عالم أبو تريكة السعيد يتحول وفقا للنظام المصري إلى كذبة، وعالم ترامب الخطير إلى فرصة، ربما تلخص تلك القراءة اللحظة التي نعيشها الآن في مصر والتي يراد لنا فيها أن نصدق أن لاعب كرة القدم المصري محمد أبو تريكة مجرد إرهابي تملك الدولة أن تتعامل معه بكل ما تملك من آليات الإقصاء والعقاب، وربما الأكثر أهمية الإلقاء في مقابر الذاكرة، في ظل نشر أخبار عن قيام التلفزيون باستبعاد كل التسجيلات التي تخصه.
يتحول أبو تريكة إلى إرهابي وعدو تسيطر الدولة على أمواله، في حين أن من أخطا في حق مصر ومن تسبب في عقود من الفساد والإفساد، بداية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ونظامه، يتم التجاوز عنهم وعن تواجدهم المفروض بصور مختلفة وحضور إعلامي واضح.
وتكتشف أن النظام نفسه الذي عمل على استبعاد البرادعي، من ضمن الأسماء المصرية التي حصلت على جائزة نوبل، من مناهج دراسية من قبل، ويريد استبعاد أبو تريكة من التاريخ، يدافع عن إبقاء مبارك في واجهة الأحداث، دون أن يحاسبه على الأخطاء التي حدثت، سواء في عقود حكمه أو خلال فترة ثورة 25 يناير، التي تقترب ذكراها مثيرة الشجن والأمل. أما غيره من رموز المرحلة فيتقدم بهم النظام لتبرير التنازل عن الأرض وإعادة كتابة القوانين وطرح القضايا الهامشية التي تشغل الشعب من أجل تمرير ما هو أخطر في الحاضر والمستقبل.
يصدر حكم بمصرية جزيرتي تيران وصنافير في 16 يناير 2017 وبدلا من أن يتحمل النظام مسؤوليته عن الأزمة، يستمر في محاولات تمرير الجزر، ووسط الغضب والتنديد الدائر تنشر أخبار عن قيام محكمة جنايات شمال القاهرة في 12 يناير بإدراج اسم أبو تريكة مع آخرين في قائمة باسم الكيانات الإرهابية. والمثير أن نشر القائمة تم بعد صدور حكم الجزر، وبعد أيام من صدور القرار المفترض. وفي حين تفاعل عدد كبير داخل مصر وخارجها مع وضع اسم أبو تريكة في القائمة، اعتبر البعض أن القرار جزء من سياسة الإلهاء ومحاولة التغطية على حكم الجزر. وإن كان تفسير الإلهاء يظل في خلفية الكثير من الأحداث التي يتم تجاوز المهم منها، عبر تركيز الاهتمام فجأة على مجموعة من الأخبار والأحداث الهامشية، إلا أن هناك العديد من القراءات الممكنة لقرار نشر قائمة الإرهاب عبر حكم جنائي، خاصة محاولة النظام الحفاظ على سيطرته على الأموال المتحفظ عليها، في مرحلة ما بعد الرئيس الأسبق محمد مرسي مثلا.
وفي حين يرى البعض أن وضع أبو تريكة أدى لتهميش قضايا أكثر أهمية، فإن العكس أيضا مهم، إضافة أبو تريكة أدت لتحويل الاهتمام بقائمة الإرهاب من تحليلات السياسة والإرهاب، إلى نطاق كرة القدم، حيث الكتلة الصلبة وغالبية الشعب. كما تجاوز حدود مصر للعديد من التعليقات العربية والدولية التي تحدثت عن خلق أبو تريكة، ورفض اتهامه لدرجة إعلان بعض اللاعبين العالميين رفضهم المشاركة في مباراة ودية كان يفترض أن تنظم لتشجيع السياحة في مصر، اعتراضا على الحدث. وبهذا أصيب النظام بالسهم الذي أطلقه، فسواء أراد تمرير السيطرة على الأموال بحكم جنائي، خاصة بعد أن أيدت محكمة القضائي الإداري في مجلس الدولة في 10 يناير حكم بطلان التحفظ على أموال أبو تريكة، أو أراد إثارة الجدل حول قضايا أخرى تتجاوز تيران وصنافير، وتحدث انشقاق وتناقضات بين الاحتفاء بالقضاء الذي أيد مصرية الجزر والتنديد بالقضاء الذي أعلن أبو تريكة إرهابيا، فإن الخاسر هو النظام نفسه.
لا يصطدم النظام في حالة أبو تريكة، كما يحاول البعض تمرير الحدث، بحالة شخصية مشهورة أو لاعب كرة قدم، لشعب يحتفي باللعبة فقط، ولكنه يصطدم برمز أكثر عمقا وأهمية، فشل في قراءته تماما، كما فشل في قراءة قرار التنازل عن الجزر وردود الفعل حوله. تصور النظام أنه يحكم حقا «أشباه دول» يمكن له فيها أن يتنازل عن الجزر، أو يتهم من يشاء بالإرهاب، وأن ينزل العقاب الذي يريد بمن يشاء، بما يعبر عن الفجوة بينه وبين الدولة والشعب الذي يفترض أن يحكمها.
أبو تريكة الساحر وأمير القلوب في المستطيل الأخضر وخارجه، تحول بالطريقة نفسها لإرهابي القلوب والإرهابي المحبوب وفقا للتعليقات. وبهذا وضعت الدولة نفسها في مواجهة الأغلبية، أو الكتلة الصلبة بالقدر نفسه الذي وضعت فيه نفسها على ساحة الانتقاد والتنديد الدوليين. فإن كان الجيش في الذهن المصري عابرا للطبقية إلى درجة كبيرة، فإن كرة القدم وبعض الألعاب مثل، رفع الأثقال والمصارعة مثلت فرصا للحراك الاجتماعي، وللتنفس بدون واسطة أو محسوبية – في معظم الأحيان- في الوقت نفسه، يشبه أبو تريكة الكثير من البشر في المحروسة، يشبههم جسمانيا، كما يتشابه معهم في حواراته العفوية، وردود أفعاله التي تظل جزءا من رد فعل شعبي محتمل وممكن لمن ينتمي للطبقة نفسها والمشاعر نفسها.
عفوية أبو تريكة وأخلاقه، إلى جانب صعوده واستمراره، وابتعاده عن الصراعات والحفاظ على مساحة بينه وبينها، تمثل جزءا من أحلام الطبقة الدنيا والوسطى لدرجة كبيرة. تلك الفئات التي ترغب أن يكون الصعود بناء على الكفاءة أو الموهبة، وليس على حساب المصالح والشللية. واقع يخضع له الجميع، لأن كرة القدم هي اللعبة الأكثر أهمية والأكثر قربا للجموع التي يصطدم بها استهداف أبو تريكة وتصعيد الاستهداف إن تم.
بالمقابل جاء دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة، وسط قلق أطراف كثيرة وحفاوة مصرية رسمية، ربما لأن حديثه فيه الكثير مما نسمعه في مصر. فقد أكد ما يحمل معنى «بكره تشوفو أمريكا» وهو يكرر أن أمريكا ستكون قوية مرة أخرى، في إشارة أثارت تساؤلات داخلية حول الزمن الذي يرغب في العودة إليه، والذي يرى أن أمريكا كانت فيه قوية بشكل يحتاج العودة إليه. تظل أمريكا تلك هلامية ومثيرة لقلق داخلي ودولي، مثل مصر التي يفترض أن نراها في الغد رغم كل غد مر علينا ولم يقربنا من مصر أفضل وأقوى وأكثر استقلالية كما قيل. يبدو خطاب ترامب في روحه مثل خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإن لم يكرر في نهايته تحيا امريكا ثلاث مرات.
أما حديثه عن أن برنامجه هو دعم أمريكا واقتصادها وغيرها من التصريحات التي عبر عنها كثيرا، فهو خطاب أقرب لصندوق تحيا أمريكا الذي لم يعلن عنه، وقد يمتد ليصبح على أمريكا برسالة وحديث الفكة الشهير. حديث لم يبتعد عن أبو تريكة، وهناك من وجه له حديثا مباشرا بأنه يمكن أن يتجاوز ما يتعرض له عبر التبرع لصندوق تحيا مصر وكأنه مجرد صندوق ابتزاز للمواقف، وما يحدث له مجرد تصفية حسابات له ولغيره، وتهديد غير مباشر بأن لا حدود لاستهداف أحد.
يقف ترامب في بداية حكمه ليندد بالإعلام، ويؤكد أن ما نقل عن مشاركة عدد أقل في يوم تنصيبه مقارنة بما حدث يوم تنصيب الرئيس الأسبق باراك أوباما، وحتى سقوط الأمطار من عدمه، مجرد عيب في الإعلام، وليس حقائق تنقلها الكاميرات والصور ويعايشها الناس. هو الإعلام نفسه الذي يندد به السيسي ويرى أنه لا يعبر عن رؤية النظام ويطرح اسئلة في وقت يفترض أن يكون الإرهاب أولا ورؤية الحاكم مقدمة بوصفه الفيلسوف الذي يعرف المرض والعلاج.
ولأن ترامب لديه مشكلة مع الأجانب والمسلمين وغيرهم، فربما يجد من يطرح أغنيه توضح تلك الرؤية، وتؤكد على أن الأمريكان من وجهة نظره شعب وغيرهم شعب. تمييز طبيعي أن ترحب به حكومات سبقته على الدرب، وتعتمد علي التمييز، وترى كل معارض خائنا، وكل مختلف عدوا، وكل مطالب بالإصلاح أجندات وتهديدا للدولة وقوى شر.
ما نعرفه عن عالم ترامب في اللحظة يبدو مخيفا، فرصة للمزيد من القمع باسم تحالفات دعم السلام أو إسرائيل، ومحاربة الإرهاب أو الإسلام المتطرف، أو قوى المعارضة أو الشر، أيا كان توظيف وتسمية النظام المعني، والتضحية بالمزيد من الحريات باسم حماية الأوطان. عالم ترامب فرصة لغض الطرف عن معاناة البشر أكثر مما كان من أجل تمرير مصالح أمريكا، والأسوأ وربما الأخطر أنه فرصة لتنازلات مريرة لنظم يصعب تخيل ما يمكن أن تدفعه من أرض وموارد، لمجرد إبقاء كراسيها محمية لا تمس لعقود أخرى مقبلة. وإن كان عالمنا يحكمه البؤس فما ترامب في اللحظة إلا تعظيم لقوى البؤس والطغيان في هذا الجزء من العالم.
بالمقابل فإن عالم أبو تريكة أكثر رحابة وحبا وتقديرا للبشر ولقيمة الإنسان وأخلاقه ومواقفه. عالم أبو تريكة عالم أقل طبقية يصعد فيه الإنسان بما يملك من كفاءة أو موهبة، ويحظى بمكانته متوجا كملك للقلوب بأخلاقه واحترامه لنفسه والآخرين. عالمه أكثر سعادة ليس فقط لأنه أدخل السعادة مرات لبيوت المصريين ومنحهم لحظات فرحة لم تستطع السلطة أن تقدمها، لكنه أعطى مثلا وقدوة وحلما. نموذج ملهم للحراك الاجتماعي في مصر كما في غيرها.
يقول الرائع شارلى شابلن، «لا شيء دائما في هذا العالم المخيف حتى الأزمات» وفي هذا الكثير من العزاء وفرصة لتربية الأمل في أن تنتصر روح الجمال والسعادة والإنسان على روح القوة والعنف والقمع، أن تنتصر بذور الحرية وتثمر في شجرة العدالة الاجتماعية ثمرات الكرامة الإنسانية الجديرة بالانسان والأوطان.
كاتبة مصرية
عبير ياسين
يا فرعون مين فرعنك – ملقتش حد يلمنى
” مثل مصري يحكي الواقع الأليم بأم الدنيا ”
الأصعب هو الكلام عن أن القضاء شامخ !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
انا نفسي افهم , هو ليه العرب تاركين مشاكلهم ومش شايفيين غير السيسي ومصر , والله نفسكم تبقوا زي مصر في حراكها اليومي والطبيعي
امامكم سنييين طويله من اجل فهم مايحدث .
لأننا نحب مصر وشعب مصر فقط لا غير
ولا حول ولا قوة الا بالله