يمضي عيد الأم ويأتي يوم الأسير… وأسيراتنا لا زلن خارج الأجندة السياسية الدولية والفلسطينية
مهند صلاحاتيمضي عيد الأم ويأتي يوم الأسير… وأسيراتنا لا زلن خارج الأجندة السياسية الدولية والفلسطينية رغم مضي أكثر من ثلاثة عشر عاماً علي أول اتفاق سياسي للتفاوض حول الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، ووضع أجندات التفاوض، علي العديد من المسائل التي تعتبر شائكة بين الجانبين، والتي تمخضت عن قيام سلطة تنفيذية فلسطينية علي بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا أن أموراً أخري تحتمل ذات الأهمية للقضايا الأساسية بقيت مغفلة، ولم يتم التباحث فيها بالشكل الجدي والصحيح، وأهم هذه المسائل التي أغفلها المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي علي وجه سواء، وكذلك الطرف الدولي الراعي لعملية التفاوض؛ عربياً كان أم أجنبياً، هي مسألة احترام حقوق الإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال.ولعل الكثيرين من المراقبين الدوليين الذين حضروا للأراضي الفلسطينية لمراقبة الأوضاع في الانتفاضة الأخيرة، رصدوا العديد من المشاهدات العنصرية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي علي المواطنين سواء قمع المظاهرات السلمية، أو الممارسات علي الحواجز العسكرية، أو بناء جدار الفصل العنصري الذي أخذ الحيز الأكبر في الجدل الدولي، إلا أن المسألة التي بقيت في منطقة الظل، ولم تحظ إلا بالقليل من الملاحظات حول انتهاك المواثيق الدولية، هي قضية الأسري، وبشكل خاص الأسيرات الفلسطينيات اللواتي تعرضن للاضطهاد والامتهان للحرية الشخصية والكرامة من قبل دولة تدعي أنها إحدي الدول التي تدافع عن قيم الديمقراطية وتطبقها، لأن القانون الدولي واتفاقيات جنيف تمنح حماية خاصة إضافية للنساء، أحكاماً عامة، كما في حالة المادة 14 من اتفاقية جنيف الثالثة التي توجب معاملة النساء … بكل الاعتبار الواجب لجنسهن ؛ أو كما هو الحال في اتفاقية جنيف الثالثة التي تحدد الأحكام المتعلقة بتخصيص مهاجع ومرافق صحية منفصلة لأسيرات الحرب، فضلاً عن إيكال الإشراف المباشر عليهن إلي نساء، بالإضافة الي الأمهات اللواتي يتعرضن للاضطهاد أثناء المسيرات ضد اعتقال أبنائهن، أو أثناء الزيارات للسجون.ولم يقف الحد عند ذلك، بل إن إسرائيل عاملت هؤلاء النساء عند اعتقالهن كأسيرات حرب، رغم أن القانون الدولي في تعريفه لأسيرات الحرب استثناهن من التصنيف، فقد عرف القانون الدولي أسيرات الحرب علي أنهن الأسيرات المقاتلات، وبحسب تعريف المقاتلين: هم أفراد كافة القوات المسلحة، أي المجموعات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة وتخضع لنظام داخلي يكفل اتباع قواعد القانون الدولي واجبة التطبيق في النزاعات المسلحة .وعبر هذا التعريف للمقاتلين، نجد أن أكثر من 90% من هؤلاء المعتقلات خارج نطاق المقاتلات بحسب القانون الدولي، بالإضافة لعدم احترام خصوصية القوانين الدولية التي منحت خصوصية توفير حماية إضافية للنساء فيما يتعلق باحتياجاتهن الطبية والنفسية الخاصة التي تتعلق عادة، بدورهن في الحمل، ولاعتبارات الخصوصية. علي سبيل المثال، تنص اتفاقية جنيف الرابعة علي أن تكون النساء الحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وتوجب، في حالات الاحتلال، صرف أغذية إضافية للحوامل والمرضعات تتناسب مع احتياجات أجسامهن، … ولا يجوز أن تفتش المرأة إلا بواسطة امرأة. ويحمي القانون الدولي الإنساني أيضاً النساء اللاتي يشاركن بنشاط في الأعمال العدائية بنفس أسلوب توفيره حماية عامة و خاصة للنساء المدنيات. لأسري الحرب الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال. ويجب أن تُعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن. ويجب علي أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال .المادة ((14 من اتفاقية جنيف الثالثة،12 آب (أغسطس) 1949. ولا يعتبر الاحتلال هو المسؤول الوحيد عن هذه الانتهاكات الدولية لحقوق الأسيرات الفلسطينيات، فالمجتمع الدولي كذلك مشترك بهذه الجريمة التي تمارس بحق هؤلاء بصمته المطبق، واللواتي قدر عددهن بـ600، تم اعتقالهن خلال انتفاضة الأقصي وبقي منهن 128 في السجون حتي الآن من كافة الفئات الاجتماعية والعمرية، حيث يوجد من بينهن 12 طفلة لم يبلغن سن 18 عاماً، في ظروف صعبة ومخالفة للقانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل، الذي يعد أي شخص دون الثامنة عشرة طفلاـ حدثا حتي حسب القانون الإسرائيلي المحلي والقانون الدولي، وحسب تعريف الحدث الوارد في قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم.لكن حسب القوانين العسكرية الإسرائيلية ينظر للأطفال الفلسطينيين بعمر 16 كبالغين، فبعد الرابعة عشرة من العمر يعامل ويحاكم الأطفال الفلسطينيون كالمعتقلين البالغين، مما يشكل انتهاكا للقانون الإنساني ويعني عدم وجود أية محاكم خاصة بالأطفال.وتحتجز النساء الأسيرات في أماكن لا تليق بهن، دون مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة، ودون توفر حقوقهن الأساسية، التي نصت عليها المواثيق الدولية والإنسانية، ويعشن في ظروف قاسية، ويتعرضن لمعاملة لاإنسانية، وممارسات غير قانونية. بالإضافة لعدم قانونية اعتقالهن، فقد تم اعتقال بعض النساء علي خلفية قرابتهن من مطلوبين، أو للضغط علي أزاوجهن المعتقلين خلال التحقيق، بالإضافة للخرق الصريح للقانون الدولي عبر تعرضهن للتعذيب الجسدي، وللشبح والتفتيش العاري من قبل الجنود وليس المجندات فقط، والتحرش لاجبارهن علي الاعتراف.كل هذا الاختراق لم يكن ضمن أي أجندة تفاوض فلسطينية مع الطرف الإسرائيلي، ولم يطرح في المحافل الدولية الراعية للمفاوضات، وكذلك لم يتم طرحه للنقاش حتي في مؤتمرات القمم العربية والتي وإن كانت صورية، إلا أنها كانت ستساهم حتي في مجال الإعلام في إخراج هذه القضية في منطقة الظلّ، ولم يساهم السياسي الفلسطيني بدوره الحقيقي في إيصال صوت الأسيرات الفلسطينيات إلي المجتمعات الدولية، وليس إلي الحكومات فقط.فإسرائيل دأبت علي منع المحامين ورجال المنظمات الدولية في العديد من الأوقات من زيارة النساء في المعتقلات، اللواتي بحسب القانون الدولي معتقلات ضمن قوانين خاصة، وطالما أن إسرائيل لم تحترم القوانين الدولية لحماية حقوق أسري الحرب فهن أيضاً معتقلات بشكل غير قانوني، عدا عن كون المقاومة حقا مشروعا في القوانين الدولية.إلي متي سيبقي السياسي الفلسطيني غافلاً أو متغافلاً عن قضية الأسيرات، كشرط أساسي لاحترام حقوق الإنسان الفلسطيني قبل الوقوف علي قضايا أخري هامة، ومتي سيدرك السياسي الفلسطيني الذي لم يدرج قضايا الإنسان علي سلم الأولويات؟العديد من المناورات الدولية يخوضها الأطراف الفلسطينيون في طرح قضيتهم، إلا أنهم لم يضعوا ولو مرة واحدة شرط احترام حقوق الإنسان ـ والذي لا يستطيع أي طرف دولي رفضه إن طرح ـ كشرط للتفاوض مع إسرائيل؟إن هذه المسألة يتحمل وزرها كل المجتمع الدولي، وكل القيادات السياسية العربية والإسلامية، بالإضافة إلي الرئاسة الفلسطينية ورئاسة الوزراء، وكل الأمناء العامين للفصائل الوطنية والإسلامية والحكومة الفلسطينية، أن عليهم تفعيل قضية الأسري بشكل جدي، وتنظيم حملات شعبية علي المستوي العربي والدولي لمؤازرة النساء في المعتقلات، والأسري في يوم الأسير وطوال العام حتي تحرير كل الأسري والأسيرات والأطفال والقدامي وكبار السن والعشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي في السجون، وخاصة في ظل تصعيد الهجمة الشرسة التي تشنها إدارة السجون مؤخرا مستهدفة سحب إنجازات الأسري وتضييق الخناق عليهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم. ہ كاتب وصحافي فلسطيني8