أزمة بين الجزائر وموريتانيا؟

حجم الخط
10

موريتانيا طردت الأربعاء الماضي دبلوماسياً جزائريا. والجزائر ردت، يوم الأحد، بالمثل.
هذا آخر فصول العلاقات العقيمة بين الدول المغاربية. وهو كذلك آخر فصول العلاقات الجزائرية المتقلبة مع أكثر من جار: علاقات في مرحلة تشبه العداء مع المغرب، غامضة وغير مفهومة مع ليبيا، باحثة عن هيمنة مع مالي والنيجر، طبيعية إلى حد ما مع تونس، وهادئة مع موريتانيا.
الحكومة الموريتانية اتهمت المستشار الأول بالسفارة الجزائرية بنواكشوط، بلقاسم شرواطي، بالوقوف وراء مقال يتهم المغرب بإغراق مناطق شمال موريتانيا بالمخدرات، فصُنّف ذلك إساءة للعلاقات المغربية الموريتانية. للتذكير فقط، موريتانيا كانت طردت قبل أربع سنوات مدير مكتب وكالة الأنباء المغربية الحكومية في نواكشوط بعد اتهامات بنشر مقالات تسيء لعلاقاتها مع الجزائر.
واضح إذاً، أنه المغرب مرة أخرى! لم يعد ممكنا ان تحدث ازمة في المنطقة المغاربية تكون الجزائر طرفا فيها ولا يحضر المغرب. ولا يمكن أن تحدث أزمة يكون المغرب طرفاً فيها ولا تحضر الجزائر. أي دليل أكثر من هذا على مستوى التسمم الذي بلغته العلاقات الجزائرية المغربية، وتأثيرها السلبي الفادح على الجوار؟ بصعوبة تستطيع موريتانيا الحفاظ على علاقات راقية، وطويلا، مع الجزائر والمغرب في آن واحد، فعلاقات جيدة مع هذا تؤدي إلى عدم رضا ذاك وإلى شعوره بأن تلك الجودة هي على حسابه.
في العادة، العلاقات الموريتانية الجزائرية سوّية تصل أحيانا إلى درجة القريبة من الجيد. ذلك ان البلدين يختلفان في الطموح، ولا يتنازعان نفوذاً أو همينة استراتيجية، ولا يتصارعان على حدود أو أرض. إضافة إلى أن البلدين لا يتوفران على ما يسمم علاقاتهما منذ نفضت نواكشوط يديها من ملف الصحراء الغربية، وإن كان انسحابا لم يرق للجزائر او لم يكن كما تمنته الأخيرة لأنه اتاح انتشاراً أكثر للمغرب على الأرض.
في السنوات الأخيرة لوحظ تنسيق جزائري موريتاني لافت في ملفات إقليمية، إفريقية بالتحديد. ثم أُضيف ـ نظريا ـ سبب آخر لتقارب محتمل بين البلدين، هو التعاون الأمني والتنسيق في محاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة التي تتحرك في الصحراء المتاخمة للبلدين ومالي والنيجر.
أقول نظريا، لأن التعاون الأمني يبدو مفروضا املته الظروف ومصلحة البلدين وضغوط القوى الغربية، ولم يكن قراراً سياديا إراديا اختاره قادة البلدين. وهو ليس ميزة أو استثناء، فكل الدول تقريبا تتعاون ثنائيا وإقليميا منذ أصبح التهديد الإرهابي يرعب القارات الخمس. لقد بات الجميع ينسق مع الجميع، حتى الاعداء في ما بينهم، وحتى مع إسرائيل.
إذاً لا فضل للتنسيق الأمني في التقارب بين البلدين، ولا يمكن التعويل عليه.
الفضل في مكان آخر: أحد أسباب تطور العلاقات الجزائرية الموريتانية في السنوات القليلة الماضية، فتور العلاقات الموريتانية المغربية.
صحيح أن الأمر لم يصل إلى درجة الأزمة بين البلدين، لكن أيّاً منهما لم يستطع إخفاء الفتور الذي لف هذه العلاقات منذ وصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم في نواكشوط بانقلاب عسكري على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) 2008.
اللافت أكثر أنه برود في علاقة زعيمي البلدين اللذين يتأخران في تبادل الرئاسل ويتعمدان عدم إخفاء الفتور. هل هي صدفة أن ولد عبد العزيز لم يقم بزيارة رسمية للمغرب على الرغم من كل هذه السنوات التي قضاها في الحكم؟ علما انه خريج المدارس العسكرية المغربية وله صلات شخصية وعائلية مع أسر في المغرب. وهل هي صدفة أن تبقى السفارة الموريتانية في الرباط بلا سفير سنتين أو أكثر؟
لكن 2008 ليست البداية بل فصل آخر يضاف إلى فصول سابقة من علاقات (بين الرباط ونواكشوط) لم تكن دائما سليمة ولم تشهد تطبيعاً طويلا وثابتا وقويا. قبل آخر الانقلابات في نواكشوط بكثير، هناك حالة نفسية تعود نحو نصف قرن إلى الوراء عنوانها الطموح المغربي جنوباً والذي جعل مكونات سياسية رئيسية في المغرب ترفض الاعتراف باستقلال موريتانيا ولا تخفي نواياها التوسعية تجاهها.
وبعد ان أصبح استقلال موريتانيا أمراً واقعا وتقبله طيف من المغاربة على مضض، تحولت نواكشوط إلى عاصمة انقلابات لا تختفي إلا لتعود، وفي كل مرة تتجه الأنظار إلى الرباط وموقفها من الواصل للحكم بانقلاب، وكيفية تصرفها مع المطاح به. وفي كثير من المرات تناهى إلى مسامع القادة الجدد في نواكشوط أحاديث عن مواقف مغربية لا تريحهم. وفي ثمانينيات القرن الماضي وصل الأمر إلى القطيعة الدبلوماسية.
هذه التفاصيل وهذه العلاقة المتقلبة بين نواكشوط والرباط هي التي من شأنها دفن الأزمة الناشئة قبل أيام بين الجزائر وموريتانيا في المهد. المنطق يقول ان البلدين سيعملان على تجاوزها بسهولة. ليس من مصلحة الجزائر فتح جبهة أخرى مع جوار متوتر ويبعث على القلق، ومن ثمة زيادة احتمال ارتماء موريتانيا في الحضن المغربي. وليس من مصلحة موريتانيا إضافة عداء الجزائر إلى سجلاتها بينما لا يبدو في الأفق ما يفيد بتحسن علاقاتها مع المغرب.
ولذا لن يكون مستغربا ألا نسمع عنها تصعيداً في وسائل إعلام البلدين في المدى القريب.
هذا بالمنطق والعقل، أما إذا غاب الاثنان أو أحدهما، فكل شيء وارد.

