لندن-“القدس العربي”:
تواجه دبي ما يصفه المحللون الاقتصاديون مشكلة ركود في موظفي المكاتب (أصحاب الياقات البيض) والذين ساعدوا في صعود هذه الإمارة الاقتصادي لتتحول إلى نموذج يريد الجميع في العالم العربي تقليده. وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن دبي أعلنت عن أكبر خسائرها في الوظائف هذا العام وهي الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان، خاصة في المراكز الوظيفية ذات الرواتب العالية. وهي التي أسهمت في تحول دبي إلى مدينة ناطحات السحاب اللامعة ويسكنها 3 ملايين شخص وفي عقود قليلة. وهذا التحول يعكس الضغط الذي تواجهه دبي في أعمدة اقتصادها، العقارات والخدمات المالية والسياحة ومينائها الضخم. ويهدد التحول بقاء مدينة دبي التي نظر إليها كمكان قادر على استيعاب المصرفيين الماليين والمحامين ورجال الأعمال للعيش فيها وإدارة أعمالهم. ويرى الاقتصاديون أن هناك عدة عوامل لعبت في تراجع دبي: تواجه المدينة منافسة متزايدة من الرياض التي باتت تسمح وبشكل تدريجي لحرية على الطريقة الغربية ومن الدوحة، عاصمة قطر والتي قامت بمحاولات جديدة لجذب المستثمرين بعد فرض جيرانها الحصار العام الماضي. بالإضافة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران والتوتر المتزايد بين السعودية من جهة وقطر وإيران من جهة أخرى. ونقلت الصحيفة عن جيم كرين، الزميل في معهد بيكر بجامعة رايس “قام نموذج دبي على التسامح والحيادية السياسية” و “لسوء الحظ لم يعد هذان العاملين موجودين الآن”. ولم ترد الحكومة في دبي على طلب الصحيفة للمقابلة ولكنها قامت في الآونة الأخيرة باتخاذ تدابير تهدف إلى جذب العمال الأجانب من أصحاب الرواتب العالية وتخفيف الشروط على التأشيرات والسماح بالتقاعد في دبي وتخفيف الشروط المفروضة على تملك الأجانب وتناول الكحول للأجانب في شهر رمضان. ومعظم العاملين في دبي هم من أصحاب الرواتب المتدنية الوافدين من جنوب شرق-آسيا الذين جاءوا للعمل في المشاريع العمرانية التي تقوم بها الحكومة تحضيرا لمعرض “إكسبو 2020” والذي يستمر مدة ستة أشهر وتعرض فيه المنتجات والإبداعات. ففي العام الماضي حصلت الإمارات العربية المتحدة على 63.000 وظيفة في مجال الإنشاءات وخسرت بالمقابل 20.000 وظيفة في قطاع المكاتب أو أصحاب الياقات البيضاء مثل الخدمات والاتصالات. وذلك حسب أرقام البنك المركزي الإماراتي. ومعظم هذه الوظائف في دبي. ومن بين الموظفين الذين تم الاستغناء عن خدماتهم في الأشهر 12 الماضية كانوا من شركة الطيران المملوكة من الحكومة، ومجموعة السندات أبراج ودويتش بانك وشركة أو أس أن، للقنوات التلفزيونية المدفوعة الثمن وشركة العلاقات العامة إدلمان وعدد من المصارف المحلية. فيما تقوم الشركات والمؤسسات الحكومية الأخرى باستبدال الموظفين الأجانب بموظفين إماراتيين ضمن سياسة “الأمرتة” والتي تهدف لتوفير فرص العمل للمواطنين الإماراتيين. وقال جين بول – بيغات رئيس البحث في لايت هاوس للأبحاث ” هذا ركود في مجال أصحاب الياقات البيض” مضيفا أن الاقتصاد في توسع مستمر “ولكن العاملين في مجال الخدمات يشعرون أن المناخ بات ضعيفا”. ويرى أصحاب المصالح التجارية أن دبي تعاني من الآثار السيئة لعلامتها المميزة: الإفراط، فقد بنت دبي عمارات سكنية عالية ومراكز تسوق ومطاعم أكثر من الطلب. ففي دبي يجب أن يكون كل شيء الأطول والأكثر لمعانا. ولا أحد يتوقع أن دبي في الطريق لأزمة جديدة مماثلة لأزمة عام 2009 حيث ساعدتها أبو ظبي بحزمة مساعدات بقيمة 20 مليار دولار فالتوقعات هي نمو اقتصادي صحي بنسبة 3.3% هذا العام. وتتطلع السعودية أكبر اقتصاديات المنطقة لدبي كنموذج يحتذى في النمو الاقتصادي. ومدح ولي العهد السعودي الإمارة في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في تشرين الأول (أكتوبر). ولكن هناك إشارات عن مشاكل على المدى الطويل للاقتصاديات التي لا تعتمد على النفط والتي خلقت أهم مدينة كوزموبوليتية في الشرق الأوسط. فالسوق المالي في دبي هو الأسوأ أداء في المنطقة كما أغلقت عدة مطاعم كبرى بسبب البطء في السياحة. وأصدر ميناء دبي أرقاما عن بطء في الأداء. والغي مهرجان دبي السينمائي لهذا العام وسيصبح مرة كل عامين. وتم دمج دورته الرئيسية بمهرجان أبو ظبي. كما أن الاشتراكات في شركة الاتصالات الرئيسية دو في أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام. وفي بلد يفتخر بأن لديه المباني الشاهقة وأعلى بناية في العالم، برج خليفة فقد انخفضت أسعار العقارات إلى 15% منذ عام 2015 حسب أرقام البنك المركزي. وفي التسعة أشهر الأولى من هذا العام انخفض معدلات مبيعات العقارات بنسبة الخمس مقارنة مع العام الماضي. ويقول حسين سجواني مؤسس داماك للعقارات أن سوق العقارات بحاجة لسنوات كي يتعافى. ويقول كرين إن مدير مؤسسة عقارية أخبره ان المدينة تبني بسرعة لأن هناك طلب ولا حاجة للانتظار “كانت نخبة دبي تعرف أن لحظة المدينة تحت الشمس ستخبو” و “في نظرة للوراء فقد كانوا محقين”.