“وول ستريت جورنال”: السعودية تعاني من مشاكل جديدة في إطار مشروع تنويع الاقتصاد

حجم الخط
0

لندن -“القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً يشير إلى مشاكل جديدة تواجه الجهود السعودية في تنويع اقتصادها الذي يعتمد على النفط، معتبرةً أنه “بدأ السعوديون وشركاتهم يشعرون بآلام التحول غير المؤكد”.
ورفع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، خلال السنتين الماضيتين، أسعار البنزين والكهرباء، وأدخل ضرائب جديدة على المملكة، كما أجبر الشركات على صرف العمّال الأجانب لإفساح المجال أمام السعوديين للدخول بقطاعات كانوا غائبين عنها في السابق.
ومع التباطؤ الذي تشهده أكبر دولة مصدّرة للنفط، كان من المفترض أن تقوم هذه الإجراءات بتنشيط الاقتصاد غير النفطي وتوفير مصادر دخل جديد لحكومة تعتمد بشكل أساسي على صادرات النفط التي تشكل حوالي 87% من إيراداتها. وأقر مسؤولون حكوميون سعوديون بأن سياساتهم تسبب “آلاماً اقتصادية”، لكنهم اعتبروا أنها ضرورية للسير في الإصلاح الاقتصادي، الذي يعاني من مشاكل عميقة، تخفيها حتى الآن عائدات النفط.
ونقل التقرير عن وزير الاقتصاد السعودي، محمد التويجري، في مقابلة قوله “نحاول تحقيق توازن هنا للتأكد من سوقنا ينمو بشكل مستدام”، مضيفاً “نحن نحاول التأكد من قيامنا بتنظيف الاقتصاد من الأسفل إلى الأعلى، والتأكد من أن لدينا بيئة استثمار جيدة وودية، والتأكد من أن الفرص حقيقية،” مؤكداً أن “الأطر القانونية باتت قائمة وتستند إلى أفضل الممارسات. هذه رحلة تحولنا”.
واعتبر التقرير أنه حتى الآن، ما نتج عن هذه الإجراءات هو صدمة للقطاعات غير المرتبطة بالقطاع النفطي، ما خلق تحدياً محلياً جديداً لبن سلمان. ويذكر التقرير أن الأمير ووالده، الملك سلمان، كانا من الشخصيات التي لاقت شعبية كبيرة، باعتبارهما “يهزّان الثقافة السعودية شديدة التحفظ”، عبر إحداث تغييرات اجتماعية مثل السماح بإنشاء دور السينما، ومنح النساء الحق بالقيادة، والذهاب إلى مباريات كرة القدم.

عدم رضا

لكنه أعرب، بحسب الصحيفة، ان بعض السعوديين، في مقابلات، تحدثوا عن عدم رضاهم بالبرنامج الاقتصادي. وقالت أم سعيد، البالغة من العمر 56 عامًا في جدة، إن “كل ما رأيناه هو الزيادات في سعر الغاز والكهرباء”، مضيفةً “كمواطنين، نحن لا نستفيد حقًا من أي من هذه الإجراءات”. وعلى نطاق أوسع، أعلنت الشركات السعودية، هذا الشهر، عن “أرباح مخيبة للآمال لعام 2018”، ولام بعضها بطبيعة الحال الحكومة.
على سبيل المثال، أدرجت شركة “المراعي”، المعروفة بكونها رائدة في أسواق التجزئة السعودية، في تقريرها السنوي للمستثمرين، العديد من الإجراءات الإصلاحية الجديدة، لا سيما ضريبة القيمة المضافة (5%)، وارتفاع تكاليف الطاقة، على أنها “عوامل سلبية” تسببت بانخفاض ارباحها لعام 208، مقارنة بعام 2017.
وأفاد التقرير بأن شركة “فواز عبد العزيز الحكير وشركائه”، وهي شركة سعودية تعمل في مجال البيع بالتجزئة، قالت إنها ستغلق أكثر من 100 متجر في عام 2018، وكشفت أنه انخفض صافي دخلها بنسبة 45% في الربع الأخير من عام 2018.
ويعاني الاقتصاد أيضاً من هجرة جماعية للعمال الأجانب، معظمهم من رجال الطبقة العاملة الآتين من جنوب آسيا والفلبين. وكان يعمل في المملكة، منذ عامين، حوالي 7.4 مليون عامل أجنبي، وقد غادر أكثر من مليون منهم منذ أن فرضت الحكومة ضرائب جديدة على الشركات التي توظفهم ورسوماً جديدة مفروضة على عائلاتهم للبقاء في البلاد.
ومع انخفاض الإنفاق، دخل الاقتصاد السعودي، منذ كانون الثاني/يناير في مرحلة ركود. وانخفض مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.2 %، في شباط/فبراير، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، ما يعد أكبر نسبة انخفاض، منذ الركود الذي عانى منه الاقتصاد السعودي، عام 2017، وفقاً للبنك المركزي السعودي. وانخفضت أسعار العقارات بنسبة 15 % في نهاية عام 2018، مقارنة مع بداية عام 2016، وفقاً لأرقام الحكومة السعودية.
واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة “قمر” للطاقة، روبن ميلز، وهي شركة استشارية في دبي تركز على المملكة العربية السعودية، أنه رغم كون هذه الإجراءات تعني أنه “على المدى القصير”، قامت الحكومة السعودية “بأخذ الأموال من الاقتصاد”، إلا أنها ستكون مفيدة في المدى الطويل، في حال تم تنفيذها بشكل جيد.

