لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعدته سمر سعيد وروري جونز قالا فيه إن نظام المراسلة البدائي والرسائل المشفرة هو ما يبقي زعيم حماس يحيى السنوار بعيدا عن أعين القوات الإسرائيلية التي تتهمه بتدبير هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتلاحقه منذ ذلك الوقت.
وجاء في التقرير أن زعيم حماس ربما كان ميتا اليوم لو لم يعتمد على نظام اتصالات بدائي صقل وعرف أساليبه وهو في السجن الذي قضى فيه عشرين عاما. فلم يعد السنوار يستخدم الهواتف النقالة ولا يرسل الرسائل النصية أو يستقبلها ولا أي جهاز إلكتروني يمكن إسرائيل من تتبعه وقتله وغيره من المسؤولين في الحركة.
وبدلا من ذلك يستخدم السنوار نظاما معقدا من المراسلين والملاحظات المكتوبة والمشفرة والتي تسمح له بمتابعة عمليات حماس وبشكل مباشر من الأنفاق، حسب وسطاء في مفاوضات وقف إطلاق النار.
يستخدم السنوار نظاما معقدا من المراسلين والملاحظات المكتوبة والمشفرة والتي تسمح له بمتابعة عمليات حماس وبشكل مباشر من الأنفاق
وتقول الصحيفة إن طريقة التواصل هذه أزعجت الجيش الإسرائيلي الذي يريد الوصول لمهندس الهجمات على إسرائيل. وقد بات قتله أو القبض عليه بمثابة انتصار كبير لإسرائيل ومن شأنه أن ينهي الحرب التي استمرت 11 شهرا، ولكن حتى مع السيطرة العسكرية على قطاع غزة، لا زالت أيدي الاستخبارات الإسرائيلية خاوية.
ولم يُر السنوار منذ بداية الحرب، إذ يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه في مكان ما بغزة.
وتضيف الصحيفة أن نظرة على الطريقة التي ظل فيها السنوار على قيد الحياة، تشكلت من الوسطاء العرب الذين ينقلون الرسائل ذهابا وإيابا بين حماس وإسرائيل، حيث لا توجد مفاوضات مباشرة بين الطرفين. وقال الوسطاء إن الرسالة العادية من السنوار الآن هي مكتوبة بخط اليد وتمرر أولا إلى عنصر موثوق به في حماس، ينقلها عبر سلسلة من الرسل، بعضهم مدنيون. وغالبا ما تكون الرسائل مشفرة، برموز مختلفة لمستلمين مختلفين وظروف وأوقات مختلفة، بناء على نظام طوره السنوار وغيره من الفلسطينيين أثناء وجودهم في السجون الإسرائيلية.
وربما وصلت الملاحظات/ الرسائل للوسطاء العرب، الذين ربما دخلوا غزة، أو لناشط في الحركة يستطيع استخدام الهاتف أو وسيلة أخرى لإرسال الرسالة إلى العناصر في الخارج.
وتضيف الصحيفة أن نظام الاتصالات الذي يستخدمه السنوار بات أكثر حذرا وتعقيدا بعد وصول إسرائيل للقيادي في حماس، صالح العاروري، الذي اغتيل في بيروت بداية العام الحالي.
ونقلت الصحيفة عن مدير فرع فلسطين السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) مايكل ميليشتين قوله: “أنا متأكد أن هذا هو السبب الرئيسي الذي لم يعثر فيه الجيش الإسرائيلي عليه” و”يحافظ بشدة على أشكال السلوك الشخصي”.
وصدرت في الآونة الأخيرة رسائل من السنوار للقادة العرب وزعماء المنظمات المسلحة مثل الحوثيين، شكرهم فيها على دعمهم ومدح الحركة الحوثية اليمنية وإطلاقها صاروخا باتجاه إسرائيل يوم الأحد.
وتقول الصحيفة إن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لديها أحدث القدرات تطورا في العالم لاعتراض الاتصالات الإلكترونية، والتي غالبا ما تسمى استخبارات الإشارات.
بعد اغتيال العاروري، أصبح السنوار يعتمد بالكامل تقريبا على المذكرات المكتوبة بخط اليد والاتصالات الشفوية، ويرسل أحيانا التسجيلات الصوتية عبر دائرة صغيرة من المساعدين، حسب قول وسطاء عرب.
بعد اغتيال العاروري، أصبح السنوار يعتمد بالكامل تقريبا على المذكرات المكتوبة بخط اليد والاتصالات الشفوية، ويرسل أحيانا التسجيلات الصوتية عبر دائرة صغيرة من المساعدين
وأعقب اغتيال العاروري عمليات اغتيال أخرى لقادة في حماس وحزب الله، مثل فؤاد شكر، القيادي العسكري في حزب الله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وهو ما كشف عن مكامن ضعف في الحماية الشخصية.
ويقول عزمي كيشاوي، الباحث في مجموعة الأزمة الدولية ببروكسل، “يعرفون أنهم لو استخدموا أي جهاز إلكتروني فسيتم الكشف عنه”.
وتشير الصحيفة إلى أن النظام الاتصالي البدائي الذي يستخدمه السنوار يعود إلى سنوات التشكل الأولى لحركة حماس. فقبل سجنه أسس السنوار وحدة الأمن الداخلي لحماس (مجد) بمهمة مطاردة المتعاونين المشتبه بهم وكانت نشطة في السجون الإسرائيلية. وقامت وحدة مجد بتجنيد عملاء داخل السجن يطلق عليهم “السواعد” الذين قاموا بتوزيع رسائل مشفرة من قسم إلى آخر، وفقا لكتاب “ابن حماس” الذي كتبه عميل سابق في حماس تحول إلى جاسوس إسرائيلي.
وبحسب الكتاب، فقد قامت مجموعة السواعد بلف الرسائل المكتوبة بخط اليد في خبز أبيض، ثم تشكيله على شكل كرات، وتركت لتجف وتتصلب.
ومثل لاعبي البيسبول، كان العملاء يرمون الكرات من قسم إلى آخر في السجن، وهم يصرخون “رسائل من مقاتلي الحرية!”.
قبل سجنه، أسس السنوار وحدة مجد بمهمة مطاردة المتعاونين المشتبه بهم وكانت نشطة في السجون الإسرائيلية. وقامت الوحدة بتجنيد عملاء داخل السجن يطلق عليهم “السواعد” الذين قاموا بتوزيع رسائل مشفرة من قسم إلى آخر
وتعتقد إسرائيل إن السنوار قضى سنوات السجن وهو يخطط لحرب كبرى مع إسرائيل، بما في ذلك بناء شبكة أنفاق. ويرى ميليشتين المسؤول الاستخباراتي السابق أن استعداداته شملت على الأرجح إنشاء نظام اتصالات من شأنه أن يتغلب على جمع المعلومات الاستخباراتية الحديثة.
وتعتبر هذه الأساليب فعالة للغاية لدرجة أن مطارديه لا يستطيعون استبعاد أنه ليس في غزة.
وتضيف الصحيفة أن الوصول إلى السنوار أصبح مهما أكثر من أي وقت مضى، فمع أنه كان القوة الدافعة لسياسات حماس في الداخل والخارج، إلا أن الجماعة اعتمدت على مجموعتها المقيمة في قطر لتمثيل مصالحها، وقد تغير كل هذا بعد اغتيال هنية وانتخاب السنوار زعيما لحماس.
وجاء انتخابه في وقت كثفت فيه الولايات المتحدة من جهود التوصل لوقف إطلاق النار والعقبات التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما ويشكك المسؤولون الأمريكيون في رغبة السنوار نفسه في إنهاء القتال. وتعلق الصحيفة أن نهج السنوار الحذر أدى إلى بطء في التفاوض لإنهاء الحرب.
وفي لحظات مهمة من المفاوضات لم يكن من الممكن الوصول إلى السنوار. لكنه كان في بعض الأحيان يرسل الرسائل في الوقت المطلوب.
وسواء كان التأخر في الرد جزءا من تكتيك تفاوضي أو أنه انعكاس لطريقته المتشددة في التفاوض، فهو أمر غير واضح. وكان السنوار يرد سريعا عند الحاجة، وكتب رسالة إلى هنية في نيسان/أبريل يعزيه بمقتل ثلاثة من أبنائه: “نتقدم لكم ولأسرتكم الموقرة بخالص تعازينا والرحمات على تضحياتكم المقدسة”، وقد وصلت هذه الرسالة بحسب مسؤولين عرب إلى هنية عبر مراسيل بعد ساعات فقط من مقتل أبنائه.
وفي حزيران/يونيو، سافر مسؤولون أمريكيون بارزون، بمن فيهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، إلى الشرق الأوسط لدفع إسرائيل وحماس للتوقيع على صفقة وقف إطلاق النار. وأجرى بيرنز محادثات مع رئيس الوزراء القطري ورئيس المخابرات المصرية في الدوحة، اللذين التقيا بعد ذلك مع هنية لدفع حماس لإبرام صفقة. وخلال ذلك الاجتماع، نقل السنوار رسائل في الوقت الحقيقي، ورفضت حماس الموافقة على وقف القتال ما لم تتعهد إسرائيل كتابيا بوقف إطلاق النار الدائم، وفقا لوسطاء عرب. وليس من الواضح كيف كان السنوار ينقل أوامره.
واكتشفت إسرائيل ومنذ عقد تقريبا أن حماس ركبت شبكة اتصالات هاتفية أرضية في شبكة أنفاقها. وكانت عملية الكوماندوز الإسرائيلية الفاشلة في عام 2018 والتي أشعلت شرارة تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لبضعة أيام محاولة من جانب الجيش الإسرائيلي للتنصت على شبكة هواتف حماس، وذلك حسب بيان عام صدر لاحقا عن حماس، مع أن الجيش الإسرائيلي رفض التعليق على العملية. وفي النهاية تنتظر إسرائيل من السنوار ارتكاب خطأ كي تصل إليه.