحسب مستشار لحكومة النظام ومسؤول أوروبي. وسيطر المتشددون على المنشآت النفطية أثناء الحرب الأهلية قبل أن تستعيدها فاغنر وصيادو داعش وهي ميليشيا دربت لحراسة حقول النفط والغاز.
وحصل الحليفان على نسبة 25% من موارد الحقول مقابل توفير الأمن. وبحسب بسام بربندي، المسؤول السوري السابق، فقد حاول مقاتلو فاغنر دخول قاعدة عسكرية روسية في اللاذقية أثناء التمرد، ولم ينجحوا. وتم احتجاز المسؤولين في فاغنر الذين كانوا يعملون باستقلالية عن القوات الروسية في سوريا. واستبدلت وزارة الدفاع الروسية مقاتلي فاغنر حول منشأة للنفظ والغاز في تدمر، بمقاتلين من “صيادي داعش” بحسب قوله بربندي.
وفي الأسبوع الماضي، قال حاج مهدي، قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، إنه التقى مع حلفائه السوريين لمناقشة استقطاب مقاتلين دربتهم شركة فاغنر، وذلك بحسب مستشار حكومة النظام السوري والمسؤول الاوروبي.
واستهدفت إيران مقاتلي “صيادو داعش” في دير الزور التي ينشطون فيها، ودفعت لهم راتبا بزيادة 300 دولار عما يتلقونه من فاغنر. وتأثرت سلسلة القيادة لفاغنر في سوريا في الأيام الماضية، بشكل ترك “صيادي داعش” في حالة من عدم اليقين واحتمالات بتخفيض رواتبهم كما قال أشخاص.
وتم احتجاز قادة فاغنر في القاعدة العسكرية الروسية، وطُلب من مرتزقة الشركة البقاء في بيوتهم بتدمر.