باريس ـ «القدس العربي» من سليم البيك: وإن كان الفيلم قد اتّخذ اسمه من اسم الكلب، إلا أنّ «ترومان» هو فيلم بطله، الشّخصية الرئيسية التي تلحقها الكاميرا في معظم زمن الفيلم، وتنطبع المَشاهد بجانبيْن من حياته: المأساة التي يعيشها وهي إصابته بالسّرطان، وشخصيّته السّاخرة وغير المبالية بحالته، أو البادية كذلك. الأولى تخصّ المحيط به أكثر مما تخصّه، صديقه مثلاً نراه أكثر انشغالاً من صاحب المرض بالمرض، كما تخصّ ردود فعل الآخرين على مرضه هو، من أخته إلى زملائه. أما الثانية فتخصّه هو، شخصيّته وكيفيّة استجابته لحالته الصحّية، أي إصراره على إيقاف علاجه وعلى إكمال حياته كما تعوّد والسّخرية ممّن حوله ومن نفسه، والأهم قلقه على كلبه، ترومان، على ما سيحل بالكلب بعد موته هو، فيكون الفيلم، على طوله، رحلة بحث عن عائلة تتبنى كلبه.
يبدأ الفيلم بتوماس (خافيير كامارا) يغادر بيته في كندا متوجّهاً إلى مدريد، هناك يُفاجئ صديقه خوليان (ريكاردو دارين) بزيارته. يبدآن حديثاً عادياً ويخرجان ليمضي خوليان يومه العادي إنّما مع صديقه، فيُخرجان الكلب للتنزّه ثم يذهبان إلى عيادة بيطريّة ونرى خوليان قلقاً على حالة كلبه النّفسيّة وما يمكن أن يتغيّر عليه إن وجد أحداً يتبناه، ثم يذهبان إلى المستشفى ليخبر خوليان طبيبه، أمام صديقه، بعدم رغبته في إكمال العلاج.
هنالك توازٍ في الحياة التي يعيشها خوليان لنفسه وتلك التي يعيشها من أجل كلبه، يمضي صباحه مع أطبّاء لأجل الاثنيْن، يبحث عن علاج لكلبه ويرفضه لنفسه، يفتح أحاديث عن حال كلبه إن مات هو قريباً ويرفض أي حديث عن حياته. وأكثر ما آلمه في الفيلم كان حين قابل عائلة يمكن أن تتبنى الكلب واضطرّ لأن يتركه ليوم عندهم ليجرّبوه، قال لصديقه أنّه للمرة الأولى سينام بعيداً عن كلبه مند سنين، طالباً منه أن لا ينام في الفندق ليلتها وأن يأتي لينام عنده.
تمتد زيارة توماس لأربعة أيّام، يمضيانها في المدينة، في المطاعم والبارات، في العيادات، في المسرح حيث يعمل خوليان كممثل، في البيت، لا يفترقان إلا في آخر الليل ويجتمعان صباحاً، يذهبان حالما يستيقظان إلى أمستردام ليرى خوليان ابنه الذي يدرس هناك من دون أن يخبره بحالته الصحّية، ويعودان في المساء.
والسّخرية لديه ليست تعاليا على المرض لكنّها أقرب لتكون سوداء مليئة بالحزن، المواقف كوميدية، حوارات الصّديقيْن مع بعضيْهما فيها من الكوميديا الكثير، لكن السياق الذي تأتي فيه هذه الحوارات هو مرض خوليان وموته المرتقب.
في المكتبة يحاول توماس أن يهدي صديقه كتابيْن عن سيكولوجيا الحيوانات ليتلهّى عن أسئلة موته القريب، حسبما قاله الطبيب لكليْهما، لكنّ خوليان يختار أن يضيف إليهما كتاباً عن الموت، قائلاً بأنّه سيذهب إلى هذا العالم قريباً، وبأنّه إن إراد الذّهاب حتى إلى تايلندا لاقتنى كتاباً عنها، فاضطرّ توماس لإهدائه هذا الكتاب أيضاً.
إن كان الفيلم قد صوّر بحكايته عبثيّة الحياة وجدارة السخرية منها إن كان الموت قريباً ونعرف باقترابه، وجدارة أن يعيش المرء أيامه إلى آخرها، فقد قال خوليان لطبيبه حين قرر التوقف عن أخذ العلاج بأنّه تبقّت له، في كل الحالات، أيام قليلة لا يريد أن يمضيها داخلاً إلى المستشفى وخارجاً منه، إن كان الفيلم قد صوّر هذه التعقيدات العبثيّة فقد كان كذلك من أوّله إلى آخر صورة عن الصّداقة والإخلاص بجانبيْهما: صداقة توماس بخوليان المريض وصداقة خوليان بترومان، الكلب العجوز الذي رفضت العائلة تبنّيه لأنّه قد يموت قريباً.
تثير الكثير من المَشاهد الضّحك ويثير بعضها البكاء، وقد يترافق الضّحك والبكاء، أو قد يبكي أحدنا في وقت يضحك فيه آخرون في الصّالة، أو نضحك في مشهد قد يناسبه البكاء أكثر. وللموسيقى في الفيلم تأثيرها في ذلك، وكذلك اللقطات القريبة على وجهَي توماس وخوليان، خاصة الأخير ونعرف من نظراته أنّه سيموت قريباً.
الفيلم الإسباني الأرجنتيني «ترومان» من إخراج سيزغ غاي، وقد شارك في مهرجانَي تورونتو وسان سباستيان السينمائييْن، ونال في حفل جوائز الغويا الإسباني جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل رئيسي وأفضل ممثل ثانوي، وأفضل سيناريو، ونال جوائز أخرى يصل مجموعها حسب موقع IMBD إلى 26 جائزة حول العالم.