يوميات امرأة مجهولة نبت علي رمشها قمر
يوميات امرأة مجهولة نبت علي رمشها قمررام الله ـ من زياد خداش: كنت اتسكع وحيدا في دروب رام الله المهجورة باحثا عن غير العادي في العادي، عن استياء واحتجاج، الطبيعة المخذولة، عن الشعري في اللاشعري عن السحري في المألوف، عن قوي الاشياء الخفية من شجر وصخور، عن طاقتي الحبيسة، احاسيسي المجهولة عن قيعاني ـ كنوزي، هناك بعيدا عن صخب العربات، ورذاذ الضحك السهل والمتاح، وجحيم المصالح، وسطوح اللغات، رحلة بحث عن بطولة النحيل والهادئ في الثرثار والبدين، عن الصامت او الهامس الممتليء في الضاج الفارغ، في الطريق المتعرج، المليء بالحصي المبعثر والحجارة الساقطة من السناسل المهدمة بقايا النفايات الجافة. مشيت. انه يوم خريفي حيث كل شيء يتخلي عن احبائه لصالح موت خفيف، خطواتي تذهب الي اللامكان، اللازمان، احب هذا الضياع، هذا المجهول الذي ينتظرني، هذا الاصرار علي محبة الغموض والخطر والعتمة المراوغة الخفيفة عناقا لمعني اخر للحياة وتمرغا في دلالات جديدة للطبيعة، رأيت دفترا انيقا معلقا بخيط حرير علي غصن شجرة صنوبر، مجاورة للطريق، تسلقت الشجرة الضخمة التقطت الدفتر وهبطت، جلست تحت الشجرة، علي الغلاف قرأت العبارة التالية: يا قارئة وقارئ كتابي هذا، لا تتساءل ان كان ما تقرأه حقيقية ام خيال، فقط حدق في قلب الكلمات النابض وتنفس بعمق، انا امرأة مجهولة لا احد يعرفني، لكني في كل مكان، امرأة تري كل شيء ولا احد يراها، امرأة تشبه الشجرة او النفق او التل او الحديقة او السحابة او الدرج او النار او الماء او المنحدر او الكلمات، او الموت، موجودة دائما تمرون عني ولا تكترثون، تحسبونني خرساء لكني امتلك كل لغات العالم، تحسبونني عمياء لكني امتلك كل عيون الكون، انا الجانب الرائع والمسالم والدافئ من العالم اليكم تحولاتي: يوميات الحب خمسة عشر عاما من الحب والحدائق والطيران، خمسة عشر عاما من الشعر والطفولة والهمس، وفجأة انتهي كل شيء، في ساعة واحدة طوي الرجل الذي كان حبيبي ملف حبنا، وقف علي الباب، رائع الثقة، وسيم الكبرياء: انتهي كل شيء يا عزيزتي، احزمي حقيبة المشاعر واهبطي علي الارض. وغادر مصحوبا بدمي، بموتي، هبطت علي الارض، جلست مع نفسي الف ساعة، وحولت نفسي الي شجرة لوز علي قارعة طريق عام يمر منه تلاميذ مدرسة مجاورة. في الخريف احتفي بشحوبي وعريي وفي الربيع اغني شهوتي وثماري وبياضي. هكذا لا اتفاجأ بشيء، فانا كائنة الخريف الذي لابد ان يعقبه ربيع، بلا خيانات اعيش وبلا وعود من احد ايضا. يوميات الجنون انا امرأة مجنونة، اخذوني الي مصح عقلي، اخضعوني لعلاج دقيق، تبين بعدها اني اعاني مرضا خطيرا يستدعي العلاج الطويل والحجر الصحي، انه مرض الصدق، الصدق مع الذات ومع الاخــرين، مشكلتي بدأت حين قلت لزوجي ذات ليلة ان للبصل رائحة لا تطاق، واشحت بوجهي عنه، فضربني بعنف. وبدأت المشاكل. قلت مرة لرب عملي ان طريقة ادارته للمؤسسة لا تعجبني وانني احب زوجي جدا، فخصم يومين من راتبي، قررت ان اريح العالم مني وارتاح منه فحولت نفسي الي قطة شقراء، يمر عني الناس بلا اهتمام، لكني اسمع كل اكاذيبهم واضحك بسري. ارتحت من رائحة البصل ومن مطاردات رب عملي، انا قطة سعيدة شقراء اجوب الطرقات وحدي او مع صديقاتي القطط، دون ان نكذب، نشتم بعضنا، ونلهو في الازقة، نأكل ما تيسر من نفايات البشر، بلا اقنعة، بلا كذب، بلا مجاملات نمارس الحب والحياة. يوميات الأهل انا بنت في العشرين، احب اهلي ووطني ومعلمتي، لكن مشكلتي تكمن في انني احب الليل كثيرا وامنيتي ان امشي فيه ومعه، وحدي. قلت لجدتي ذات التجاعيد الشرسة، بضعة امتار فقط يا جدتي وسأعود، راقبيني انا امامك علي مرمي تجاعيدك، كم احب الليل يا جدتي انه يغسلني من اكاذيب النهار. اريد ان اصافحه فقط واهمس له اني معجبة به وبغموضه وبكائناته. انهالت جدتي علي وجهي صفعا، وتضامن معها ابي واخي، كانت امي حائرة وتبكي، وفجأة وجدت حلا: حولت نفسي الي قمر، كان الليل تحتي كله وكأنه بانتظاري. كنت اهبط علي الارض، امرغ ضيائي بعباءة الليل الغامض واصعد لا رتاح، هناك في عرش الضوء البعيد، كان اهلي يبحثون عني، خائفين من الليل، وكائناته. امي الحبييبة وحدها كانت تعرف اين انا، فكانت ترفع نظراتها الي وجهي وترسل لي القبلات. وارشقها بنوري، فتبدو اجمل الامهات وابدو انا انضر البنات. يوميات الكتابة زوجي وطفلتي نائمان، المدينة كذلك والعالم، وحدي، اكتب نصي، نص جنوني، نص اعماقي، لا صوت لا حركة، فقط صوت انفاسي وقلمي، وشخير زوجي. الورق الممزق علي الارض متناثر كأفكاري، الكلمات تأتي غريبة ومن عالم اخر، كأني صرت رسولة كون بعيد، كأني صرت نبية عهد جديد. الغرفة مضاءة بشمعة وحيدة، والستائر مسدلة وزرقاء، والعالم صامت بشدة، كأنه مخنوق او معتم او مقتول، كأني انا الوحيدة الحية والمضيئة. فجأة رأيتني اتحول الي نص، نص تكتبه يد الجبل المجاور وحبر الشجرة وروح البحر وقلب الدغل، نص غريب، لا ينتمي لعالمنا، لا يبشر بوصايانا، نص وحيد بلا زوج بلا اطفال، بلا غرف، بلا ستائر. 0