٭ كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول rachid;maroc:

    سيدي ،العنوان يتطرق إلى العلاقة الفاترة بين موريتانيا و الجزائر،والمقال يتطرق أكثر عن العلاقة المغربية الموريتانيا في الماضي والحاضر وحتى المستقبل!!!!!!

  2. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : ـ
    * متى ( ينضج ) ساسة دول ( المغرب العربي ) ويعملوا لصالح
    أوطانهم وتقدمها ونهضتها ؟؟؟
    * شكرا

  3. يقول عادل:

    كمغربي نتمنى ان تفيق كل الدول الخمس من سباتها ويعملون على بناء اتحاد قوي نفتخر به كلنا كمغاربيين. ونطلب الله ان يبعد علينا الفتن والتفرقة

  4. يقول moussalim.:

    °°° ربما الأزمة ، أزمة جزائرية جزائرية ، فقط .

    *** يكفي أن تتخلص الجزائر من ” ثقافة ” العهدة الرابعة ، والعهدة الخامسة والعهدة الآمنتهية ، (….) ، وتتضح الأمور في المنطقة .
    .
    *** أعتقد ، لا يوجد مغاربي واحد ، لم يكون هذا هو أمله للشعب الجزائري ، حيث الجميع – في المغرب العربي – (أعتقد ) ، يتمنى أن تمشي الجزائر على قدميها . وللجزائر كم من مقومات لكي لا تكون عبيدة الإستبداد ، بل قاطرة المغرب العربي…

    1. يقول Mohamed Madi Algiers:

      At least we are not killing each other……. besides the reason for this is because Algeria did not want to get involved in your stupid policies in Libya, Stria and now Yemen, so now everybody is trying to bully us at your request…..the Gulf countries are the reason for not just our troubles but the world troubles.

  5. يقول عبد السلام الفاسي- فرنسا:

    يا أستاذ رباحي,عكس ما اردت توضيحه,فالمقاربة الجزائرية هي التي تتسم بالهيمنة والتوسع على حساب جيرانها؟؟من يريد تفتيت دول المنطقة الى دويلات وتفتيتها غير جنرالات الجزائر ”وهنا لا أقول الجزائر ” لأني احفظ الود للشعب الجزائري الشقيق والذي يريد الوحدة مع باقي شعوب المنطقة.
    لنجعل الامر معكوسا وتخيل ان المغرب ينتهج سياسة التفتيت هذه ويساعد على استقلال منطقة القبائل و منطقة الطوارق هل يقبل بها الجزائريون؟؟؟تحت يافطة فضفاضة ” حق تقرير مصير الشعوب” كما يفعل جنرالاتكم.
    تقرير مصير الشعوب يا أستاذ رباحي يأتي بالاهتمام بالعنصر البشري واعطاءه لحريته وكرامته وتحسين معيشته وبالتالي اختيار من يحكمه, وقتئذ لن تجد من يطالب بالاستقلال عن بلده وسيعلم ان مصير رفاهيته وتقدمه بالاتحاد مع جاره.
    ترى لماذا يبق هؤلاء الجنرالات على أوضاع متوترة في المنطفة ويحاولون بلقنتها اليس للحفاظ على الكراسي وشفط خيرات الجزائر ومص دماء شعبها؟؟

  6. يقول سليم الجزائر:

    منذ نفضت نواكشوط يديها من ملف الصحراء الغربية، وإن كان انسحابا لم يرق للجزائر او لم يكن كما تمنته الأخيرة لأنه اتاح انتشاراً أكثر للمغرب على الأرض.
    للاشارة الجزائر هي من طلبت من الرئيس الموريتاني بعد الانقلاب الانسحاب من قسم موريتانيا من الصحراء الغربية ظنا منها ان ذلك سيورط المغرب فجاءت النتيجة عكس ماارادت الجزائر

  7. يقول كاظم غيظه الجزائر:

    يبدوا ان موريطانيا تنتهج سياسة الناي بالنفس تجاه الصراع الجزائري المغربي .
    اما هذا التوتر الحاصل بينها وبين الجزائر فلا يعدوا ان يكون سحابة صيف سرعان ما ينتهي لانه لم يسبق ان تطورت مثل هده الامور الى ازمة تهدد العلاقات القوية بين البلدين.
    وجدير بالذكر ان الجزائر اول من استقبل الرئيس الحالي حين انقلب على الرئيس السابق وساعدته على اخراج موريطانيا من العزلة الافريقية.
    مشكلة بناء المغرب العربي تبدء بحل قضية الصحراء الغربية ومادام الحال هكذا فلن يكون اتحاد مغاربي ولا هم يحزنون لذا على الشعوب المغاربية ان تناى بنفسها عن صراع الحكومات .
    فلتتصارع الحكومات كيفما شاءت ولتبقى الشعوب محبة ومتضامنة فيما بينها.
    اما سؤال الاخ سامح عن اوان نضج ساسة المغرب العربي فاجيبه عندما يثمر ساسة المشرق العربي وشتان بين الثمر والنضج.

  8. يقول طلال ....الجزائر:

    بسم الله الرحمان الرحيم
    اولا احيي الاخ من المغرب الشقيق واقول له كل شعوب المغرب العربي تتوق الى الاتحاد ولا يفرقها شيء سوى اعداء الماضي الحاقدين وازلامهم من بني جلدتنا العرب …يا سيدي الازمة ازمة اعلام ونفاق الساسة وراء ذالك .يا اخي انا مواطن عربي مسلم جزائري وتربطني باخواني في كامل ربوع مغربنا العربي الحبيب رابطة الدين والحمد الله اعلم ان كل شعوب المنطقة تكن الحب لبعضها البعض وسياتي اليوم الذي تنزاح فيه القيود ويبعث وطننا العربي من جديد …تحياتي الى كل العرب والمسلمين .

  9. يقول الجزائر:

    قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) و قال أيضا : ((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )) و قال لأيضا : ((( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
    إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) يا حكماء شنقيط إربأوا بأنفسكم عن دهاليز السياسيين كواليسهم لا تنجروا وراء من يروج للفرقة بين أبناء الدين الواحد و لا تزيدوا المشتت تشتيتا نحن في الجزائر نكن لكم كل الاحترام و التقدير لا خوفا و لاطمعا فعندما تذكر موريتانيا عندنا في الجزائر يتبادر للذهن العرب الأقحاح و العلماء الجهابذة و حفظة كتاب الله الكريم هذه هي سمعتكم عندنا أنقلها لكم من أرض الواقع و ليس من تعاليق قراء الجرائد فكم من سجالات بين الجزائريين و المغاربة في عالم النت لكن ذهبنا للعمرة أنا و أصحابي و التقينا بعض المغاربة وجدناهم من خيرة الناس خلقا و أخلاقا و ثقافة لا أقول هذا مجاملة أو تزلفا أو تملقا أو مهادنة إنما قلته إحقاقا للحق و إبطالا للباطل و درءا للفتنة و كي لا يتجرأ أحد و يقول كلاما من عنده قد يكون سببا في زرع الضغينة بين قلوب المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم )) أسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن يتكلمون في رضوان الله عز و جل

إشترك في قائمتنا البريدية