أعلنت تركيا الاثنين الماضي إعادة علاقاتها مع إسرائيل باتفاق ينهي الأزمة التي نجمت عن قتل قوات الاحتلال قبل 6 سنوات عشرة ناشطين أتراكا كانوا يحاولون فك الحصار عن غزة، وفي اليوم نفسه نشرت رسالة اعتذارية عن إسقاط طائرة سوخوي روسية من الرئيس رجب طيب إردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما أعلن رئيس وزرائها بن علي يلدريم أمس أن أنقرة فتحت فصلا تفاوضيا في إطار مسيرة انضمامها للاتحاد الأوروبي.
السياسة الخارجية التركية الجديدة بحسب يلدريم تريد تحقيق هدف «زيادة الأصدقاء والتقليل من الأعداء»، وضمن أفق تحسين العلاقات مع كل جيران تركيا حول البحرين المتوسط والأسود فهو لا يجد مانعا حتى من تطوير علاقات أنقرة الاقتصادية مع مصر رغم «ما يتعرّض له (الرئيس المعزول) محمد مرسي وفريقه من ظلم»، وجدير بالذكر هنا أيضاً تجاوز الأتراك لقطيعتهم السابقة مع الإمارات، الحليفة الإقليمية الأساسية للخط السياسي المصريّ الحالي، بعد زيارة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أبو ظبي وعودة سفير الإمارات لأنقرة قبل أيام.
توضّح خطوات أنقرة السريعة الماضية ورؤية يلدريم للوضع المصريّ وإعادة العلاقات مع إسرائيل والإمارات والتهدئة المتسارعة للنزاع مع روسيا ارتباط ما يجري، إلى حدّ كبير، بالوضع الاقتصادي وخصوصاً مع الجارة الكبرى روسيا التي ساهمت عقوباتها التي صعّدتها ضد أنقرة في نسبة التراجع الكبيرة في القطاع السياحي (بحدود 30٪)، وفي التبادل التجاري، كما يصبّ التطبيع التركيّ للعلاقات مع إسرائيل في هذا الاتجاه نفسه، مع طموح لاستعادة السياح الإسرائيليين والتعاون في مجال الطاقة والغاز الطبيعي، ومع الإمارات، كما يمتدّ قوس التهدئات التركيّة إلى إيران حيث يلتقي وزيرا خارجيتي البلدين في سوتشي بعد أيام لبحث «التقارب بين البلدين».
جذور استراتيجية (الاقتصاد قبل السياسة) ليست اقتصاديّة بل سياسيّة أساساً وترتبط بانخفاض سقف الطموحات السياسية التركيّة التي ارتفعت مع مدّ الثورات العربية في سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن ثم اصطدمت بموجة عارمة من الثورة المضادّة مع انكشاف الأسس الصلدة للاستبداد العربيّ المدعوم إقليميّاً وعالميّاً.
غير أن إحدى الصدمات الكبرى التي عانتها السياسة التركيّة جاءت في الحقيقة من حليفتها الافتراضية، الولايات المتحدة الأمريكية، التي استخدمت أدواتها السياسية لكبح جماح الطموحات التركيّة في سوريا والعراق ومصر، فأعطت الشرعيّة لانقضاض العسكر على الديمقراطية الوليدة في مصر، كما حافظت عمليّا على شرعيّة النظام السوريّ (وهو التبرير الذي استخدمته مؤخرا رداً على المطالبات بقصفه)، وكذلك نظيره العراقي، وطبّعت علاقاتها مع إيران وفتحت لها المجال لمد أجنحتها السياسية من اليمن مرورا بالعراق إلى سوريا ولبنان.
لقد قامت السياسة الأمريكية عمليّا بتحجيم ممنهج للدور التركيّ في المنطقة، وجاءت الصفعات الأوروبية المتوالية لأنقرة في موضوع الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الأوروبي (وآخرها استخدام تركيّا كفزاعة في الاستفتاء البريطاني وحديث رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن ألف عام لقبول عضوية أنقرة في الاتحاد) لتضع جداراً جغرافياً وثقافياً وسياسياً عالياً أمام أحلام الأتراك بالانضمام لأوروبا.
وفضح موقف الناتو اللائم لتركيّا بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسيّة والتنديد الأمريكي بدخول تركيّا الأراضي العراقيّة ودعم ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا السياسة العدائية الأمريكية ـ الأوروبية ضد تركيّا عموماً، وضد مشروع حزب «العدالة والتنمية» وجماعة «الإخوان المسلمين» في المنطقة العربية خصوصاً.
القرار التركيّ الجديد، بهذا المعنى، هو قرار سياسيّ بالكفّ عن المراهنة على السياستين الأمريكية ـ الأوروبية، وبإعادة التموضع جغرافياً في المنطقة، ولكنّه قرار يراهن مجدّداً على معادلة صعبة قوامها الاقتصاد قبل السياسة.
صعوبة هذه المعادلة ترتبط بالنزاع التركيّ مع حزب العمال الكردستاني واستطالات مشروعه في سوريا والعراق، وهذا المشروع مدعوم من أمريكا ويلقى قبولاً من روسيا، فإذا استطاعت أنقرة تجاهل المخاطر القادمة من سوريا فكيف ستتعامل، ضمن سياستها الجديدة مع النزاع الداخليّ مع الأكراد وهل ستقرر العودة للتفاوض حول حلّ سياسيّ معهم؟
هذا السؤال الداخلي لا يلغي طبعاً الأسئلة الإقليميّة التي لا يستطيع الاقتصاد وحده الإجابة عنها، وفي صلبها القضيتان الفلسطينية والسورية، والصراع بالتالي، مع المشروعين الإسرائيلي والإيراني للهيمنة على المنطقة.
رأي القدس
بكل بساطة تركيا سقطت والآن عرف الأتراك أنهم ضعفاء وأنهم ليسوا كما كانوا متوهمين دولة كبيرة وفهموا أن جيشهم لا يستطيع تحقيق الانتصارات لا بل من صار يشكل خطرا عليهم هم الأكراد
اللهم لا شماته
اكن هكذا جنت علي نفسها براقش. اردوغان يحصد اليوم ماجنت عليه يده في قتل الشعبين السوري والعراقي وتدمير بلديهما
الى الأخ سلام عادل احسنت، تركيا دوله كبيرة ومهمه نعم لكنها ليست دوله عظمى ولديها نقاط ضعف كثيرة ويبدوا ان اردوغان تدارك الامر اخيراً بعد ان كاد الغرور يأخذ به وببلده الى الدمار كما فعل صدام حسين الذي دمر العراق بسبب تسرعه وغروره فبعد ان كان العراق يكاد يدخل مصاف الدول المتقدمة من تعليم وصناعه وثروات اصبح دوله فأشله بكل المعاني، انظروا الى الصين كيف تبني إمبراطوريتها بهدوء وتخطيط حذّر مستغله انشغال أمريكا بمتاهات الشرق الأوسط