أردوغان واستثمار البطة العرجاء

حجم الخط
9

 

هل كنّا بحاجة إلى تسريبات صحيفة «وول ستريت جورنال»، لكي نكتشف أنّ تركيا اتخذت قرار اجتياح الأراضي السورية، على امتداد تخوم جرابلس شمال البلاد، دون الرجوع إلى البيت الأبيض، أو حتى دون التنسيق مع البنتاغون؟ ربما، بمعنى حاجة المرء إلى شاهد من أهلها، ليس أكثر؛ لأنّ الوقائع على الأرض، مثل المنطق السائد منذ خمس سنوات، تشير في مجموعها إلى أنّ المقاربة الأمريكية ـ أو، على وجه الدقة: خيارات الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً ـ لم تكن تتناغم، في الحدود الدنيا أو القصوى، مع المقاربة التركية.
فإذا أضيفت إلى هذه الخلاصة حقائق المتغيرات التركية، وهي متعددة ونوعية وفارقة (من الانقلاب الفاشل، إلى التطبيع التركي ـ الروسي، والآخر التركي ـ الإيراني الوشيك)؛ فإنّ إقدام أنقرة على مباشرة عملياتها العسكرية في العمق السوري كان يفترض، ولعله اقتضى أيضاً، مباغتة واشنطن على نحو يكرّس أمراً واقعاً لا رادّ له. ليس على الفور، في كلّ حال؛ بل، كذلك، ليس دون إجبار البنتاغون على التغطية الجوية للعمليات التركية، باعتبارها تستهدف «داعش» أيضاً، أو «أوّلاً» حسبما طاب للتفسير الأمريكي أن يجمّلها (مقابل التفسير التركي الذي وضع محاربة المشروع الكردي في الشمال السوري على قدم المساواة مع قتال «داعش»).
إلى هذا، ثمة في المباغتة التركية طراز بارع من استغلال حال «البطة العرجاء»، التي تعيشه الإدارات الأمريكية خلال الأسابيع القليلة قبيل انتخابات رئاسية لا يكون الرئيس القائم مرشحاً فيها. وفي الداخل الأمريكي، كما عبر المحيطات والبحار، يشهد العالم تسابقاً محموماً على استغلال رئيس كامل الصلاحيات، بالطبع؛ لكنه، مع ذلك، مقيّد بعُرف شائع ـ وقد يكون مستحباً أيضاً، ديمقراطياً ـ يُلزمه بتأجيل القرارات الحاسمة ما أمكنه ذلك، وترحيلها إلى الرئيس المقبل. فكيف إذا كان أوباما يتخفف، أساساً، من أعباء ملفّ سوري أشعل رأسه شيباً، كما عبّر! وكيف إذا كان يتمنى أن يُعفى من أيّ وزر يزجّ به في معمعة ضروس!
وحسب «وول ستريت جورنال»، كانت واشنطن تدرس طلباً تركياً بمدّ يد المساعدة اللوجستية في عملية تركية تستهدف «داعش»، بعد التفجير الإرهابي الذي طال عرساً في غازي عنتاب وأودى بحياة 54 وجرح العشرات، حين فوجئت بتحرّك الدبابات التركية نحو الداخل السوري. وهذه خطوة أسفرت عن ذلك المشهد السوريالي العجيب، حين وُضعت وحدات مدعومة من واشنطن، داخل صفوف «الجيش السوري الحر»؛ في مواجهة وحدات مدعومة أيضاً من واشنطن، داخل صفوف الكرد!
غير مستبعد، والحال هذه، أن تكون موسكو في الوارد إياه، أي استثمار ركود البطة العرجاء، ليس في موقف الصمت (الراضي، عملياً) إزاء التحرك التركي في العمق السوري، فحسب؛ بل كذلك من خلال التصعيد الروسي في أوكرانيا، وطرق الحديد وهو متقد. غير مستبعد، في المقابل، وبالمقادير ذاتها، أن تكون طهران قد لجأت إلى لغة صمت مماثلة، خاصة وأنّ مناهضة إيران لأي جغرافية كردية متصلة ـ أي ممهدة لكردستان ما، آتية أو وليدة ـ ما تزال على حالها، منذ قرون الشاهات وحتى عقود آيات الله. هذا بافتراض أنّ القوى الكردية في سوريا، خارج إطار حزب الاتحاد الديمقراطي، ليست سعيدة بتقليم أظافر الحزب وأجنحته العسكرية تحديداً، والحدّ من هيمنة قيادات الـPKK في جبال قنديل على القرار الكردي المحلي.
فإذا تحوّلت العملية العسكرية التركية إلى مشروع سياسي عريض، فإنّ رصيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال خمس سنوات من عمر الانتفاضة السورية، سوف يحقق واحداً من أدسم أرباح استثمار «البطة العرجاء».

