إسطنبول ـ «القدس العربي»: يقترب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من أي وقت مضى من ترسيخ النظام الرئاسي في البلاد وتعزيز سلطاته بشكل مطلق من خلال كتابة دستور جديد وعرضه على الاستفتاء الشعبي، في ظل تأكيدات أن ذلك سيتم خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة.
وعلى الرغم من حالة الطوارئ والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف تموز/ يوليو الماضي، إلا أن أردوغان الزعيم الأقوى في البلاد منذ 13 عاماً لم يتخل عن طموحاته بكتابة دستور جديد يتضمن نظام رئاسي يعزز من قبضته على السلطة في البلاد.
ومع المعارضة الشديدة التي واجهتها رغبات أردوغان من قبل جميع أحزاب المعارضة بتوجهاتها المختلفة، لجأ الرئيس التركي إلى إضعاف المعارضة التي تعاني من ترهل ومشاكل داخلية غير مسبوقة أدت إلى ضعف موقفها ومواجهتها لسلطة الرئيس الذي خرج من محاولة الانقلاب الفاشلة أقوى من السابق، وذلك بعد أن قام بحملة تطهير شملت عشرات الآلاف من المشتبه بمشاركتهم في الانقلاب من الجيش والأمن وجميع مراكز السلطة في الدولة.
وكثف أردوغان طوال الأشهر الماضية من حربه على حزب الشعوب الديمقراطي ممثل الأكراد في البرلمان عبر رفع الحصانة البرلمانية عن نواب الحزب بتهمة دعم مسلحي حزب العمال الكردستاني الذي يصنف على رأس قائمة المنظمات الإرهابية وكثف هجماته الدامية طوال الأشهر الماضية، الأمر الذي زاد من نقمة المواطنين الأتراك وشريحة من الأكراد على نواب الحزب وقادته.
وبينما تتجمد شعبية حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة عند مستواها الطبيعي، تراجعت مكانة حزب الحركة القومية المعارض الذي حل رابعاً في البرلمان في الانتخابات الأخيرة، بعد أن ظل يحافظ على المركز الثالث لفترة طويلة، وسط خلافات متصاعدة داخل الحزب قد تؤدي به إلى مزيد من التراجع في أي انتخابات مقبلة.
والثلاثاء، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، ستقدم للبرلمان مقترحات تشمل تعديلات دستورية وموضوع الانتقال إلى النظام الرئاسي، فيما قال أحد قادة الحزب الحاكم، الأربعاء، إن تقديم مقترح الدستور للبرلمان سيجري على الأغلب في شهر تشرين أول/ديسمبر، بينما سيتم إجراء الاستفتاء في شهر نيسان/أبريل من العام المقبل.
وحول ما إذا كان قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن الاستفتاء على الانتقال للنظام الرئاسي، قال يلدريم إن الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، ستعرض على البرلمان التركي مقترحات تشمل تعديلات دستورية وموضوع النظام الرئاسي، وسيكون القرار بيد البرلمان، لافتاً إلى أن موعد الاستفتاء سيكون «في أقرب وقت ممكن».
وبرر يلدريم مساعي التحول للنظام الرئاسي بأن «الشعب انتخب أردوغان، رئيسا للبلاد (عام 2014)، بنسبة 52٪، والمسؤولية السياسية التي جاءت بذلك على عاتقه.. اليوم تغير كل شيء مع انتخاب رئيس البلاد بشكل مباشر من قبل الشعب، ونتجت بذلك مسؤولية سياسية على رئيس الجمهورية، ونحن نريد إزالة حالة الاضطراب الراهنة في النظام»، مؤكدا أن طريقة ذلك تتمثل في الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي».
لكن التطور الأبرز في هذا الإطار جاء على لسان رئيس حزب الحركة القومية المعارض دولت بهجه لي، الذي قال إنه لا يعارض اللجوء إلى الشعب (عبر الاستفتاء)، لأخذ رأيه (بخصوص الانتقال إلى النظام الرئاسي)، وكرر، الثلاثاء، تصريحات مشابهة حيث قال إن حزبه يؤيد الإبقاء على النظام البرلماني مع إجراء إصلاحات فيه، إلا أنه لا يرى بأسا في اللجوء إلى استفتاء الشعب التركي».
وفسرت وسائل الإعلام التركية تصريحات باهتشلي المتعلقة بضرورة إيجاد صيغة من شأنها إنهاء الجدل الدائر حول النظام الرئاسي على أنها بمثابة الضوء الأخضر للحزب الحاكم بإمكانية الذهاب إلى استفتاء شعبي.
التغيير الحاصل في موقف زعيم حزب الحركة القومية، أثار غضب ومخاوف أكبر أحزاب المعارضة، التي رد على تصريحاته من خلال المتحدثة باسمه «سيلين ساياك بوكيه» والتي انتقدت موقف الحزب واصفة إياه بـ «الإطار البديل لدى الحكومة»، في تشبيه منها له بإطار السيارة الذي يُستعان به وقت الأزمات. كما عارض زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش الثلاثاء «المشاركة في هذا التصويت المهزلة (…) مثل تشريع الدكتاتورية من خلال صناديق الاقتراع».
ورداً على ذلك، قال دولت باهتشلي زعيم حزب الحركة القومية: «قالوا عنا بأننا قدّمنا النظام الرئاسي إلى القصر على طبق من ذهب، ومن هنا أقول لهم: إن كنتم تجيدون الحديث تحدثوا، وإلا التزموا الصمت كي يظن الآخرون بأنكم رجال»، لافتاً إلى أن حزبه لا يخاف من التوجّه نحو استفتاء شعبي في هذا الصدد «نحن لا نخاف من أن نسأل الشعب، ولا نشعر بأي حرج أو تردد بالذهاب إلى استفتاء شعبي في هذا الصدد».
ويمكن الموافقة على أي تعديل دستوري إذا صوت لصالحه ثلثا البرلمان (367 صوتا من بين 550 هي عدد مقاعد البرلمان) ومن أجل طرح تعديل الدستور في استفتاء شعبي هناك حاجة لموافقة ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان (330 صوتا) يملك حزب العدالة والتنمية 317 مقعدا في البرلمان، ولذلك فهو يحتاج إلى دعم أطراف أخرى لإجراء أي تعديل للدستور أو طرح التعديل في استفتاء شعبي.
ولهذا السبب تحمس أردوغان وحزب العدالة والتنمية بعد أن طرح بهتشلي الذي يرأس حزبا يملك 40 مقعدا في البرلمان هذه الفكرة.
وقال مصطفى شينتوب، رئيس لجنة الدستور في البرلمان والعضو البارز في حزب العدالة والتنمية، إن إجراء الاستفتاء قد يكون ممكنا في ربيع عام 2017.
وقال وزير العدل بكير بوزداغ «إذا وافق حزب الحركة القومية، فيمكننا تغيير النظام الإداري في تركيا في مطلع عام 2017».
وخلال الجلسة الافتتاحية للدورة التشريعية للعام الحالي، قبل أيام، أكد رئيس البرلمان التركي إسماعيل قهرمان، إن من أولويات أعمال المؤسسة التشريعية صياغة دستور مدني جديد وبسيط يصون الحريات ويعلي من شأن الفرد، على حد تعبيره.
هذه التطورات تعيد إلى الواجهة سيناريو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في البلاد، وفي هذا الإطار كتب مراد يتكين في صحيفة حرييت: «هناك تقارير من داخل كواليس حزب الشعب الجمهوري تدعي أن كمال كليتشدار أوغلو طلب من نوابه الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة في شهر أبريل/ نيسان 2017.. وهناك أيضا تقارير تفيد بأن الهيئة العليا للانتخابات تُحضر لطبع بطاقات الاقتراع».
ويضيف الكاتب: «وحسب ما يتردد في أنقرة ـ استنادا على تصريح رئيس الوزراء الأخير بأنه لا يوجد اسم واحد في حزب العدالة والتنمية على صلة بالداعية فتح الله غولن المقيم في أمريكا والمتهم بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل ـ فإن إجراء الانتخابات المبكرة يمكن أن يعطي أردوغان ويلدريم الفرصة للإطاحة بأسماء يشتبه في صلتها بغولن، وتخليصهم من الصداع السياسي الناجم عن الملاحقات القضائي».
وفي حال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، يتوقع مراقبون واستطلاعات الرأي أن لا يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من اجتياز نسبة الـ10٪ اللازمة لدخول البرلمان، في حين ستتقلص نسبة حزب الحركة القومية، وبقاء نسبة حزب الشعب الجمهوري على ما هي عليه، ما يعني بالمجمل حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على نسبة قد تعتبر الأعلى منذ دخوله السلطة عام 2012.
إسماعيل جمال
بالنسبة لي فإن النظام البرلماني أفضل بالحريات من النظام الرئاسي
ولا حول ولا قوة الا بالله
المثل الشامي يقول (الله يسعده ويبعده ). ماذا يختار شعبه هذا شأن داخلي .يعمل رئيسا. سلطانا أو حتى ملكا.لكن في تركيا وليس في القاهرة أو أي بلد عربي .السيد اردوغان يتكلم عن تركيا قوية وقصر رئاسي خيالي .ونحن عربا والحمد لله .ونفتخر بامتنا المجيدة.
إذا كانت عملية الاستفتاء الشّعبية نزيهة لا داعي إلى القلق في العملية السياسية ، ومع ذلك أن لا يمكث أي رئيس على الكرسي الرئاسة أكثر من فترتين رئاسيتين حتى لا ينقلب إلى دكتاتوري يتبجح بأن الشّعب أحبه وانتخبه ؟