يلدريم سيلعب مجدداً دور «المنقذ» لمساعدة اردوغان في الفوز بانتخابات بلدية إسطنبول

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: يقترب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، من حسم اسم رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان الحالي بن علي يلدريم، مرشحاً له لانتخابات رئاسة بلدية إسطنبول المقررة نهاية آذار/مارس المقبل، وذلك تلبية لرغبة الرئيس رجب طيب اردوغان في تعزيز فرص فوز الحزب في البلدية الأهم بالبلاد، وخشية تكبد خسارة كبرى قد تعتبر الضربة الأكبر للحزب منذ وصوله إلى الحكم قبل أكثر من 16 عاماً.
ولعب يلدريم الذي يوصف بـ«الصديق الوفي» للرئيس التركي في أكثر من محطة تاريخية دور «المنقذ» أو «الجسر» الذي ساعد اردوغان في تجاوز تحديات صعبة وقبل بخوض غمار مهام متعددة في سبيل خدمة الحزب الحاكم وزعيمه.
أبرز هذه المحطات، كانت عندما قدم نفسه «جسراً» من أجل عبور اردوغان للنظام الرئاسي بقبوله منصب رئيس الوزراء ينفذ ما يريده اردوغان، وكذلك الترويج للنظام الرئاسي في الاستفتاء الذي جرى أبريل/نيسان عام 2017، والعمل ليل نهار لإنجاح اردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أوصلت الأخير لمقعد الرئاسة المطلقة وأنهت منصب رئيس الوزراء، حتى بات يطلق عليه أنصار الحزب لقب «الرجل الوفي» و«الإنسان المتفاني». وفي حين، أعلن اردوغان أسماء مرشحي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم لمعظم بلديات المحافظات الـ81، ومن بينها العاصمة أنقرة ومدينة إزمير، أجل أكثر من مرة إعلان اسم مرشح الحزب لبلدية إسطنبول الكبرى، مؤكداً أن ذلك سوف يجري قريباً بفعالية منفصلة وكبيرة، دون أي تأكيد رسمي نهائي بحسم اسم يلدريم الذي يجمع كافة المقربين من الحزب وأروقته على أنه سيكون فعلياً مرشح «العدالة والتنمية» لرئاسة بلدية اسطنبول.
ويخشى «العدالة والتنمية» من إمكانية خسارة بلدية إسطنبول في الانتخابات المقبلة التي توصف بـ«الأصعب» على الحزب الذي يعاني من الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد في الأشهر الأخيرة وما رافقها من انهيار في سعر العملة المحلية وتراجع نسب النمو وارتفاع نسب البطالة ووصول التضخم لمستويات غير مسبوقة، كل ذلك متوقع أن ينعكس على توجهات الناخبين.
اردوغان يرى في بن علي يلدريم، المرشح الأفضل لخوض معركة انتخابات بلدية إسطنبول، كونه شخصية محبوبة ومقبولة في الشارع التركي، وقيادي نادر في صفوف الحزب، كما يمكن أن تجمع عليه القواعد الشعبية وتتوحد خلفه بقوة، وعدا عن ذلك، يلدريم شخصية مقبولة لدى حزب الحركة القومية حليف اردوغان في «تحالف الجمهور» الذي أعلن أنه سيدعم مرشح «العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة. وبينما يتجنب اردوغان حتى الآن تأكيد ترشيح بن علي يلدريم لمنصب رئيس بلدية إسطنبول، قال زعيم حزب «الحركة القومية» دولت بهتشيلي في تصريحات صحافية، أمس الاثنين: «بن علي يلدريم غير مضطر للاستقالة (من رئاسة البرلمان) إذا قرر خوض انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، يستقيل فيما بعد، يلدريم لديه مكان خاص فوق الرأس»، في إشارة لقبول الحزب يلدريم مرشحاً عن «العدالة والتنمية» الذي سيكون مدعوماً من «الحركة القومية».
وقرر «الحركة القومية» عدم تقديم مرشحين له لرئاسة أكبر ثلاث محافظات تركية وهي إسطنبول وأنقرة وإزمير، لدعم مرشحي حزب «العدالة والتنمية»، في المقابل يتوقع أن يمنح الأخير «الحركة القومية» الدعم في ثلاث محافظات أصغر وهي أضنة ومرسين وعثمانية.
وإسطنبول تعتبر أبرز محافظة في تركيا وإلى جانب أهميتها الحسابية بحيث تضم أكثر من 16 مليون نسمة أي قرابة خمس عدد سكان البلاد، تحمل أهمية معنوية وتاريخية وسياسية وتسود مقولة في السياسة التركية مفادها أن «من يفوز باسطنبول يفوز في عموم تركيا»، و«من يحكم إسطنبول يحكم تركيا».

يحظى بدعم «الحركة القومية»… وعرف بطابعه الفكاهي ما أكسبه شعبية واسعة

ويلدريم، عرف بطابعه الفكاهي ما أكسبه شعبية واسعة عند قواعد حزب «العدالة والتنمية» بعد أن كان ينظر إليه على أنه شخصية متواضعة قبلت القيام بدور شكلي لتسهيل وصول اردوغان للنظام الرئاسي.
ويعتبر الرجل «الصديق الأول» لاردوغان، لا سيما بعدما ابتعد الرئيس السابق عبد الله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، عنه، وكلاهما صديقان لاردوغان قبيل تأسيس حزب «العدالة والتنمية»، وهي الحقبة التي شهدت مزيداً من التقارب بين يلدريم واردوغان. وولد يلدريم لعائلة تعيش في منطقة أرزينجان عام 1955ودرس الهندسة والملاحة البحرية، بدأت صداقته مع اردوغان عام 1994عندما تولى الأخير رئاسة بلدية إسطنبول لأول مرة وقتها كان بن علي يلدريم يرأس إدارة المواصلات البحرية في المدينة.
واستمر بالعمل إلى جانب اردوغان في بلدية إسطنبول بين عامي 1994و2000. وكان من المؤسسين الأوائل إلى جانب اردوغان لحزب العدالة والتنمية الذي ظهر رسمياً عام 2001 وتمكن من الوصول للحكم في أول انتخابات خاضها بعد أشهر وما زال حتى اليوم يتفرد بحكم البلاد.
وتولى يلدريم، منصب وزير النقل والمواصلات في عدة حكومات طوال السنوات الماضية، وكان له فضل كبير في إنجاز المشاريع الكبرى التي روج لها اردوغان وساهمت في رفع أسهم «العدالة والتنمية» في الشارع التركي، وأبرزها مشاريع الطرق والجسور وشبكات المترو والنقل وسكك الحديد، إلى جانب المشروع الأكبر «مترو مرمراي» الذي يربط شقي إسطنبول الأوروبي والآسيوي عبر خط مترو من تحت مياه مضيق البوسفور.
وفي مهمة صعبة، قبل رغبة اردوغان بترشيحه لمنصب رئيس بلدية إزمير في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2013، وعلى الرغم من أن خسارته كانت أمراً مسلماً به كونها تعتبر قلعة حزب «الشعب الجمهوري» الأتاتوركي المعارض إلا أنه قبل المهمة من أجل رفع أصوات حزب «العدالة والتنمية» في هذه المدينة، وهو ما اعتبر موقعاً جديداً يدل على تفانيه وولائه التام لاردوغان على حساب طموحاته الشخصية.
وعقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها اردوغان عام 2014 وبشكل غير معلن رسمياً، قالت وسائل إعلام تركية إن اردوغان كان يعتمد على يلدريم بشكل كبير، ولم يكن مجرد مستشاراً خاصاً له، وإنما كان يدير 13 من كبار مستشاري اردوغان في القصر الرئاسي وهو المنصب الذي أطلق عليه «رئيس وزراء حكومة الظل».
في منتصف عام 2016 لم يبد رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو، حماساً كافياً لمساعي اردوغان بتحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، وهو ما أدى إلى استقالته منتصف عام 2016 ليختار اردوغان بن علي يلدريم لهذه المهمة الذي لم يتردد في قبولها والقيام بها على أكمل وجه.
وبالفعل وعقب استقالة داود أوغلو، جرى انتخاب يلدريم رئيساً لحزب العدالة والتنمية، ومن ثم اختياره رئيساً للحكومة، التي كرست مهامها من أجل الإعداد للنظام الرئاسي والاعداد له في البرلمان وصولاً للاستفتاء الذي جرى أبريل/نيسان عام 2017، ونجح اردوغان ويلدريم في تمريره، حيث أبدى يلدريم تفانياً غير مسبوق في التنقل بين 81 ولاية تركية وتنظيم مهرجانات جماهيرية حاشدة للترويج له.
وعقب نجاح الاستفتاء، استمر يلدريم في أداء هذه المهمة على أكمل وجه، ووقف إلى جانب اردوغان في الإعداد لتمرير «قوانين المواءمة» التي تمهد فعلياً لتطبيق النظام الرئاسي، وصولاً للإعلان عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة.
ومع بدء الحملة الترويجية لهذه الانتخابات، خاض يلدريم حملة غير مسبوقة متنقلاً في اليوم نفسه بين أكثر من ولاية، باحاً صوته في التأكيد على أهمية الانتخابات المقبلة، وأهمية الانتقال للنظام الرئاسي، مشدداً على أن اردوغان هو المُخلص لتركيا والزعيم الأفضل لها.
لكن اردوغان هو الآخر لم ينس الدور الكبير الذي قام به يلدريم، متيحاً له إلقاء خطاب النصر «خطاب الشرفة» قبيل إلقاء كلمته، وقدم له الشكر على ما قام به، قبل أن يعرض عليه تولي منصب رئاسة البرلمان الذي يعتبر منصباً فخرياً إلى حد كبير، وقبل به على غرار ما فعل سابقاً.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية