غزة – “القدس العربي”:
أخفت الحرب الدامية التي تشنها دولة الاحتلال، كل معالم الفرح في قطاع غزة في عيد الأضحى، وعايش السكان خاصة الأطفال منهم أوقاتا أكثر بؤسا، فيما تجددت الأحزان عند الأمهات المكلومات، اللواتي قضين غالبية وقتهن في اليوم الأول في زيارة قبور أبنائهن الشهداء.
أجواء حزينة
ورغم احتفال العالم الإسلامي بعيد الأضحى، إلا أن سكان قطاع غزة لم يعايشوا هذه الأجواء بالمطلق، وبدلا من تبادل التهاني او ذبح الأضاحي، عايشوا بشكل أكثر عنفا الواقع المرير الذي خلقته الحرب الإسرائيلية الدامية، بعد أن صعدت قوات الاحتلال من الهجمات التي أسقطت عشرات الضحايا.
وبدلا من لهو الأطفال في الشوارع وفي المنتزهات، وارتداء ملابس العيد الجديدة، حملوا والدماء قد خضبت أجسادهم إلى المقابر، بعد أن فارقوا الحياة بسبب غارات إسرائيلية استهدفت أماكن سكنهم.
وغابت بشكل كامل أجواء العيد عن القطاع، ولم يقم إلا القليلون بذبح ما تيسر من أضاح، بيعت بثمن مرتفع للغاية، فرضته أجواء الحصار والحرب.
وعلى غير العادة لم تنصب الأرجوحات في الشوارع العامة وبين الحارات، كما لم يتمكن الأطفال من اللهو في الشوارع بألعاب أحضرتها أسرهم، كالدمى وغيرها من الألعاب، ولم يشاركوا الآباء في جولات العيد، وبدلا من ذلك التزموا منازلهم، يسمعون أصوات الصواريخ التي كانت تنهال على الكثير من المناطق، وتقتل بعضهم، ويسمعون أصوات الطائرات التي كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة.
ولم يسمح حسام أبو عويضة لأطفاله بالنزول إلى الشارع في اليومين الأولين للعيد، على خلاف ما جرت العادة، وقال إنه يخشى من غارات تشنها قوات الاحتلال تستهدف من خلالها قتل أي فرحة بالعيد عند الأطفال.
ويقول لـ “القدس العربي” إن اليوم الأول للعيد مر كباقي أيام الحرب، وأضاف “لم نشعر بأي تغير، أصوات الطائرات والغارات والقصف كما كان سابقا”، وأضاف “ما زلت أخشى من مجازر كبيرة في الأيام القادمة”.
أما محمد نصير وهو نازح من شمال قطاع غزة، ويقيم في وسط القطاع حاليا، يقول إنه لم يشاهد أي أجواء للعيد، وإن مكان أقامته في “مركز إيواء”، لم يتغير بالمطلق، سوى قيام النازحين كغيرهم في اليوم الأول بترديد تكبيرات العيد.
ويقول هذا الرجل إنه اجتهد وصنع طائرة ورقية لأحد أطفاله حتى يلهو فيها في العيد، بعد أن كان في مثل هذا الوقت يقوم بشراء الألعاب له ولباقي أبنائه.
وكان الكثير من السكان، قاموا بأداء صلاة عيد الأضحى فوق أنقاض المنازل المدمرة، في مناطق عدة بالقطاع، فيما امتلأت المقابر بالزوار الذين جاؤوا لزيارة قبور أبنائهم الشهداء الذين قضوا في هذه الحرب.
زيارة المقابر
إحدى السيدات اللواتي تواجدت بعد صلاة العيد في المقبرة، وكانت تبكي بحرقة كبيرة قالت “كيف بدنا نفرح وأولادنا رحلوا للأبد”، وهذه السيدة وهي في نهاية العشرينات قضى لها طفل بعمر 7 سنوات في غارة إسرائيلية قبل عدة أشهر، وتقول إنها لا تزال تحتفظ بملابسه وتشم فيها يوميا رائحة نجلها الغائب تحت الثرى، وأضافت “أي عيد وابنى مش معي، أي عيد وقلبي كل يوم يبكي دما”.
وتكرر مشهد هذه الأمر مرات كثيرة في كافة مقابر قطاع غزة، التي امتلأت بأهالي الشهداء خاصة الأمهات اللواتي جددن أحزانهن.
وكتبت ديما هاني، وهي إحدى الأمهات المكلومات تدوينة على صفحتها على “فيسبوك”، وهي تستذكر طفلتها الشهيدة وقد وضعت صورة لها “هذا فستان اميرتي لارا، قد لبسته في العيد الماضي وتزينت به ولبسته في نجاحها وتفوقها بعد انقضاء العام الدراسي، وجدته معلق على خزانتي بعد ان عدت إلى بيتي وحدي بدون اسرتي، ابشع ما قد يحدث أن لارا لن ترتدي هذا الفستان، وابشع من هذا كله أن لارا ما زالت تحت ركام أبراج ضخمة لم نستطع انتشالها”، وتابعت “أعيادكم كوابيسنا الكبيرة، وداعا أميرتي وحبيبتي واسفة اني ما قدرت انتشلك وخليكي تلبسي فستانك، وهو الشي الوحيد يلي بقى منك حزني كبير عليكي يا حبيبتي أنت وأمي حبيبتي وخواتي وعيلتي في ودائع الله”.
وكان العديد من المواطنين علقوا في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي على أجواء العيد، وكتبت هند جودة على موقع “فيسبوك” وهي تصف المشهد في غزة “حافية القدمين في غزة، ستخجل من كونها بلا حذاء جديد أو ثوب جديد في صبيحة العيد، ولأن الحلوى والألعاب باتت ترفا، ستحزن أيضا لأنه لا قروش تدغدغ كفّها الصغير، فالأب أسير أو شهيد أو جريح وفي أحسن الاحتمالات عاطل عن العمل”، وتضيف وهي تصف مشهد الحزن في غزة بسبب الحرب “لن يركض أطفال غزة نحو البقالات والأراجيح مثل كل عيد، فهي إما فارغة أو مقصوفة، لا يليق الحزن بالعيد، لكنه عيد آخر حزين يطل على البلاد التي فقدت سلامها”.