أردوغان واستثمار البطة العرجاء

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ليس هذا فقط بل لأن تركيا إكتشفت ضلوع الإدارة الأمريكية مباشرة بالإنقلاب بشهادة الإنقلابيين أنفسهم
    ولهذا إستغلت تركيا هذه التهمة الثابتة في لي ذراع أمريكا في السماح للتدخل التركي المباشر بسوريا !
    وكذلك إنسحاب أمريكا من تعهداتها للإنفصاليين الأكراد بسوريا في تحقيق حكم ذاتي لهم بشمال سوريا
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ابومحمد السوري:

    انا اتوقع ان الصمت الأمريكي سببه ليس خمول البطة العرجاء بل محاولة لإرضاء الحكومة التركية بعد فشل انقلاب عملاء امريكا في الإنقلاب على الحكومة الإسلامية في تركية نحن لم نتفاجأ بتضحية امريكا بعملائها الأكراد من جماعة البي كاكا لأننا نعرف ان امريكا تفضل مصالحها على الإحتفاظ بأعميل لها وكبر دليل على ذالك هو عدم قبولها ومعها كل الدول الغربية بإعطاء الشاه المخلوع اللجوء الى بلادهم ولولا السادات لبقيت طائرة الشاه المخلوع معلقة في السماء امريكا استغلت الأكراد لتنفيذ مشروع اوسطها الكبير وكانت على حافة النجاح لو نجح الإنقلاب اللذي قامت به ضد الحكومة التركية

  3. يقول ماء مبلول:

    إذا تم تهميش الأمريكان من تدخلاتهم في المنطقة سيؤدي هذا إلى نسبة عالية جدا من حل المشاكل التي نراها في المنطقة و ما سيتبقى بعدها من مشاكل ستكون أشبه بضرب بالعصا لما تبقى من الفلول التي تعبث في الساحة السورية و لكن شرط أن يكون هذا الضرب بشكل مؤلم جدا بحيث تجعل من الذين إستخدمتهم أمريكا كمطايا للوصول إلى أهدافها مطيعين راضخين متناسين أي إنفصال أو أي تأسيس لدولة أو كيان غير المكون السوري نفسه على الأراضي السورية و يا حلم ( الكرد ) بقي حلما لم و لن يتحقق .

  4. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    في اعتقادنا المتواضع ان الولايات المتحدة لا تتخد قرارا او تفعل شيئا الا بعد ان يتناسق دلك مع مصالحها فحتى لو كان الاجتياح التركي للاراضي السورية تم دون الرجوع الى البيت او دون التنسيق مع وزارة الحرب الامريكية فان دلك لا يعني ان هناك توترا او خللا او خلافا في العلاقات التركية الامريكية يمكن ان يؤدي الى قطيعة او برودة بينهما فتركيا كانت دائما ولا زالت على امتداد حكوماتها المتعاقبة تمثل احدى الركائز الاساسية للمشروع الامريكي في المنطقة فالخلل الخطير يكمن في المنطقة العربية المكلومة والمبتلاة بانظمة فقيرة في رؤيتها الاستراتيجية ويغيب عن قاموسها كل مقومات النهوض والخطط الجادة لانقاد العالم العربي من السقوط الحتمي المريع كما حدث دات يوم في الاندلس فما يجري في سوريا واليمن وقبله العراق وليبيا ما كان ليحدث لو كانت هناك انظمة وطنية وديمقراطية كفؤة ونزيهة وعادلة ومنصفة تؤمن بالمصلحة العليا للاوطان والتداول السلمي للسلطة ومؤسسات دينية لا تخاف لومة لائم في قول الحق واحزاب شريفة ومعارضة بالمعنى الصحيح للكلمة وعدالة مستقلة وتعليم ناجح وشعوب عربية حرة تقدس العلم والعمل وما الى دلك من الاسباب والعوامل التي تحمي المنطقة العربية من الاخطار المحدقة بها من جانب ولكن بكل اسى واسف نجد العكس هو السائد مما شجع كل البلدان المارقة وعلى راسها الدوائر الصهيوامريكية والغربية على العبث بمصير بلداننا ومستقبل شعوبنا والادهى والامر ان هدا يتم بمباركة انظمتنا ومساهمة كل منعدمي الضمير ممن ينتسبون زورا وبهتانا لهده الامة الممزقة والمنقسمة على داتها.

  5. يقول ahmed maroc:

    أرذغان رجل سياسة . يلعب السياسة مع الكبار ومع دون ذلك .يتماشى مع ظروف وينتهز الفرص لتحقيق مآريبه.فهو لم يتردد بإصلاح سياسته مع روسيا وإسرائيل ليحرج أمريكا ويفتك بعدوه الأول ًالأكراد ً . ربما سيصلح سياسته مع بشار وسيسي حتي يسهل عليه تحطيمهما من الداخل. لو كان بشار ونصر الله لهم شيئ من السياسة التي يمتنهونها لما بقوا على مواقفهم طول هاذ الوقت مثل الجبال

  6. يقول عادل:

    حلم الاكراد بالانفصال تم استغلاله من طرف امريكا وروسيا. الاولى لمحاربة داعش والثانية نكاية في الترك. لكن بعد التقارب التركي الروسي ضحى الروس بهم. والامريكان لايمكنهم خسارة تركيا من اجل الاكراد.
    الامر الذي لافهمه من احد الاخوة انه يصف الاكراد بانهم انفصاليين في حين انه يساند انفصاليين اخرين في بلد عربي ويساند حقهم في تقرير المصير. فما هذا الكيل بمكيالين؟
    ولاحول ولا قوة الا بالله

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي عادل وحيا الله الجميع
      نعم الأكراد إنفصاليين لأنهم يريدون الإنفصال عن سوريا
      لكن الصحراويين ليسو إنفصاليين لأن بلادهم محتلة من الجار والشقيق المغرب
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول عبد الله هولندا:

      حسنا يا اخ داود ، هات ماعندك من الادلة والبرهين والحجج لتثبت بها ادعاءك بان المغرب محتل للصحراء . ولك جزيل الشكر المسبق .

    3. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي عبد الله وحيا الله الجميع
      وهل يغطي الغربال الشمس يا صديقي ؟
      ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية