أزمة اقتصاد مصر سببها الجيش… وليس السياحة

حجم الخط
16

الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر أعمق وأكبر بكثير من أزمة انهيار السياحة، وذلك رغم أن القطاع السياحي يمثل نسبة تتراوح بين 9٪ و11٪ من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد برمته، وهي نسبة ضخمة وبالغة الأهمية، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، لكن الأزمة التي يعيشها الاقتصاد المصري تظل أكبر من ذلك وتبعث على القلق أكثر من أي وقت مضى.
نعلم ويعلم الجميع أن انهيار قطاع السياحة وحده سوف يكلف الاقتصاد المصري ثمناً باهظاً؛ فالتقارير الأكثر تفاؤلاً (قبل سقوط الطائرة الروسية) كانت تتحدث عن نمو اقتصادي متوقع في مصر بنسبة تتراوح بين 4٪ و5٪، ما يعني أن قطاع السياحة لو تراجع بنسبة 50٪ فقط فسوف يؤدي الى انكماش بدلاً من النمو في الاقتصاد الكلي لمصر، علماً بأن التراجع في الحركة السياحية منذ سقوط الطائرة الروسية يتجاوز 80٪.
يمثل انهيار القطاع السياحي أزمة ذات اعتبار وتأثير كبيرين، لكنها تظل عابرة ويمكن تجاوزها إذا تعاملت معها الحكومة المصرية بصورة صحيحة، إلا أن المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها مصر تظل أكبر من ذلك بكثير، حيث أن كافة المؤشرات الاقتصادية التي ترد من هناك تبعث على القلق، وتدفع الى الاعتقاد بأن الظروف الاقتصادية من سيئ الى أسوأ، فضلاً عن أننا نتوقع مزيداً من الانهيار في سعر صرف الجنيه المصري خلال الشهور القليلة المقبلة، بحيث سيصبح الدولار الأمريكي بعشرة جنيهات مصرية خلال فترة وجيزة، بما سيؤدي الى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية والمواد التموينية، ويؤدي تبعاً لذلك إلى مزيد من التدهور في الظروف المعيشية للناس، ما لم يتم طبعاً إنقاذ البلاد والعباد من الكارثة الاقتصادية المقبلة.
الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر اليوم، وأصبحت تتعاظم ككرة الثلج، بدأت يوم أن نزل الجيش الى الشوارع في مصر يوم الثامن والعشرين من يونيو 2013، كان قرار نشر الجيش في مختلف أنحاء البلاد بمثابة انتحار اقتصادي، لسببين: الأول أن الجيش في مصر يهيمن على 40٪ من اقتصاد البلاد، ويلعب دوراً مهماً في تدوير عجلة الاقتصاد وتحقيق التنمية، وانشغاله بمعارك السياسة أو في الحروب يعني تعطيل جزء من الاقتصاد بشكل أو بآخر، وذلك على الرغم من أن الجيش ليس من دوره أصلاً لا العمل في السياسة ولا المشاركة في تدوير الاقتصاد وتعزيز التنمية، إلا أن هذا هو واقع الحال في مصر.
أما السبب الثاني، فهو أن انتشار الجيش في الشارع منذ يونيو 2013 وحتى الان يكبد موازنة الدولة المصرية تكاليف باهظة جداً، وهي التكاليف التي لا يتم الافصاح عنها في مصر، بسبب غياب الشفافية في موازنات الجيش والأمن، وهي التكاليف التي تفسر أين ذهبت المساعدات المليارية التي تلقاها نظام السيسي ويتساءل كثير من المصريين عن اختفائها وأماكن تصريفها.
بحسبة بسيطة لتكاليف انتشار الجيش في شوارع مصر؛ فإن لدى مصر 470 ألف جندي نظامي (دعك من 800 ألف جندي احتياط)، ولو افترضنا أن نصف القوات فقط تنتشر في مختلف أنحاء الجمهورية فان 235 ألف جندي مصري يرابطون في الشوارع منذ أكثر من عامين، وبالافتراض جدلاً (مجرد افتراض) أن تكلفة الجندي الواحد هو دولاران فقط يومياً، فهذا معناه أن الجيش يكلف 470 ألف دولار يومياً، أي 171.5 مليون دولار سنوياً، وهو ما يعادل 1.4 مليار جنيه مصري سنوياً، علماً بأن هذه الحسبة افتراضية بحتة لأغراض التقريب فقط، بينما التكلفة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، حيث من المستحيل أن تكون تكلفة الجندي دولارين فقط في اليوم.
إذا أضفنا الى التكاليف الفعلية لانتشار الجيش في الشارع، تكلفة الفرصة البديلة، أي تكلفة الفرصة الضائعة، ونقصد بها هنا المساهمة الاقتصادية التي كان من الممكن أن يقوم بها الجندي الواقف في الشارع لو تم تشغيله في مصانع الانتاج الحربي بدلاً من وقوفه في الشارع لحماية الانقلاب العسكري، فهذا يعني أن التكلفة سوف تتضاعف عدة مرات، وهو ما يعني في النهاية أن الانقلاب العسكري يكبد الاقتصاد المصري تكاليف بالمليارات سنوياً، ويضيع على البلاد فرصاً كان من الممكن أن تحقق تنمية ونهوضاً اقتصادياً كبيراً.
يُضاف الى العوامل السابقة التكاليف الباهظة للحرب على الارهاب، وتكاليف العمليات العسكرية المستمرة في سيناء منذ أكثر من عامين، وهي تكلفة لا يُستهان بها، إذا علمنا أن الصاروخ من طراز (أس 300) على سبيل المثال يبلغ ثمنه مليون دولار، وإذا علمنا بأن تكلفة الطلعة الجوية الواحدة لطائرة (أف 16) تزيد عن 27 ألف دولار، وتكلفة التحليق بطائرة «الأباتشي» المروحية هو 12 ألف دولار في الساعة الواحدة!
خلاصة القول، هو أن السبب الرئيس لأزمة الاقتصاد في مصر هو نزول الجيش الى الشارع، واقتحامه عالم السياسة، وإحلاله بديلاً عن أجهزة الأمن، وهي أزمة عميقة وبالغة لا يمكن لمليار أو مليارين أو أكثر أن تنهيها، كما أن انهيار السياحة يمكن أن يشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد الذي يترنح، لكنه لا يمكن مطلقاً أن يكون السبب الوحيد للأزمة، ولا حتى السبب الرئيس لها.

٭ كاتب فلسطيني

محمد عايش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الانقلاب العسكري تسبب بانهيار الاستثمار
    فمن من الأجانب يستثمر ببلد انقلابي غير مستقر
    رأس المال الأجنبي جبان – فهو يبحث دائما عن الأمان

    الحكم العسكري لا يهمه الا أفراده وليس أفراد الشعب
    ولهذا سرق العسكر عشرات المليارات من المساعدات المرسلة للشعب

    يسقط يسقط حكم العسكر – يحيا يحيا حكم الشعب
    عسكريين فاشلين بالمدارس يتحكموا بدولة كمصر!
    وأكادميين وتكنوقراط ومفكرين بالسجون والمعتقلات

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أحمد رامز:

    مصر تنهار في ظل حكم العسكر . لا مستقبل للبلاد ولا موارد كافية والجنيه المصري ايل للسقوط . نسال الله السلامة .

  3. يقول s.soliman, london:

    قوه الاقتصاد العسكري أيا كانت نسبتها تصب في مصلحه الاقتصاد الوطني في نهاية المطاف . و لولا مزارع الجيش التي تمون السوق المصري بمنتجاتها على مدار العام للمساعدة على تقليل الأسعار لكان الشعب المسكين فريسه لجشع التجار الذين لا يهمهم سوى تحقيق اقصى هامش ربح .
    اما عن مزيد من الانهيار في سعر صرف الجنيه فكل ما رأيناه في الأسابيع القليلة الماضية هو العكس تماما عندما ارتفع سعر الجنيه امام الدولار .
    تكلفه القوات لا تزيد بصرف النظر عن مكان وجودهم اذا كان الشارع او الثكنات . اما اذا اردت تشغيلهم في المصانع فعندك طابور من البطالة مقداره عشره اضعاف الجيش على الأقل – خذ منهم ما شئت .
    تكاليف الحرب الباهظة على الإرهاب لا مفر منها حتى يتم القضاء عليه بصرف النظر عمن يحكم .

    1. يقول سيد مصر:

      تعليق ممتاز بعيد عن الموترين الشامتين .

  4. يقول عبد الوهاب إبراهيم Canada:

    الفشل الإقتصادى الذى تعيشه مصر اليوم بدأ نظريا بعد هزيمة ٦٧ االنكراء، وكانت نتيجة مباشره للبلطجه والامبالاه التى تبناها عسكر مصر، اما مانراه حاليا فى مصر ليست ازمه إقتصاديه بل فشل وإفلاس فى كل المجالات، ولو كانت أزمه لكان من السهل علاجها ولكن للأسف الشديد مصر فى سقوط حر منذ الهزيمه، وقد أجهزعليها جيشها. مصر ذاقت من التخلف والذل والهوان على أيدى عسكرها مالم تناله تحت وطأة الإستعماروالتاريخ شاهد على ذلك. ،،،،ولنكن منطقيين مع انفسنا وبعيدا عن الإنفعالات والمهاترات والهجص والتطييل ويسأل المصريون أنفسهم ماذا قدم العسكر لمصر طيلة ال٦٢ عاما الماضيه؟ وما هى الحصيله النهائيه التي عادت على مصر بإمتلاكها هذا الجيش الذى يقارب تعداده مليون عسكرى منذ إعتلاء ما يسمى بالضباط الأحرار على السلطه وحتى يومنا هذا؟

  5. يقول Deutschland:

    أصبحنا في نظام عسكري بوليسي

  6. يقول ابراهيم المصري:

    مصر تعاني ازمة اقتصادية ستتفاقم وتتعاظم في المستقبل القريب . وهي ازمة لم يعداليوم بالامكان تجاوزها بكل اسف،، مصر باتجاه الهاوية الان. هناك ثلاثة ونصف مليون عاطل عن العمل يمثل جيشا وهذا الجيش يمكن ان يطيح بالسيسي.

  7. يقول خليل ابورزق:

    ناهيك عن تدمير مدينة رفح. الاف البيوت قد دمرت بما في ذلك كل البنية التحتية و الفوقية من شبكات الماء و الكهرباء و الهاتف و الشوارع و الدارس و الجوامع ووووو. ثم التدمير المتبادل مابين الجيش ومن خلقهم من الارهابيين بسبب سواد اللغة الوحيدة التي يفهمها العسكر. وهذا خلاف تكلفة العمليات العسكرية التي تقض الكاتب بذكرها.
    و لا تسأل عن الانفاق العبثي على الاعلام الساقط و الابواق الاخرى المؤيدة للانقلاب التي كرست انحطاط قيم الانتاج و الخير لصالح النفاق و السقوط الاخلاقي

  8. يقول محمد على . القاهرة:

    مع عظيم احترامى لكل المعلقين
    مصر مرت بظروف صعبة اكبر واكثر من ذالك فى ١٩٦٧ وخرج منها عاليا الرائس والشعب المصرى شعب عريق يحترم جيش مصر الجيش المكون من كل طبقات الشعب وهو الذى يحمى مصر من الخارج وفى الداخل
    اما من ناحية الاقتصاد الجيش المصرى ينتج كل شئ ويبيعه للشعب باسعار رخيصة تناسب الطبقات الفقيرة ولايكلف ميزانية الدوله اى شئ وينتج مواد البناء بنصف الثمن لكل الشعب لذالك نحب جيشنا المصرى وتحيا مصر وتحيا الجيش المصرى ولا عزاء للاخوان

    1. يقول Dr. Walid Khier:

      ومن يتحمل الخساره إذاً إذا كان الجيش يبيع بأسعار رخيصه؟ و كيف يمكنه البيع بأسعار رخيصه إلا إذا كان يخسر أو ينهب؟

      ثانياً، الجيوش يفترض أنها مؤهله و مدربه للقتال، فدخلها في مجال التجاره يعني بالضروره فشلها لعدم توفر الخبره، أو إفتقد الخبره في مجال القتال لانغماسها في التجاره.

      ثالثاً، الجيوش مؤسسة وطنيه خاضعه للقانون و يحدد ميزانيتها مجلس الشعب المنتخب، و يعين قادتها و يعزلهم الحكومه المنتخبه من الشعب. فعندما يتدخل الجيش في التجاره و تصبح له ميزانيه خاصه به يخرج من سيطرة مجالس الشعب و يصبح دوله مستقله، و المصيبه عندما تكون له مصالح اقتصاديه قد تتعارض مع مهامه الأساسيه، و المصيبه الأكبر إنه الطرف الوحيد الذي تحت يده سلاح يمكنه من فرض ارادته علي الحكومات لحماية مصالحه، و هو ما تشهده مصر حالياً.

      رابعاً، يفترض في من ينخرط في أعمال التجاره الخضوع لقوانين الدوله، أما عندما تدير مؤسسه أعمالاً تجاريه وفقاً لقانونها هي وتخضع انشطتها لاحكام محكمه هي و خارج نطاق عمل أي جهاز رقابي فنحن بصدد دوله داخل دوله و ليس مؤسسه من مؤسساتها.

      خامساً، عامل المنافسه الشريفه مفقود لأن الجيش يسخر الآلاف للعمل في مشاريعه بأسم الخدمه العسكريه.

    2. يقول سيد مصر:

      مشكور ا.محمد

    3. يقول Araby:

      Mohammed Ali is Albanian
      NOT EGYPTIAN
      therefore they never care

  9. يقول صلاح منهي:

    الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية
    الي كل من يظن ان مصر دولة هشه او ضعيفة او تهوي الي التهلكه او سوف تفلس أحب ان اذكركم ان مصر علي مدار عمرها وهو قبل اي دولة عربية او أفريقية او أوروبية ومرت علي طول الدهر علي الحلو والمر ومازالت مصر هي ارض الكنانة والسر في ذالك ان المصريين العاديين بيحبوا بلدهم وهم يرضوا بااقل من القليل وكله في سبيل مصر ومن يظن ان جماعة الاخوان لها ظهير من الشعب المصري وضد الجيش هو واهم وبيحلم ومعندوهوش فكرة عن الشعب المصري العريق هذا الشعب في ايام نكسة ٦٧ لم ينكسر وأعطي الجيش كل المساندة والدعم رغم كل الظروف الاصعب في تاريخ مصر

  10. يقول كريم الحلو:

    أمريكا الداعشية مسؤولة عن كل خراب في الوطن العربي ….هذا قانون غربي !

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية