لندن-”القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا تحدثت فيه عن معارضة المؤسسة البيروقراطية لخطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الإصلاحية ومنها تسجيل شركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو) في السوق المالي وطرح جزء من أسهمها للبيع والذي تم التخلي عنه لاحقا.
وتحدثت الصحيفة عن لقاء وزير الطاقة السعودي مع ولي العهد في نهاية عام 2016، وكان الغرض منه تثبيط ابن الملك عن عدم المضي في الاكتتاب العام لأهم رصيد ثمين في المملكة. ولكنه لم يفلح حيث طلب الأمير محمد من خالد الفالح أن يقوم بوضع “الشركة السعودية العربية للنفط” للاكتتاب العام في أقرب وقت ممكن، وذلك نقلا عن أشخاص على معرفة بالتفاصيل. ولم تكن هذه هي نهاية معارضة الفالح لطرح أسهم في أرامكو حيث انتصرت في مجالات أخرى وهي البيروقراطية الضخمة العاملة في مجال الطاقة والتي قامت بإبطاء العملية وناقشت أن الاكتتاب العام سيكلف المستهلكين مليارات الدولارات نظرا لارتفاع أسعار البنزين، وسيعرض الحكومة لمخاطر قانونية ممكنة ويفتحها أمام التدقيق العام. وفي تشرين الأول (أكتوبر) وافق ولي العهد لتأجيل الاكتتاب إلى عام 2021. وتقول الصحيفة إن التكنوقراط السعوديين مصممون على منع حدوثه.
السياسات الجديدة لزيادة الموارد من القطاعات غير النفطية أسهمت في حالة الركود التي شهدها عام 2017 وقللت من نفقات المستهلكين واستثمارات القطاع الخاص. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر لأدنى مستويات في 14 عاما عام 2017 وهو العام الذي أعلن فيه الأمير عن “رؤية 2030.
وكانت خطة طرح أسهم من الشركة تهدف إلى توفير المال الكافي لدعم خطط تحديث اقتصاد السعودية وتنويعه بعيدا عن النفط. فمردود 100 مليار دولار من البيع كان سيستخدم في دعم الصناعات وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين. ولكن ولي العهد يواجه ما يقوله المدراء التنفيذيون السعوديون “مقاومة سلبية” من داخل حكومته. وبالإضافة لخطط أرامكو أبطأ المسؤولون خطة ضخمة لبناء أكبر مركز توليد للطاقة الشمسية في العالم وأجلوا خططا لبيع أرصدة وطنية ومنعوا الدولة من الاستثمار الواسع في شركات التكنولوجيا. ويرى الاقتصاديون أن السياسات الجديدة لزيادة الموارد من القطاعات غير النفطية أسهمت في حالة الركود التي شهدها عام 2017 وقللت من نفقات المستهلكين واستثمارات القطاع الخاص. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر لأدنى مستويات في 14 عاما عام 2017 وهو العام الذي أعلن فيه الأمير عن خطته “رؤية 2030” قبل أن يتعافى قليلا العام الماضي، إلا أن مقتل الصحافي جمال خاشقجي العام الماضي عقد من جهود المملكة لجذب الرأسمال الأجنبي. وبحسب مسؤول سعودي عبر المكتب الإعلامي للحكومة أشار فيه للنقاشات القوية التي تجري بين القيادة والوزراء والمستشارين لمواجهة التحركات المهمة في عملية التغيير. ورفضت شركة أرامكو التعليق وكذا وزارة الطاقة.
في ظل الحكام السابقين ظلت شركة أرامكو ولعقود تتخذ القرارات بنوع من الاستقلالية و عاد الساسة للسيطرة عليها من جديد .
وظلت شركة أرامكو تتمتع وفي ظل الحكام السابقين بنوع من الاستقلالية. وبحسب مؤلفة كتاب “سعودي إنك” إلين وولد حيث قالت “ترك السعوديون ولعقود الشركة لكي تتخذ القرارات” و “عاد الساسة للسيطرة عليها من جديد “.
وفي لقاء خاص مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي العام الماضي، أخبرها أنه لا يتوقع تحقيق كل ما يريد عمله. وتذكر شخص ما قاله الأمير أنه لو استطاع تحقيق 50 أمرا من 100 فسيكون أنجز أكثر مما كان سينجزه. وتشير الصحيفة إلى ازدراء محمد بن سلمان للبيروقراطية والذي قاده لتجاوز عملية صناعة القرار التقليدية. وقاد حملة تغيير اجتماعي شملت على الحد من سلطة رجال الدين وقيادة المرأة للسيارة والاختلاط بين الجنسين والترفيه وحفلات غنائية لنجوم مثل ماريا كيري. وقال إنه يتطلع لبناء بلاده لتصبح كوزموبوليتية مثل دبي مع الحفاظ على شخصيتها الإسلامية.
وكشفت مقابلات الصحيفة مع عدد من المسؤولين السعوديين السابقين والحاليين ومدراء الشركات والمستشارين ملاحظتهم أن طموحات الأمير الاقتصادية مفرطة وعادة ما تصطدم الرؤية الاقتصادية بالواقع. فقد شن حربا باهظة الثمن في اليمن وسجن رجال الأعمال وقطع العلاقات التجارية مع دولة حليفة مثل كندا. وتورط مساعدين له في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول. وأكدت السلطات السعودية عدم معرفة ولي العهد بالجريمة رغم مواقف الكونغرس والمخابرات الأمريكية. وقدمت 11 شخصا من 21 اعتقلتهم للمحاكمة. وتضيف الصحيفة أن المعارضة العلنية لمحمد بن سلمان مستحيلة، فالمعارضة الواضحة أدت بأصحابها للسجن والاختفاء، وتمتلئ السجون بالصحافيين وناشطي حقوق الإنسان والمفكرين والمطالبات بحقوق المرأة.
ومع ذلك فقد واجه الأمير مقاومة من البيروقراطيين في عدد من الخطط التي أراد تنفيذها. ففي لقاء عقد عام 2017 في واحد من قصور الأمير نصح وزير المالية محمد الجدعان بعدم استخدام هيئة الاستثمار العامة، اي الصندوق السيادي، لمضاعفة استثمارات السعودية في شركة “أوبر” بعد استقالة مديرها ترافيس كلانيك.
وأخبر الجدعان الأمير ان هيئة الاستثمار لديها 160 مليار دولار كأموال غير سائلة وزيادة استثمار المملكة في شركة مثل أوبر إلى 7 مليار هو مبلغ كبير في شركة تكنولوجيا. واشترى البنك الياباني “سوفت بانك” نسبة 15% من أوبر عام 2018. واستثمرت السعودية في البنك 45 مليار دولار.
وتضيف الصحيفة أن المسؤولين السعوديين بمن فيهم وزير الاقتصاد محمد التويجري أبطأوا عمليات الخصخصة لأرصدة الدولة قائلين إن الظروف ليست مثالية لبيع المستشفيات والمطارات وصوامع الغلال التي تملكها الحكومة. وتقول الصحيفة إن الفالح الذي تعلم في الولايات المتحدة وانضم إلى أرامكو عام 1979 أي قبل تأميمها وإن دعم سياسات الاكتتاب ومشروع الطاقة الشمسية إلا أنه وفريقه حاولوا إبطاء العملية. وتعود أرامكو إلى سنوات الثلاثينات من القرن الماضي ولعبت دورا في تحديث السعودية وتملك أكبر احتياط معروف للنفط في العالم، 268.5 مليار برميل بنهاية عام 2017. وبدأ الأمير محمد يفكر في طرح أسهم الشركة بعد انهيار أسعار النفط وجعل المملكة تستخدم رصيدها المالي لتجاوز الأزمة. وفي عام 2016 حيث كان سعر برميل النفط في أدنى مستوياته منذ 12 عاما قال إنه يفكر بموضوع الاكتتاب وقدر قيمة أرامكو بتريلوني دولار أي أعلى من قيمة أمازون وشركة أبل. وشكل المسؤولون ثلاث فرق لدراسة المشروع وهي أكس واي وزيد حيث درس الفريق الأول طرح الشركة بالكامل أما الثاني فركز على طرح المصفاة وعمليات أخرى والثالث على شراء شركات البتروكيماويات. واقترح آخرون بيع وحدات من الشركة مثل اسطولها الجوي أو طرحه للاكتتاب العام. لكن الأمير فاجأ المسؤولين في الشركة عندما قال إنه سيطرح 5% من أسهم الشركة بقيمة 100 مليار دولار بناء على تقييم ثمنها بتريليوني دولار. ولكن المدراء وجدوا صعوبة في تقديم تثمين للشركة حيث اقترح بعضهم 1.5 تريليون وآخرون تريليون. وشعر مدراء الشركة بالقلق لو تم اكتتاب الشركة في الاسواق المالية بهونغ كونغ أو لندن أو نيويورك بأنها ستفتح حساباتها وتعرض نفسها لقضايا قانونية من المساهمين. كما خاف البعض من تأثر أسعار الأسهم بتحركات الأمير الجيوسياسية.
وظل المدراء يتساءلون عن جدوى اكتتاب الشركة حتى بعد إقناع الفالح ولي العهد بتأجيل المشروع. وقد عارض وزير الطاقة طرح الشركة في سوق نيويورك المالي. وناقش الفالح أن الشركة السعودية الأهم ستكون عرضة للدعاوي القضائية من المساهمين وتحركات قانونية ممكنة من مكتب المدعي العام في نيويورك والذي قدم شركات أجنبية بسبب كشفها عن التغيرات المناخية. وفضل الفالح طرح الشركة في سوق لندن المالي الذي قدم تنازلات للسعودية في عملية الاكتتاب. وحاول بعض المسؤولين الحكوميين وفي أرامكو البحث عن بدائل لتمويل هيئة الإستثمارالعام. ووزع بعض المسؤولين تقريرا من خمس صفحات “الخسائر المتوقعة للخزينة الحكومية بسبب طرح أرامكو” وافترض التقرير أن تثمين الشركة هو ما بين 666 مليون دولار و1.2 تريليون دولار. وللحصول على تريلوني دولار فيجيب على أرامكو بيع البنزين ومنتجات البترول الأخرى بناء على أسعار السوق السعودي، وهو ما سيكلف المستهلكين السعوديين 98.3 مليار دولار سنويا. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017 التقى محمد بن سلمان مع رئيس هيئة الاستثمار العامة مع ياسر الرميان ناقش معه فكرة أخرى وهي تمويل هيئة الاستثمار العامة من شراء 70% من أسهم شركة البتروكيماويات (سابك). ويمكن للصفقة أن تقدم للصندوق السيادي بـ 70 مليار دولار. وتقوم شركة أرامكو وهيئة الاستثمار بالتفاوض لتوقيع صفقة.