أردوغان أول رئيس تركي سيزور اليونان منذ 65 عاماً وسط خلافات كبيرة

حجم الخط
1

إسطنبول ـ »القدس العربي»: في أول زيارة لرئيس تركي إلى اليونان منذ قرابة الـ65 عاماً، ينوي الرئيس رجب طيب أردوغان زيارة أثينا خلال الفترة المقبلة في محاولة لاحتواء الخلافات وتحسين العلاقات بين البلدين الجارين في مهمة يصفها الكثيرون بالصعبة والمعقدة ويشككون في قدرتها على إحداث اختراق ملموس في العلاقات بين البلدين.
فالبلدان يعانيان من تاريخ طويل وحافل يمتد لمئات السنوات من العداء والكراهية تضاف إليه خلافات سياسية وجغرافية كبيرة، فمن بدايات طرد العثمانيين للبيزنطيين من إسطنبول (القسطنطينية) إلى احتلال تركيا لأراض يونانية وثم احتلال اليونان وحلفائها لإزمير التركية ومحيطها وصولاً لحرب الاستقلال التركية وطرد اليونانيين من أراضي الجمهورية التركية وما رافق هذه الحقبة من قتل وتدمير واتهامات بارتكاب مجازر متبادلة.
وحديثاً تواصلت الخلافات من أزمة جزيرة قبرص المقسمة إلى صراع النفوذ على الجزر الأخرى والمجال الجوي والبحري في بحرة ايجه، والصراع على النفط والغاز بالمنطقة، مروراً باتهام تركيا لأثينا بدعم العمال الكردستاني، ولاحقاً جماعة فتح الله غولن، وغيرها الكثير من الخلافات المتجددة.

كراهية تاريخية

«هؤلاء أعداؤنا» هذه العبارة تعتبر بمثابة لازمة كلامية تصدر عن أي مواطن تركي عندما يتم ذكر اسم اليونان التي تعتبرها الأغلبية الساحقة من الشعب التركي «دولة عدو» مستذكرين ما يقولون إنها مذابح وفظائع ارتكبتها القوات اليونانية ضد الأتراك في اليونان وتركيا إبان الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من معارك بين الجانبين.
وبعيداً عن السرد التاريخي الطويل، اُعتبر تمكن العثمانيين الأتراك من تحرير اسطنبول «القسطنطينية» من البيزنطيين بمثابة هزيمة لليونان، وهي ذكرى ما زال يعتز بها الشعب التركي وتثير غضب اليونانيين، وأبرز تجليات هذا الإرث التاريخي ما زال يتمثل في رفض اليونان لتحويل كنيسة آيا صوفيا ـ تم تحويلها إلى مسجد ومن ثم إلى متحف ـ إلى مسجد وتتسبب في خلافات جديدة بين البلدين.
لكن العداء المباشر والأكبر تجلى في الأحداث التي رافقت وأعقبت الحرب العالمية الأولى والتي شهدت هجمات متبادلة واتهامات بارتكاب مجازر متبادلة وشهدت عمليات تهجير وتبادل للسكان وانتهت بتمكن الجيش التركي في بدايات تأسيس الجمهورية من تحرير الأراضي التي كانت تحتلها اليونان وخاصة في إزمير ومحيطها وهو ما تحول لاحقاً ليصبح ذكرى عيد الاستقلال في تركيا.

أزمة قبرص

تعتبر جزيرة قبرص أبرز تجليات الأزمة والخلاف الحديث بين تركيا واليونان، حيث يسعى البلدان من أجل الحفاظ على نفوذهم على الجزيرة المنقسمة بين القبارصة اليونانيين والذين يسيطرون على قرابة 75٪ من مسحة الجزيرة، والقبارصة الأتراك الذين يسيطرون على الـ25٪ المتبقية.
وعقب سنوات من التجاذبات والخلافات، حاولت اليونان فرض سيطرتها الكاملة على الجزيرة من خلال انقلاب عسكري أطاح بالرئيس الموالي لتركيا لكن الجيش التركي تحرك عسكرياً عام 1974 لحماية القبارصة الأتراك وهو ما نتج عنه تقسيم الجزيرة، حيث لا يزال عشرات آلاف الجنود الأتراك يرابطون فيما يعرف الآن «جمهورية قبرص التركية» التي لم تحظ باعتراف دولي حتى اليوم.
ومنذ سنوات طويلة يحاول البلدان التوصل إلى اتفاق نهائي لتوحيد شقي الجزيرة أو تقاسم الأرض والثروات برعاية دولية وأممية ودعم أوروبي إلا أنهما فشلا في إحراز أي تقدم حقيقي ينبئ باحتمال إنهاء القضية التي تعتبر من أبرز الملفات التي تعيق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتبعد الجزيرة عن اليابس التركي جنوباً أقل من 80 كيلومتر، وعن اليابس اليوناني قرابة 800 كيلومتر وهو ما يعتبره الأتراك مخالفاً للجغرافيا وفيه «ظلم تاريخي» واقع عليهم.
ولا تنحصر الخلافات بين تركيا واليونان على جزيرة قبرص، وإنما تمتد إلى العديد من الجزر في بحر إيجه بالإضافة إلى الصراع على النفوذ في البحري الإستراتيجي وحدود المجال البحري والجوي وتقاسم الثروات للبلدين في البحر الذي بات يوصف بأنه «كتلة لهب».
وعلى الدوام تتصـاعد أصوات تركية تنـادي بأحقية أنقرة في أراض أخرى اضطـرت الإدارة التـركية الضـعيفة سـياسياً آنذاك للتنازل عنها بموجب اتفاقيات باتت توصف بـ«الظالمة والمجحفة»، كان آخرها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي طالب ولأول مرة العام الماضي بمراجعة اتفاقية لوزان، الموقعة عام 1923، والتي تم على إثرها تسوية حدود تركيا الحديثة عقب الحرب العالمية الأولى.
وقال إن «خصوم تركيا أجبروها على توقيع معاهدة سيفر عـام 1920، وتـوقيـع معاهدة لوزان عـام 1923، وبسبب ذلـك تـخلت تـركيا لليـونان عـن جزر في بحر إيجه، على الرغم من أن الصرخة من هناك تسمع على الشواطئ التركية»، في إشارة إلى قرب الجزر التي تسيطر عليها اليونان من السواحل التركية وإيمان شريحة واسعة من الشعب التركي بأنها تعود إليهم.
وتتجدد كل فترة المناوشات والمضايقات بين القوات البحرية والجوية اليونانية والتركية في بحر إيجه الذي يشهد نزاع سيطرة على المجالين الجوي والبحري، تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباك عسكري، وسط تحذيرات دولية من إمكانية أن تؤدي إحدى هذه المناوشات إلى مواجهة عسكرية أوسع بين البلدين.
وعلى سبيل المثال تقع جزيرة «إيميا» المعروفة تركياً باسم «كارداك» على بعد سبعة كيلومترات فقط من الساحل التركي وتتنازع عليها اليونان وتركيا ـ وكادت الأمور تصل بين البلدين عام 1996 إلى حد اندلاع حرب لولا ضغط هائل من الإدارة الأمريكية وذلك بعدما أسقطت تركيا مروحية يونانية وقتلت 3 ضباط كانوا على متنها فوق الجزيرة.
وحديثاً، تصاعد الخلاف بين البلدين حول تقاسم الثروات في بحري إيجه ومحيط جزيرة قبرص واستنفرت تركيا قواتها البحرية لمواجهة محاولات يونانية للبدء بالتنقيب عن الغاز في محيط الجزيرة.
اتهمت أنقرة أثينا على مدار العقود الماضية بإيواء ناشطين أكراد متهمين بالانتماء لتنظيم العمال الكردستاني وتنفيذ هجمات دموية ضد الجيش والمدنيين الأتراك ووصفت تركيا اليونان بأنها مأوى لتنظيم بي كا كا الذي يعتبر تنظيما إرهابياً في تركيا وأوروبا وأمريكا.
وحديثاً تصاعدت الخلافات بين البلدين على خلفية رفض أثينا تسليم العشرات من الضباط الأتراك المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب على أردوغان والتي جرت منتصف العام الماضي وهو ما زاد من غضب أردوغان الذي هاجم اليونان بشكل غير مسبوق واتهمها بإيواء «الخونة والإرهابيين والانقلابيين».

زيارة تاريخية

نائب رئيس الوزراء التركي هاكان جاويش أوغلو أكد قبل أيام أن «زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان المرتقبة إلى اليونان تاريخية، وستكون مكمّلة للمباحثات الرفيعة المستمرة منذ مدة بين الجانبين لتطوير العلاقات»، وذلك في تصريحات له عقب زيارة للعاصمة اليونانية أثينا.
وأشار جاويش أوغلو، إلى أن «زيارة الرئيس أردوغان إلى اليونان ستتم مطلع كانون الأول/ ديسمبر المقبل»، مشيراً إلى أن «الزيارة تتمتع بأهمية تاريخية كبيرة»، مؤكداً وجود «مجال تعاون هام وكبير بين أنقرة وأثينا في مجالات الاقتصاد والسياحة والطاقة» وأنه «قد يتم اتخاذ خطوات تتعلق بتعزيز التعاون بين البلدين ضمن هذا الإطار خلال مباحثات أردوغان في اليونان».
وأكّد المسؤول التركي وجود أهداف مشتركة بين البلدين مثل إنشاء خط لنقل المسافرين والحمولات بين إزمير وسلانيك، وخط قطار سريع بين إسطنبول وسلانيك.
وكان اردوغان زار أثينا بصفته رئيسا للوزراء من 2003 إلى 2014، وتندرج الزيارة المرتقبة في إطار استمرارية لقاءات أخرى رفيعة المستوى بين البلدين في الأشهر الأخيرة ففي حزيران/يونيو، التقى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم نظيره اليوناني أليكسيس تسيبراس في أثينا، وقام وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتسياس بزيارة أواخر تشرين الأول/أكتوبر إلى تركيا التقى خلالها اردوغان.

أردوغان أول رئيس تركي سيزور اليونان منذ 65 عاماً وسط خلافات كبيرة
العداء التاريخي بين البلدين يزيد من صعوبة تقاربهما
إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    أفضل لغة بين الدول المتضادة هي لغة المصالح
    فاليونان من دول الإتحاد الأوروبي !
    وتركيا تريد الإنضمام له
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية