أربعة نماذج متباينة الأساليب والمدارس : التشكيل «الأنثوي» في معارض القاهرة… من الكلاسيكية إلى التجريب

القاهرة ــ «القدس العربي» : من خلال عدة معارض مُقامة الآن بالقاهرة، حاولنا أن تكون خاصة بالإبداع التشكيلي الأنثوي، وما يحمله من دلالات تجاه الفن وتاريخه، وبالتالي طريقة تناول موضوعات تهم المرأة في المقام الأول. والملاحظ على هذه المعارض أنها ضمت مدارس تشكيلية مختلفة، تتجاور مع بعضها ولا تنفي إحداهما الأخرى.
فبينما يصل التجريب مداه كما في معرض الفنانة سارة الدبوسي، تبدو أعمال الفنانة مرفت رفعت مُغرقة في الكلاسيكية، وبينهما تأتي التجربة المتميزة للفنانة أمينة سالم بحسها الصوفي وتكويناتها المُعتمدة على تكنيك الكولاج، وأخيراً معرض الفنانة زينب السعودي التي تنطلق من عوالم سوريالية تقترب من التجريد إلى حدٍ كبير. ربما مُصادفة تزامن هذه المعارض معاً هو ما أتاح عقد المقارنات بين الأساليب والمدارس التشكيلية المختلفة، التي تحاول المرأة من خلالها تجسيد حالة فنية متباينة لونياً وتشكيلياً.

فتيات مرفت رفعت

تحت عنوان «زهور القمر» أقامت الفنانة مرفت رفعت معرضها في جاليري (دروب)، الذي ضم 25 لوحة من لوحاتها، التي تجسد أسلوباً غاية في الكلاسيكية، من حيث التصميم وحركة الجسد وتكوين اللوحة، وصولاً إلى اللون، مستخدمة خامة الباستيل في تنفيذ لوحاتها. وجوه لفتيات مختلفات، تبدو كل منهن وكأنها بورتريه كلاسيكي، خاصة توزيع الإضاءة الذي عكس وجوههن وملامحهن الغارقة في الرّقة. من ناحية أخرى تباينت الفتيات من حيث البيئة المنتميات إليها، فتنوع البيئات، التي جاءت كخلفية لتكون الفتيات الذي يحتل المساحة الأكبر من اللوحة، يحاول رصد التباين بين الفتيات أنفسهن.. البيئة الجبلية والصحراوية والبحرية، وهو ما اختلفت معه ملابس الشخصيات وألوانها، كحالة تمازج بين الشخصية والبيئة التي تنتمي إليها، جاء ذلك من خلال اللون والحركة وطبيعة تكوين الجسد، إضافة إلى انعكاس حالة ما من الصوفية، حالة من الإشراق والأمل البادي في وجوههن الشابة بطاقة كبيرة من الحياة، رغم الصمت التام الذي يبدو في اللوحة، إلا أن إيماءة الوجه وحركة الجسد توحي بهذه الطاقة الكبيرة، من ناحية أخرى نجد مفردات مُكملة في اللوحة تعكس حالة الصفاء هذه .. كالقواقع والناي وباقة الزهور، حالة بعيدة عن الصخب، وسكون ترتضيه الشخصية وتبدو وكأنها وجدته بعد رحلة بحث طويلة.
سيريالية زينب السعودي

تبدو لوحات الفنانة زينب السعودي مزيجاً ما بين السيريالية والتجريد، محاولة التعبير عن حالات لاشعورية من خلال التكوينات والألوان المتناقضة، لخلق قدر أكبر من التباين اللوني في اللوحة. جاء معرضها بعنوان «بين الأسطورة والتشكيل»، وقد أقامته بـ(أتيليه القاهرة). وتبدو المرأة دوماً مُتصدرة اللوحة، وفي لون أكثر سطوعاً، بينما يبدو الرجل في الخلفية والإضاءة الخافتة تكاد تمحي تفاصيله، إضافة إلى وجود الحيوانات كالقط، وهو رمز فرعوني قديم، مع المبالغات في النسب وأحجام المخلوقات التي تملأ خلفية اللوحة، وكأنها أشباح تجاهد في الظهور أكثر، إلا أن المرأة التي تتصدر المقدمة وتبدو أكبر حجماً تكبح في قوة ظهور هذه الأشباح. حالة أخرى تحاول الفنانة تجسيدها من خلال جسد كبير يحوي العديد من الوجوه والأجساد الأصغر غير المُكتملة التكوين في ما يُشبه الهياكل العظمية، وهو ما يُذكّر بأعمال سلفادور دالي للوهلة الأولى، ولكن مِسحة التجريد تبتعد عن طريقة دالي وتكويناته، اللهم فقط حركة الجسد وتكوينه في فراغ اللوحة، الصاخبة بالوجوه وأجزاء الأعضاء البشرية.

صوفية أمينة سالم

من المعارض المتميزة يأتي معرض الفنانة أمينة سالم، الذي أقامته بجاليري (بيكاسو)، وجاء بعنوان (انطباعات). وهنا تستخدم الفنانة تكنيك الكولاج في العديد من اللوحات، إضافة إلى الاحتفاء بحركة الجسد الأنثوي أو الذكوري، في حالة توحد تام، إضافة إلى الألوان الصاخبة والموحية بحالة حيّة على الدوام، احتل اللون الأحمر أغلب اللوحات. ما بين التكوين الجسدي للراقصات وما بين الحركة الظاهرة في طفل أو مجموعة أطفال يرتلون القرآن، هذا التوحد في الحركة يخلق حالة من الوجد الصوفي ــ إن جاز التعبير ــ حالة الاحتفاء بالجسد هذه تعبّر عنها الفنانة في تنويعات وتتابعات الحركة، لتخلق توترا دائما في اللوحة تتراوح بين إيماءة رأس مقرئ القرآن، وذراعي راقصة يصبحان أربع أذرع تحاول خلق دائرة في اللوحة، حيث يميل جسد الراقصة للناحية الأخرى حتى يتم استكمال الدائرة، وهي رمز صوفي معروف، فالراقص الصوفي يصبح هنا امرأة. إضافة إلى تمثل هذه الحالة في الثقافات المختلفة، كلوحتها المعنونة بـ»الكارما» على سبيل المثال. كما تعتمد الفنانة على بعض العبارات والمقولات مثل .. «الحظ لما يأتي/ما كنتُ أومن بالعيون وسحرها، حتى رمتني بالهوى عيناك».
تجريب سارة الدبوسي

حاولت الفنانة سارة الدبوسي مدرسة التصميم والزخرفة في كلية التربية النوعية من خلال معرضها الذي أقيم بـ «أتيليه القاهرة/قاعة محمد ناجي»، وجاء بعنوان (تجليات ورقية) أن تخلق أعمالاً تجريدية من خلال اللون والخط وتشكيلات الورق، وهنا تبدو اللوحات في ما يشبه الحوار الدائم بين اللون والتشكيل وملمس الخامة المُستخدمة ــ تشكيلات الورق ــ محاولة نقل انطباع للمُتلقي من خلال هذه التكوينات والتشكيلات المختلفة، اعتماداً على تصميمات مُتعددة الأجزاء، التي تبدو منفصلة التكوين، لكنها توحي للعين بتشكيل عام مختلف عن هذه الأجزاء المنفصلة، في تركيب أقرب للتركيب الهندسي، وخلق منظور وعمق في اللوحة، من خلال هذه التكوينات. وهي تجربة متميزة تعتمد في أساسها على اللون وطريقة بناء عناصر اللوحة وعلاقتها بعين المُتلقي، في إنتاج واستنتاج الدلالات المختلفة، من خلال شكل تجريدي، لا يفرض بذاته انطباعاً موحداً، بل يصبح المُتلقي مُشاركاً وأكثر فاعلية مع العمل الفني.

محمد عبد الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية