خبر بهيج أن تصدر، عن منشورات ميثوين ـ بلومزبري في نيويورك، طبعة رقمية بصيغة القارئ الإلكتروني Kindle، لمقالات المسرحي الأمريكي الكبير آرثر ميللر (1915 ـ 2005)؛ تغطي 608 صفحات، ونحو 85 مقالة ومقابلة صحافية. محرر الكتاب، ماثيو رودانيه، أستاذ الأدب الإنكليزي والدراما في جامعة ولاية جورجيا؛ اعتبر، مجازاً، أنّ هذه المجموعة «كاملة»، بالنظر إلى أنها تشتمل على الغالبية الساحقة من آراء ميللر حول المسرح، كما تعتمد على مختارات من مجموعتَيْ مقالات سبق أن صدرتا، سنة 1978 و2000، وقدّم لهما ميللر نفسه. إنها «تكشف التزام ميللر الحميم بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وانخراطه المدني طيلة سنوات حياته في السياسة الوطنية والعالمية، والتزامه الثابت بالطرق المتنوعة لتمكين مسرحه ومقالاته من التقاط قسط من تقلبات وأطوار أمّة تفكّر، أو لا تفكّر، في مواجهة ذاتها»، يكتب رودانيه.
وفي المقالات، التي يبدأ أول نماذجها من العام 1944، نقرأ مواقف ميللر من طبائع الإيمان بفكرة أمريكا، وصلة المواطن العادي بالتراجيديا، والمسرح الاجتماعي، وانعكاس الأخلاق والدين على النصّ المسرحي، والمحاكمات النازية في تجلياتها المسرحية، والدراما الروسية، وصناعة الجمهور، ومسرح إبسن، ولغة المسرح، والواقعية في المسرح، والهوية، والحرية… وفي مقالة بعنوان «طبيعة المأساة»، يناقش ميللر سوء الفهم الذي يكتنف هذا المصطلح: «الالتباس الأكثر شيوعاً هو ذاك الذي يفشل في التمييز بين المأساوي والمثير للشفقة. كلّ قصة، لكي تمتلك مصداقيتها على المسرح، يجب أن تحتوي على صراع. ومن الواضح أنّ الصراع ينبغي أن يدور بين البشر. لكنّ هذا الصراع ينتمي إلى المستوى الأدنى، الابتدائي؛ وهذا الصراع بين البشر، على النحو البريء النقي، هو كل ما تحتاج إليه الميلودراما، ومن الطبيعي أن تبلغ فيه الذروة عند حدّ العنف الفيزيائي. هذا، بالأحرى، هو نوع الصراع الذي يعرّف الميلودراما (…) وفي يقيني فإنّ الفارق الجوهري، والفارق الدقيق، بين المأساة والإشفاق يكمن في أنّ المأساة لا تجلب لنا الحزن، والتعاطف، والتماهي، أو حتى الخوف، فقط؛ بل هي، على نقيض الإشفاق، تجلب لنا المعرفة والاستنارة».
لكنّ أهمية هذه المقالات لا تنحصر في تعريف القارئ على ذهنية كاتب مسرحي أمريكي، وعالمي، كبير فحسب؛ بل هي، بالقدر ذاته، مرجع زاخر عن واحد من أعظم ضمائر أمريكا الحديثة، ممّن خضعوا ذات يوم لتنكيل وترهيب وتأثيم على يد المؤسسات ذاتها التي تفاخر بصناعة وإدامة واستدامة «الحلم الأمريكي» الشهير. إنها، أيضاً، برهة طَلَلية ـ لكي يستخدم المرء تعبير الناقد الفلسطيني الراحل يوسف اليوسف ـ تستوجبها أي وقفة موضوعية أمام مآلات ذلك الحلم، على أنقاض ما تبقى منه في عبارة أخرى.
ففي عام 1947 انضمّ ميللر إلى لائحة الـ320 من العاملين في مختلف اختصاصات «صناعة التسلية»، حسب التعبير الذي يفرده القاموس الأمريكي لأعمال المسرح والسينما والغناء والأوبرا وسواها من الفنون، والذين مُنعوا من العمل في هذه الصناعة بقرار من «لجنة النشاطات المعادية لأمريكا». وبالطبع، كانت أعمال هذه اللجنة قد دشّنت فجر الـ»مكارثية» بوصفها أسوأ استبداد ثقافي وفكري عرفته أمريكا علي امتداد تاريخها؛ أو… حتى تثبت السنوات القليلة المقبلة أنّ الـ»نيو ـ مكارثية»، التي يبشّر بها المحافظون الجدد اليوم، لن تكون أقلّ شراسة! وكانت اللجنة قد بدأت عهدها باستجواب ما عُرف بعدئذ باسم «عَشْرة هوليوود» ممّن رفضوا التعاون مع اللجنة، فصدرت بحقّهم أحكام بالسجن.
إلى جانب ميللر توفّرت أسماء عدد كبير من خيرة كتّاب وفنّاني الولايات المتحدة آنذاك: ريشارد رايت، جوزيف لوزي، بول روبسون، ليليان هيلمان، داشيل هاميت، كليفورد أوديتس، دالتون ترامبو، لويس أنترمير، وسواهم. وذنب هؤلاء كان مزدوجاً: أنهم ينتمون بهذا الشكل أو ذاك إلى تيّارات اليسار، ويُشتبه تالياً بانتمائهم إلى الحزب الشيوعي؛ وأنهم رفضوا ممارسة الدسيسة على زملائهم والإدلاء بمعلومات عنهم إلى اللجنة. وفي كتاب السيرة الذاتية، الذي أصدره سنة 1987 بعنوان «على مرّ الأيام: حياة»، يروي ميللر تفاصيل مثيرة عن تلك الحقبة، لعلّ أشدّها تأثيراً في النفس ليس صموده هو أمام اللجنة، بل انهيار صديقه المخرج المسرحي والسينمائي الكبير إيليا كازان.
والحال أنّ لجنة الكونغرس تلك شُكّلت للتحقيق في النشاطات المعادية لأمريكا في صفّ اليسار وصفّ اليمين على حدّ سواء، ولكنها انتهت إلى استثناء الصفّ الأخير تماماً ونهائياً، واقتصرت محاكم التفتيش على أهل اليسار وحدهم. كان مطلوباً من اللجنة أن تحقق مع المنظمة العنصرية الشهيرة «كو كلوكس كلان»، لكنّ رئيس اللجنة نفسه، مارتن دايز، كان صديقاً مقرّباً من المنظمة ومتعاطفاً معها وخطيباً في اجتماعاتها! عضو اللجنة جون رانكين اعتبر أنّ هذه المنظمة «مؤسسة أمريكية عريقة في نهاية الأمر»، وهذا ما أكدته زعامة المنظمة حين أبرقت إلى اللجنة مهنّئة: «كلّ أمريكي أصيل، وهذا يشمل أعضاء منظمتنا، يقف وراءكم ويساند لجنتكم في جهودها لإعادة البلاد إلى صاحبها الوحيد: الأمريكي الطيّب، الشريف، المحبّ للحرّية، والتقيّ الذي يخشى الله»!
كأنّ صاحبنا كان يصف ناخب دونالد ترامب، بشحمه ولحمه!
صبحي حديدي
ما يطالب بة السياسي هو في معظم الأحوال لمصالحة الذاتية ولمصالح المجموعة التي ينتمي اليها فقط , وليس للجميع , علي إفتراض أن الجميع يفعل نفس الشيئ . أظن أن القاعدة الذهبية في الغرب هي في المسؤولية الفردية , بمعني أن كل إنسان مسؤول عن نفسة وعن تبعات خياراتة السياسية , والتعميم هنا يصبح خطر . لماذا يتوقع الإنسان أن يتحمل السياسي المسؤولية نيابة عنة وعن الجميع , وكيف ؟ . كمن يصنع الدخان ومن يدخنة , أليس المدخن هو المسؤول عن صحتة وهو من سيتحمل تبعات تدخينة , كما يقول المصنع ؟ . اليمين يملك المال الذى تدور حولة الكرة الأرضية , فلماذا يفشل اليسار في تنظيم نفسة رغم كونة الأغلبية ؟ .