كيف نتعرض لمجال إبداعي أو «الممثل» فيه، دون أدنى دراية عن كيفيات تفكيره أو تأصيل ذلك التفكير، أي عدم مواجهتنا للنص باعتبار الكتابة جسر الوصول إلى فهم ظاهرة «الممثل» على مسرح الإبداع؟
الرّوائي بين الأضواء وإنتاج الرّؤيا
دون مفصل فهم «الممثل» الإبداعي لا يمكن أن نتعاطى مع ظاهرته من منطلق عقلاني هادئ، وهو ما يفرض على الروائي ياسمينة خضرة، أو غيره، أن يكون في مستوى النص الذي ينتجه لا مأخوذا بـ»الحضور الابتهاجي» في قاعة العرض الفانتازي المدجّج بوهج «الجمهور» أو الحِواري المفعم بالأنا أمام الميكرفون المتسائل، فكل كلمة في هامش «الحضور الجماهيري» أو «الأنا الحواري» محسوبة عليه لأنّها تُعرض بالضّرورة على التلقي في علاقة الرّوائي بنصّه، باعتباره منتج رؤيا وفاعلا في مسار التخييل.
باعتبار ياسمينة خضرة «نموذجا» للعالمية، إذا اعتبرنا القارئ المتعدّد في اللغة والعدد معيارا لإثبات العالمية، يستمر الأثر في الكلمة المصاحبة للنص أو الموازية له باعتبارها مناصا خارجيا، فاعلة في المتابعة لظاهرة «الممثل» الإبداعي/الثقافي، لا باعتباره «محسودا» لكن لأنّه بؤرة القراءة الأولى السّابقة لإنتاجية النص، فكل نص يؤسّس لحالة «الوضع تحت المجهر» ومن هنا تتأسّس الذّات الإبداعية «الثقافية» ككينونة منتجة للرّؤيا، بعيدة عن حركة الإشارة إلى الذّات وفق تقديم «الأنا» كحضور متفرّد في العالم، في تلك اللحظة سوف تعزل الذّات أناها عن سلسلة الإنتاجية المستمرّة عبر تاريخ أول نص إلى ما لا نهاية من الإنتاجية في سطر الوجود الإنساني.
نسق الجمالي والأيديولوجي
نختلف في قراءة ياسمينة أو نتّفق، إلا إنّ إنتاجيته لا يمكن أن تخلو من تخييل يدركه القارئ بمعايير ذات خصوصية ياسمينية، بالنّسبة لي فإنّ الثقل الفنّي والتّقني في روايتيه ce que le jour doit à la nuit «ما يدين به النّهار لليل» و les anges meurent de nos blessures «الملائكة تموت من جراحنا» يتمثل في اشتغاله على التّاريخ والمكان والشّخصية، والجملة السّردية في العملين مشحونة بطاقة إبداعية تجعل النص سيناريو جاهزا لكي تتقمص شخصية «الممثل» دورها على الشّاشة، وهو ما حصل مع العمل الأول، لكن على المستوى النّقدي في تفكيك الحمولة الأيديولوجية للعنوان، فإنّ المضمون الفكري الذي يتشكل عليه المخيال الوطني أنّ الليل استعماري، «ليل الاستعمار» لعباس فرحات، والنّهار إتاحة لبرهة الانفكاك من ظلام المستعمر، «يا نشء أنت رجاؤنا / وبك الصباح قد اقترب» عبد الحميد بن باديس، فكيف يدين النهار لليل؟ وعناوين ياسمينة كلها إشكالية من هذا الجانب، فهي مشحونة بوعي مختلف مؤطر بتمركز آخري: les agneaux du seigneur «خراف الرب».
ينتمي ياسمينة مولدا إلى جنوبي/جنوب الوطن، إلى مدينة كوزمبوليتانية، القنادسة، تأثرت بالتنوّع الإثني والحركة العمالية باعتبارها مركزا منجميا، أنتجت العديد من العلماء والأدباء والمفكرين، يمكن أن نذكر منهم مليكة مقدم، بيير رابحي صاحب فلسفةla part du colibris والتقشف السعيدla sobriété heureuse. يتساءل بعض القرّاء عن هذه المدينة في أعمال ياسمينة؟ وندرة زياراته إلى فضاءات الميلاد والنّشأة، وإن حدثت تمر في سرية تامّة. استعادة المكان هو فضاء العالمية التي تبدأ من محلية خالصة لتساهم في الميراث الإنساني الذي يحتاج إلى ملء فجواته الوجودية بالنّاقص المبثوث في كينونة وجودية أخرى مغايرة.
الإبداع بين اللغة الهوية واللغة التعبير
يبقى عنصر اللغة العامل الأشد خطورة في مستويات الهوية، لأنّ اللغة ليست فقط أداة التواصل، إنّها أيضا حاملة أفكار وحاضنة وعي ووعاء ثقافي وتاريخي مرجعي. فالفرنسية كأداة للتعبير لا شك في أنها تختزن المحمول التاريخي للفضاء الفرنسي الغربي، وبالتّالي، تحمل في طيّاتها ذلك التّاريخ، إن لم يستطع الموظِّف «الغيري» لها تخليصها في وعيه من محمولاتها الثقافية والتاريخية، وهنا يبرز الشرخ الوجودي والجرح النرجسي في شخصية الكاتب الفرنكفوني، فعلا نستطيع أن نقول بأنّ مالك بن نبي تجاوز ذلك العائق بتفكيكيه للظاهرة الاستعمارية وخوضه في التأسيس الحضاري الجديد من خلال بنية التخلف في كيان المجتمع الإسلامي، فتحوّلت الفرنسية لديه من وعاء ثقافي تاريخي مرجعي لهوية ذات خصوصية إلى أداة للتعبير عن علاقة فكرية. ومالك حدّاد أدرك هذا الجرح الانشطاري في وجدانه التخييلي، فتخلى عن لغة الآخر التي يتقنها انتصارا لذاته في هويته. وهذا لا يظهر عند ياسمينة لأنّه لا يملّ من تكرار أنّ مدرّس اللغة العربية كان محبِطا عائقا لتفجر إبداعيته، وكان يهينه، بينما مدرّس الفرنسية كان العامل المساعد، وهذا ما لا يمكن استساغته وهضمه بسهولة من طرف المتلقي، لأنّ صيرورة الإبداع نضالية، متراكمة في التجربة، ومتفجّرة في التحدي، لأنّ الرّوائي واسيني الأعرج مفرنس التكوين لكنّه معرّب الهوى، وبوجدرة الكاتب الفرنكوفوني، نتفق أو نختلف معه، فهو ذو عمق رؤيوي وفكري في كتاباته باللغة الفرنسية، لكنّه لمّا انفتح على اللغة العربية أذهله التراث العربي وأصابته صحوة زكي نجيب محمود حينما اكتشف التراث الفكري العربي، فشعر بأنّه أضاع وقتا في المذهب الوضعي.
العالمية وإشكالية الترجمة
إنّ موضوع العالمية، يشكل اهتماما بالغا في واقع الكاتب وفي واقع القارئ، لأنّ الأول يطمح إليها والثاني له الحق في التّصنيف وفق ما تكرّس في وعيه كمعيار للفصل فيها، وياسمينة خضرة عالمي، إذا كانت العالمية تعني تعدّد القارئ المحصور في العدد، ومن هذه النّاحية تصبح الترجمة فعلُ نقلِ المحتوى إلى لغة أخرى، ويصبح مجرّد الاطلاع هو أساس الاعتداد بالكتابة، وموضوعات الإرهاب والتّاريخ الوطني في شقّه الفنتازي الذي تقدّمه الرّوايتان: «ماذا يدين به النهار لليل» و»الملائكة تموت من جراحنا» وسلطة الغالب في «أجراس كابول» و»الليلة الأخيرة للرئيس» هو المتخيّل المشترك لدى الغربي الذي يبحث عنه في سحر الشرق.
المستوى الآخر في الترجمة هو ما تنتقل به الترجمة من محلية في الواقع الأصيل للكاتب والمعيش إلى اللغة المستهدفة، فنحن جزء من الحياة قبل أن تسافر بنا الحياة إلى الكتابة، بتعبير ريكور، وإشكالية اللغة لدى الفرنكفوني هي الجرح العميق في الذّات المغتربة، إذ الإحساس الإبداعي خارج اللغة الأم ينطوي على هاجس الأنا المتشكلة في وعي مختلف، وهو ما تترجمه الفكرة في مقولة مالك حداد «المنفي في اللغة»: «لم أجد في لغة أخرى معنى «أمّا» كما هو في اللغة العربية» وهنا مكمن العالمية في نقل الوعي والواقع والحضارة من مستوى وجودي إلى مستوى وجودي آخر تغيب فيه معطيات إنسانية وجمالية وذاتية، تماما كما فعلت الحارة المصرية في أعمال نجيب محفوظ، وهي تنتقل من مستوى المحلية الخاص إلى مستوى العالمية العام، والعامل الحاسم يكمن في اللغة، حيث نقل محفوظ إحساسه خالصا، كما رضعه من بيئته بمفردات لغته القريبة من وجدانه ومخياله، فرنندو آرابال المسرحي والرّوائي كان يكتب باللغة الإسبانية، رغم أنه كان منفيا في فرنسا.
بين سفرين/ إلى اللغة وفي اللغة
تتمثل إشكالية ياسمينة خضرة وآخرين في الاشتغال على «اللغة ـ المنفى» التي أقضّت مضجع مالك حدّاد فتوقف عن الكتابة، لأنّها مأساة وجودية أن ينفصل الشّخص عن رحم الأم انفصالا أنطولوجيا، وعند هذا المستوى يتشكل مستويين للتعاطي مع مفهوم «اللغة ـ المنفى»: «السفر إلى اللغة» و»السفر في اللغة» والذات التي لا تشعرها في حرج وجودي وهي تمتلك زمام لغة غير لغتها الأم (بعيدا عن مفهوم التعدد اللغوي) معتمدة إيّاها كمعيار لرؤية العالم والواقع، هي ذات تنطلق من ارتجاج شخصاني يتعلق بالتّوازن الوجودي/ الوجداني، إذ لا استقرار وجداني خارج ما تتقنه الذّات من التّعبير عن ذاتها بلغتها، وإن حدث يجب أن تتمثل اللغة الأجنبية كعامل للتّعبير أوّلا، مالك حدّاد في رواية «الانطباع الأخير» عبّر بالعديد من الكلمات العربية والعامّية في المتن اللغوي الفرنسي كـ»محال وأبدا وحمّال وكلمات عامية كـ»خنزة» وهي المرأة القذرة» وهو ما يعني تصوّر الذّات في محلّيتها وفي ذاتها، وهو مستوى «السّفر في اللغة» أي استعمال اللغة الأجنبية باعتبارها لغة تعبير بحيث يصبح توظيفها يمر عبر المخيال الأصالي للذّات المغتربة في اللغة، وهو ما يختلف عن «السّفر إلى اللغة (الأجنبية)» باعتبارها اللغة المرجع بمحمولاتها المتعدّدة.
كاتب من الجزائر
يسمينة خضرة هذا اعطوه أكثر مما يستحق
لو كان له أدب و رواية مؤثرة فعلا في المجتمع
لسمع به القاصي و الداني فلماذانردد اسماء
محمد ذيب اسيا جبار مولود فرعون رضا حوحو
كاتب ياسين و غيرهم و نجهل هذا النكرة . على
كل سيبقى كذلك حتى يطويه النسيان
الحديث عن الكتابة متنفسا للكاتب الذي يبدع جواهر ومكونات تغني المتلقي ، المتذوق لهذه الأشكال الابداعية وقد قدم الكاتب عبد الحفيظ بن جلولي مقالا عن ام السهول ( ياسمينة خضراء ) لكن لم يسبر أغوار الذات والكيان لهذا الكاتب لهذا نرجو من الكاتب عبد الحفيظ مواصلة الكتابة عن هذه الشخصية واكتشاف سر الكتابة عند ياسمينة خضراء.