أسئلة لبنانية ساذجة

حجم الخط
5

هناك أسئلة ساذجة حاولت الإجاية عنها فلم أستطع، أقول إنها ساذجة لأن أي تفكير عقلاني في حده الأدنى قادر على إيجاد الأجوبة الملائمة، لكن الأجوبة تخيف أكثر من الأسئلة، لأن الأجوبة تفرض عملاً ما، أما أن نقول الجواب ونستكين فهذا في رأيي أسوأ من الجهل.
السؤال الأول يتعلق بقضية الفنان زياد عيتاني الذي اتهم بالعمالة لإسرائيل، ثم بُرئت ساحته وأُطلق سراحه، بعد معاناته مع أشكال متنوعة من التعذيب الجسدي والنفسي.
المسألة لا تتعلق بملفقي الإتهام ضد عيتاني، فهؤلاء ليسوا سوى نتاج نظام الفساد والإفساد والتشبيح على الطريقة اللبنانية، ونحن في انتظار ما ستؤول اليه الأمور وسط التشنج الطائفي الذي يستطيع لفلفة أي شيء. لكن السؤال العاجل يتعلق بالجهاز الأمني الذي اعتقل الممثل المسرحي وقام بتعذيبه، وألبسه التهمة، منتزعاً منه الاعتراف بما لا علاقة به.
هل أُحيل أي ضابط أو جندي من جهاز أمن الدولة إلى التحقيق؟ هل استقال رئيس الجهاز أو نائبه بعد هذه الفضيحة؟
ما حدث هو عكس ذلك تماماً، رئيس الجمهورية استقبل رئيس جهاز أمن الدولة في عزّ الفضيحة، ورئيس الحكومة أوحى خلال استقباله الممثل الضحية بلامسؤولية الجهاز وألقى باللوم على مفبركي التهمة، وانتهى الموضوع.
أي أن حياة المواطن اللبناني وكرامته لا معنى لهما، أو بعبارة أدق لا وجود للمواطن، فاللبنانية أو اللبناني إما أن يكون إبن طائفة تحميه أو لا يكون.
في المقابل لم يعتذر أي إعلامي ارتضى أن يكون مطية الجهاز الأمني المذكور في تشويه سمعة عيتاني، فكل ما كُتب في الصحف وكل ما قيل في التلفزيونات صار كأن لم يكن، بل هناك من أشاع بأن أحد الإعلاميين الذي استفاض في الكتابة والكلام ملقياً التهم هو ضحية، لا لأنه ارتضى أن يسرّب التلفيقات ضد الضحية، بل لأنه ادّعى أن هناك من يركّب له ملف عمالة، وبذا صار من الواجب التضامن معه!
السؤال الثاني موجه إلى ما يمكن أن نطلق عليه اسم الباسيلية (نسبة الى الصهر والسوبر وزير جبران باسيل). لقد صارت البسبلة طريقة في التعبير، فأن تبسبل تعني أن تقول شيئاً وتقصد شيئاً آخر، إنها نوع جديد من الكارامبول اللغوي في بلياردو اللغة السياسية اللبنانية.
تصريح باسيل عن إعداده لمشروع قانون يعطي النساء اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانيين حق منح جنسيتهن لأولادهن على أن يستثنى من ذلك المتزوجات من دول الجوار، هو تجسيد صارخ للإطاحة بفكرة القانون الذي لا يستقيم من دون المساواة. لكن عبقرية هذا السياسي بلا حدود، لأن هدفه ليس القانون بل دغدغة الغرائز الطائفية، فالإشارة الى الجوار والكلام عن التوطين يعني أن القانون المقترح يستثني المتزوجات من فلسطينيين وسوريين، أي المتزوجات من مسلمين.
هذه العبقرية المتطيّفة لا تقول لنا مثلاً هل قبرص هي من دول الجوار؟ وهل يسري القانون على القبارصة اليونانيين أم أنه يقتصر على القبارصة الأتراك؟ وماذا عن العراق ومصر وبقية البلدان العربية؟
باسيل يعرف أن اقتراحه هو للإستهلاك الانتخابي، وأنه كلما زاد من منسوب التحريض الطائفي ترسخت زعامته وزعامة عون، لأن ما أعاق حتى اليوم منح المرأة اللبنانية حق إعطاء جنسيتها لأولادها هو الذكورية والنظام البطريركي. والذكورية والبطريركية هما من أعمدة النظام الطائفي اللبناني.
لكن البسبلة لا تقتصر على جماعة عون، بل تمتد إلى الجميع، من التوريث إلى شد العصب الطائفي. صحيح ان وزير الخارجية تفوق بقدرته على تحويل الوقاحة إلى سياسة، لكنه في النهاية ليس سوى امتداد طبيعي لنظام طائفي عنصري مناف للأخلاق وعدو للكرامات.
السؤال الثالث ويتعلق بالبرنامج الانتخابي الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله عشية بدء الحملة الانتخابية. من قرأ البرنامج أو استمع اليه شعر أنه أمام نسخة معدّلة من برامج المجتمع المدني، وبدا له أنه أمام برنامج لحزب جديد لم يشارك في السلطتين التشريعية والتنفيذية منذ عقود، وليس جزءاً من ثنائية شيعية أقفلت السياسة وأعطت صك البراءة للفساد، ولم يكن شريكاً في مائدة السلطة اللبنانية وفي التحالف مع شتى أنواع الفاسدين.
وأمين عام حزب الله معذور، فهو يواجه اليوم الحقيقة التي تنبه إليها حافظ الأسد عندما قرر تلزيم مقاومة إسرائيل لحزب الله وطرد اليسار بالقوة والعنف منها.
فالأسد كان يمتلك ذكاء شيطانياً سمح له بأن يرى بأن حزب الله يواجه خللاً تكوينياً بسبب بنيته الدينية الطائفية، وهو مهما امتلك من قدرات عاجز عن حكم بلد متعدد الطوائف، لذا سيبقى رديفاً عسكرياً للهيمنة السورية.
لكن مع تداعي النظام الأسدي في سوريا وتحوله الى أداة للاحتلالات التي تضرب سوريا اليوم، يجد حزب الله نفسه أمام مأزقه التكويني. حتى انتصاره الكبير في فرض انتخاب عون رئيساً ليس انتصاراً كاملاً، لأن العونية تسعى لأن تكون الذراع السياسية للطوائف المسيحية، وهي تبحث عن مصالحها أولاً، وهي مصالح قد تتناقض مع المصلحة الطائفية التي يمثلها حزب الله في أمور جزئية على الأقل.
ووسط مسلسل الحرب السورية الاقليمية، يجد الحزب نفسه في وضع متأرجح رغم المكاسب التي حققها الحلف الذي ينتمي اليه في سوريا، وهذا يجعله يشعر بأن هيمنته على لبنان ليست ثابتة، من هنا أتت هذه الحمى الانتخابية التي ضربته خوفاً من خلخلة هيمنته عبر اختراق الكانتونين الشيعيين المقفلين في الجنوب والبقاع.
الصحوة ضد نظام الفساد تبدو عاجزة عن سد الخلل البنيوي الطائفي الذي يجعل الهيمنة على لبنان غير ثابتة.
لماذا إذاً استفاق حزب الله على نقد نظام شارك في تأسيسه؟
كما ترى أيها القارئ فمعرفة الأجوبة لا معنى لها إذا لم تقترن بالعمل لتحويل هذه الأجوبة الى فعل تغييري، وهذه هي المسألة.

أسئلة لبنانية ساذجة

الياس خوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    السؤال الرابع لماذا لا يتغير شيء في لبنان منذ تكوينه الفرنسي على اسس طائفية وهنا لا أحد يملك الجواب لأن لا أحد يريد التغيير ومع ذلك يدعون ان لبنان دولة، ودولة ديمقراطية.. يقول المثل السوري اسمع وسطح

  2. يقول الكروي داود:

    لا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول لبنانية مقيمة في فرنسا:

    عانى كتير كتير ناس مولدين بلبنان وعاشوا كل عمرهم بلبنان وما بيعرفوا بلد غيره وحاربوا وماتوا من أجله وبعد ما أخدوا الجنسية اللبنانية، هيدا من جهة ومن جهة تانية ناس تجنسوا بلبنان وبيسبوا كل يوم لبنان. ..
    ليش ما بيكون التجنيس حسب الملف اللي مطلوب فيه الجنسية، يعني كل ملف بملفه إذا الدولة اللبنانية ما قادرة تحصر وتقرر تعطي الجنسية اللبنانية لكل اللي طالبينها… أنا لبنانية ومعي الجنسية الفرنسية وبحب فرنسا بقدر حبي للبنان وجماله وعندي إنتقادات على البلدين كمان،،، اللي حابي قوله أنه الدولة اللبنانية لازم تتحمل مسؤولية اللي عايشين على أرضها، وتتطور مع تطورات المجتمعات التانية المتخضرة لأن رغم الواسطة والطائفية ، لبنان بلد مكسور إقتصادياً من ال 75 لليوم ،
    البلاد العربية عايشة من حرب لحرب من أول ما وعينا على هالدني، لشو الحياة إذا كل حياتنا حرب وتدمير مدينة ورا مدينة ومندعي أنه نتوق إلى الحرية

    أستاذنا الكبير الياس خوري وحبيب قلبي كتاباتك ولهفتك وحنانك على البشر، بشكرك من كل قلبي على كل كلمة بتكتبها وألف شكر لصحيفة القدس العربي المحترمة بمواضيعها وعدم تحيزها لشي غير كلمة الحق

  4. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أخي الياس مع شكري الجزيل, لا أعرف الكثير عن السياسة الداخلية للبنان. لكن لدي نقطين أحب ذكرها. أولاً صحيح أن الأجوبة الغير ساذجة تخيف لأنها (أو إذا كانت) تفرض عملاً ما, إلا أن الأسئلة الغير ساذجة طبعا هي التي تخيف, وبفارق زمني, المتسلطين والفاسدين, لأنها نقطة الإنطلاق نحو البحث عن الأجوبة وبالتالي التغيير. ربما وجه نظر فلسفية. وثانيا أعتقد أن ماكان يميز سياسة حافظ الأسد ليس العبقرية (وياحبذا لما كنا وصلنا إلى هذا الحال) وإنما الاحتفاظ بقدر عالي من التوازن السياسي بين القوى. فهو أساسا طيار عسكري, هادىء الطبع ويعرف مدى أهمية التوازن للحفاظ على السيطرة ومن هنا فإن ضرب القوى اليسارية وطرد اليسار بالقوة والعنف كان يعني بطبيعة الحال أستبدالها بقوى أكثر ولاءاً, فكان حزب الله لارتباطه بالطائفية الدينية هو البديل المناسب, وأنا أعتقد لو استطاع حافظ الأسد السيطرة الى المنظمة الفلسطينية في لبنان (أبو موسى) قبل أن تطردها إسرائيل وشارون, لكان الدعم الغير مشروط لحزب الله قد اتخذ طريقاً آخر. إنه الفشل الذريع لحافظ الاسد والسياسة السورية السلطوية عموما في لبنان, ومن ثم السماح لإسرائيل في ضرب وطرد المنظمة لتبقى الساحة مفتوحة أمامه (أي النظام السوري), هو الذي أدخل لبنان في هذا الدوامة الطائفية وعندما اصطدم بشار الاسد بهذا الواقع المعقد, اراد أن يتخلى عنها لعدم خبرته في السياسة أو ربما يفقه سياسة التوازن هذه, فدفع بهذه الدوامة الطائفية نحو الأمام باغتيال الحريري, وهو مانقل لبنان الى نظام الإفساد والتشبيح الحالي.

  5. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    عذراً تصويب: …. أو ربما لانه لا يفقه سياسة التوازن ….

إشترك في قائمتنا البريدية