الرباط -«القدس العربي»: انتقد يساريان مغربيان تصريحا لعزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، اعتبر فيه أنه غير معني بما يقوله نواب المعارضة، وقالا إنه “يبعث على الاستغراب والمساءلة”، و”يضرب مبدأ الديمقراطية التشاركية”. كما استنكر حزب “العدالة والتنمية” هذا التصريح الذي وصفه بـ”الفظيع”، داعيا رئيس الحكومة للاعتذار الفوري عنه، باعتباره “إهانة للبرلمان بأجمعه ولعموم المواطنين”.
وفي تعليق أدلى به لـ”القدس العربي”، قال يوسف بوستة، عن حزب “فدرالية اليسار الديمقراطي”، إن “هذا تصريح أجوف يفتقر إلى أبسط قواعد العمل المؤسساتي بعلاته، ويضرب مبدأ الديمقراطية التشاركية، ويصادر حق المعارضة بغض النظر عن طبيعتها”.
ووصف عبد الحكيم قرمان، المنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، تصريح أخنوش بـ “سقطة” متسائلا: هل هي “زلة لسان أم ازدراء للجلسة الشهرية للبرلمان”.
جملة شاردة
“نحن لا يهمنا ما تقولونه أنتم، ما يهمنا هو ما يقوله المواطنون لأنهم هم من انتخبونا وهم الذين أتوا بنا لهذه المسؤولية”، هذه الجملة التي لم تجد لها مكانا من الإعراب في قواعد لغة أحزاب المعارضة، ما زالت ترن ويتردد صداها في الصالونات الخاصة والعامة، وما زال بعض السياسيين لم يستسيغوا أن يقول رئيس الحكومة مثل هذا الكلام وتحت قبة البرلمان، موجها خطابه للبرلمانيين بعدما انتقدوا تدبير الحكومة لملف الاستثمار والشغل.
نار المعارضة ما فتئت تتأجج، واعتبرت كلام عزيز أخنوش زيتا صب على جذوتها، فزادها اشتعالا، فيما قال البعض إن “رئيس الحكومة لا يعير انتباها أو اهتماما للبرلمانيين”، وفي ذلك كانت تفسيرات شتى وتأويلات عديدة من قبيل “عدم احترام البرلمان والنواب”، كما ورد في شكايات كثيرة لأحزاب المعارضة تعيب على وزراء الحكومة عدم التواصل وتعمد الغياب عن جلسات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي).
وفي حديثه لـ “القدس العربي”، أبرز السياسي اليساري يوسف بوستة، أن افتخار رئيس الحكومة أخنوش “بكونه (يعطي اهتماما لمن انتخبوهم من المواطنين)، فقد نسي أنه يمثل مؤسسة دستورية كسلطة تنفيذية مفترض فيها رعاية مصالح المواطنين المغاربة قاطبة وليس جزءا منه ومن زبانيته”.
واعتبر المناضل في الحزب المعارض، أن “هذا التصريح هو خرق سافر للدستور وللحق والقانون، وفي الوقت نفسه تأكيد وإعلان صريح بالمضي قدما في رعاية مصالح أصحاب رؤوس الأموال وكبار الأغنياء ليزدادوا غنى على حساب أغلبية الشعب التي تزداد فقرا وبؤسا”، حسب تعبيره.
ووفق بوستة، فإن ما يهم رئيس الحكومة “فقط هم مجموعة من الذين يقتات من أصواتهم، بمن فيهم المقهورون، بكل الطرق والجمع بين المال والسلطة وتوسيع دائرة الفساد والاستبداد!”.
ووصف عبد الحكيم قرمان، المنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، تصريح أخنوش بـ “سقطة” متسائلا: هل هي “زلة لسان أم ازدراء للجلسة الشهرية للبرلمان؟”.
وأضاف متحدثا لـ “القدس العربي” قوله: “لا شك في أن الرد غير المحسوب لرئيس الحكومة عزيز أخنوش في إطار تفاعلات، خلال مداولات الجلسة الشهرية، مع الآراء والمواقف المعبر عنها من لدن بعض مكونات الأغلبية البرلمانية، عندما صرح بأنه (لا يهتم بما يقوله منتخبو هذه الفرق والمجموعات البرلمانية)، وأن ما (يهمه) هو (ما يقوله المواطنون)، يشكل سابقة تبعث على الاستغراب والتساؤل والمساءلة”.
وحسب السياسي اليساري، “فكون إفادة رئيس الحكومة بأنه لا يعير الاهتمام لانتقادات ومواقف وأفكار البرلمانيين الذين ينتسبون إلى بعض أحزاب المعارضة تثير الاستغراب لكونها خارج النص الدستوري تماما، فمن حيث أنه يدري أو لا يدري، وضع نفسه في تناقض صريح مع مقتضيات الفصل العاشر من الدستور الذي يمنح المعارضة البرلمانية مكانتها المعتبرة ويحدد وظيفتها التشريعية والرقابية، باعتبارها تعبيرا صريحا عن وجود الرأي والرأي المخالف، ويتيح لها القيام بمهام المعارضة من داخل المؤسسة البرلمانية عبر الوسائل القانونية التي تمكنها من التعبير عن رأيها”.
ومن جهة ثانية، يضيف قرمان: “كون وظيفة المعارضة البرلمانية للحكومة في الأنظمة الديمقراطية تعدّ جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي كله؛ فالحزب السياسي المعارض يتعين عليه أن يتوجه بسهام النقد للسلطة التنفيذية التي يقودها الحزب (التحالف الحزبي) المتصدر نتائج الاستحقاقات الانتخابية– فإن الممارسة التدبيرية الحكومية لا تستقيم ولا تحظى بالشرعية المؤسساتية المطلوبة دون الإقرار بوجود ثنائية الأغلبية والمعارضة في النظام الدستوري القائم على مبدأ الديمقراطية التمثيلية”.
واستشهد قرمان بالفصل 10 من الدستور المغربي الذي جدد جملة من الحقوق والأدوار المكفولة للمعارضة البرلمانية بقصد تمكينها من المشاركة الفعلية والفعالة في الحياة السياسية والنيابية، موضحا أن “من بين أهم الحقوق التي منحها المؤسس الدستوري للمعارضة البرلمانية، الحق في المشاركة الفعلية في التشريع، الرقابة على عمل الحكومة، والحق في التعبير وإبداء الرأي، والتمثيل في أجهزة غرفتي البرلمان وإخطار المحكمة الدستورية حول دستورية القوانين”.
من جهة ثالثة، يوضح المتحدث، “فإن غرابة التصريح (السقطة) لرئيس الحكومة تتجلى في كونه ومن يشير عليه (يجهلون أو يتجاهلون) أن مخاطبة الحكومة للنواب البرلمانيين في المعارضة قائمة، بالقناعة بالأساس، على كون الحكومة تخاطب ممثلي الشعب (المواطنين)، وإمعان رئيس الحكومة في تدقيق وتوضيح (زلته) بالقول إن (ما يهمه هو رأي المواطنين) معناه أنه يعتبر المواطنين الممثلين من طرف نواب الأغلبية ليس لهم أهمية ولا تكترث حكومة أخنوش لهم ولما يعبرون عنه من أفكار وتطلعات ومقترحات عبر أصوات ممثليهم في المعارضة البرلمانية”.
وبالنسبة لقرمان، فإن “هذا أمر جلل وخطب سياسي غير مسبوق في الحياة البرلمانية ببلادنا، وينبغي لكل مكونات الحقل السياسي والدستوري والحقوقي الوقوف عنده بكل وعي وتمحيص ومسؤولية وطنية خالصة، بل ويستوجب مساءلة رئيس الحكومة عن خلفيات ودوافع ومستنتجات هذا (التصريح) المسيء لمؤسسة الحكومة وللموقع الدستوري والسياسي والأخلاقي لرئيسها عزيز أخنوش”.
ومن جهة رابعة، يقول المنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب “البديل الاجتماعي الديمقراطي”، إنه “أمام هذه (الواقعة) الغريبة على الثقافة والممارسة السياسية ببلادنا، والتي لم يسبق لأي مسؤول على رأس مختلف الحكومات المتعاقبة على قيادة دفة الجهاز التنفيذي بالمغرب أن ساقه الغرور المشبع بالسلطوية والوثوقية السياسية أن اعتبر وجود جزء من نواب الأمة (منتخبو المعارضة) داخل المؤسسة التشريعية للدولة أمرا لا يهم الحكومة ولا يلتفت إليه”.
وفي هذا السياق، يوضح قرمان: “نتابع في الهيئة التأسيسية لحزب (البديل الاجتماعي الديمقراطي)، بكثير من القلق والتساؤل حول ما آلت إليه أحوال السياسة من وأد وتأزم وانحدار، وما انكشف وأعلن وانجلى للعيان من ممارسات مشينة وشعبوية وما انبلج في الساحة الحزبية من انحطاط للفكر والخطاب لدى قسط من الفاعلين الحزبيين والمسؤولين الحكوميين وصناع الرأي والقرار”.
ودعا الحزب على لسان المنسق الوطني لهيئته التأسيسية: “من هذا المنطلق، إلى الوقوف دولة ومجتمعا وقوى حية في البلاد وقفة تاريخية للعمل على رد الأمور إلى نصابها عبر تجسيد الإرادة السياسية العامة للإصلاح السياسي والمؤسساتي بتنزيل ديمقراطي للدستور، ومن منطلقات وطنية ومواطنة قائمة على تخليق الحياة السياسية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجديد الفكر والممارسة عبر تجديد النخب بناء على الكفاءة والنزاهة والاستحقاق والجدية والوطنية”.
تحقير
في سياق متصل، أصدر حزب “العدالة والتنمية” المعارض بيانا دعا فيه رئيس الحكومة إلى الاعتذار الفوري عن تصريحه الشارد الذي اعتبره “جهلا سياسيا مروعا وتحقيرا للدستور وللبرلمان، وهو المؤسسة الدستورية التي لا ينعقد لرئيس الحكومة التنصيب إلا بعد مثوله أمامها ونيله ثقة مجلس النواب، وهي التي أناط بها الدستور وظيفة التشريع ومراقبة عمل الحكومة ورئيسها وفرض عليه المثول للمساءلة أمام البرلمان مرة كل شهر، وفرض عليه تقديم حصيلة عمل الحكومة أمامه، فضلا عن كون الدستور خوّله إمكانية حجب الثقة عن الحكومة”.
وذكّر البيان عزيز أخنوش، أنه “بمقتضى الدستور والمسؤولية السياسية، ليس رئيس حكومة للمواطنين الذين جاؤوا به للمسؤولية، كما ورد في تصريحه، بل هو رئيس حكومة في خدمة كل المواطنين والمواطنات دون استثناء”.
ونبه حزب “العدالة والتنمية” إلى ما سماه “خطورة الاستعلاء والاعتداد بالنفس والمال والسلطة الذي أصبح يطبع خرجات رئيس الحكومة وتفاعله مع المعارضة، والحساسية المفرطة التي يواجه بها كل صوت معارض أو منتقد، حيث لا يطيق السماع إلا للأصوات الممجدة المأجورة التي تزين له الصورة وتحجب عنه حقيقة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للمواطنين والمواطنات”، وفق ما جاء في البيان.