تبدل الآراء

واعتبرت الصحيفة أن تبدل الآراء دولياً، حيال بن سلمان، على أثر جريمة قتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، والحرب في اليمن، له أثر على الاقتصاد السعودي أيضاً، إذ أحجم مستثمرون أجانب عن الالتزام باتفاقياتهم مع المملكة، لكن رغم ذلك، ارتفع الاستثمار الخارجي المباشر إلى 2.4 مليار دولار عام 2018، بعد أن كان قد انخفض إلى أدنى مستوياته عام 2017، حين وصل إلى 1.4 مليار دولار، منخفضاً من 7.4 مليار دولار عام 2016. وتوقع وزير الاقتصاد، التويجري، أن يتجاوز الاستثمار الأجنبي المتوسطات التاريخية، بمجرد تفعيل برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وعمل مسؤولو النفط السعوديون مع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لوضع حد اقصى لإنتاج النفط، ما ساعد على زيادة الأسعار بنسبة 31%، منذ كانون الأول/ديسمبر إلى 67 دولاراً للبرميل، ومع ذلك، ما زالت الأسعار منخفضة جداً لموازنة الميزانية السعودية ، التي تحتاج لأن تصل الاسعار إلى حوالي 80 دولاراً للبرميل، وفقاً لمعظم الاقتصاديين.
وتقول “كابيتال إيكونوميكس”، وهي شركة استشارية للأبحاث في لندن، إن ركود أسعار النفط، وتراجع مبيعات النفط، أثرا على توقعات النمو عالمياً، التي تم خفض توقعاتها مؤخراً إلى حوالي 1% لعام 2019.
كما قلّص صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو الاقتصادي السعودي هذا العام، إلى 1.8 %، منخفضًا من 2.3 %، عام 2018. ومن المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي غير النفطي إلى 2.1 % هذا العام، منخفضًا من 2.2 % في عام 2018، كما يقول صندوق النقد الدولي. وذكر التقرير أن أكبر فئة عمرية للسكان السعوديين هي الفئة العشرينية، حيث تصل نسبة فئة دون الـ 30 إلى حوالي 60% من نسبة سكان المملكة، الكثير منهم عاطلون عن العمل. ويشكل العمّال الأجانب ذوو الأجور المنخفضة، معظم القوى العاملة غير النفطية، حيث يبلغ معدل البطالة الرسمي للسعوديين 25%. وتشكل صناعة النفط 42 % من الناتج المحلي الإجمالي، وحوالي 90 % من إيرادات صادرات البلاد.
وقال مسؤولون سعوديون إن سياساتهم تهدف إلى معالجة هذه الاختلالات. ووضعت الحكومة قوانين جديدة لـ “مساعدة الشركات”، منها، السماح للشركات بإعلان إفلاسها “على النمط الغربي”، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الأسواق السوداء، بالإضافة إلى فرض الرسوم والضرائب. وقال التويجري إنه تعمل الحكومة على دعم القطاع الخاص، مع حزمة التحفيز ضمن ميزانية عام 2019.
الخبيرة الاقتصادية في بنك “اش اس بي سي”، رزان ناصر قالت إن ميزانية 2019 تتضمن نسبة قياسية من الإنفاق، إذ لا تزال الدولة تقود معظم الاستثمارات وليس من القطاع الخاص، ما يعني، بحسب ناصر أن الاقتصاد السعودي يزداد اعتماداً على عائدات النفط، وليس العكس.
وأضافت ناصر أن التحدي الذي تواجهه الحكومة السعودية، هو أن تتمكن من الالتزام بالإصلاح على المدى الطويل بحيث تتعامل بشكل سليم مع مشاكل قصيرة الأجل، مثل تقلص عدد الوظائف. وقالت: “حتى الآن، كان أداؤهم متفاوتًا”، مشيرة إلى فرض ضرائب جديدة، وخفض الدعم، مع ارتفاع الإنفاق العام، على نحو أسرع من الإيرادات غير النفطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية