ياوندي (الكاميرون)- «القدس العربي»: المسابقات الدولية المنتظمة في القارتين الأوروبية والأمريكية تشكّل فرصة ذهبية للعديد من الرياضيين الكاميرونيين، الذين يستثمرون مشاركاتهم في مثل هذه المنافسات للإفلات، في نهايتها، من رحلة العودة إلى الوطن، مفضّلين البقاء بطريقة غير شرعية في البلدان المضيفة، هربا من المشاكل الاقتصادية التي تجتاح بلدهم الأصلي، وأملا في الحصول على تأشيرة للعيش في أوروبا وأمريكا، من أجل مستقبل مهني أفضل، على حدّ تفكيرهم.
هي رحلة ذهاب يقطعون تذاكرها عبر تأشيرة المشاركة في مسابقة رياضية دولية خارج الحدود، تمهيدا للهروب من رحلة العودة، لتتفاقم بذلك «هجرة المواهب والعضلات» الافريقية غير الشرعية نحو أوروبا وأمريكا.
الظاهرة تفاقمت في العامين الماضيين، حتى أضحى العديد من الرياضيين الأفارقة مرشّحين محتملين للهجرة غير الشرعية، كلّما انتظمت منافسة دولية في الدول الأوروبية أو الأمريكية. ففي نهاية يوليو/ تموز المنقضي، تخلّف 10 لاعبين كاميرونيين من جملة 15 عن رحلة العودة إلى موطنهم، وذلك في أعقاب بطولة «غلاسغو» لرفع الأثقال باسكتلندا.
وقبل عامين، وبمناسبة دورة الألعاب الأولمبية في لندن، اختفى 7 رياضيين كاميرونيين بالطريقة نفسها من القرية الأولمبية، مقرّ إقامة المشاركين في المنافسة الرياضية الدولية.
وإلى جانب الكاميرون، خسرت بلدان أفريقية أخرى رياضيين اختاروا الهجرة غير الشرعية على الرجوع إلى بلدانهم الأصلية، بينهم الاثيوبي ناتانائيل يماني، والذي فضّل الاختفاء و«الذوبان» بمجرد انتهاء المسابقة، إضافة إلى رياضيين صوماليين، اختفوا، عقب المنافسة ذاتها، قبل أن يتقدّموا، إثر ذلك، بطلب للحصول على اللجوء السياسي في بريطانيا.
العديد من الخبراء يرون أنّ وراء الهجرة غير الشرعية للرياضيين الأفارقة تكمن من دوافع سياسية بالأساس، تعزى إلى التوترات الاجتماعية والسياسية التي تهزّ بلدانهم. أما في الكاميرون، فإنّ الدوافع اقتصادية بحتة، وتجد جذورها في ظروف العمل السيئة، وتدنّي مستوى الأجور. باقة من الأسباب تجعل من إمكانية الظفر ببعض الأمل ببناء مستقبل مستقرّ ضئيلة للغاية، وهو أمر يتّفق عليه معهم الرياضيون أنفسهم.
كليمون مبالا، المدرّب الوطني للفريق الكاميروني لرفع الأثقال، قال خلال شهر أغسطس/ آب، في العاصمة الكاميرونية ياوندي: «معدّات العمل (التمارين) قديمة، ونحن نستخدمها منذ العام 2000، مع أنّ القضبان الحديدية لا ينبغي أن تتجاوز مدة استعمالها العامين على أقصى تقدير، ومع ذلك، نحن نستخدم القضبان ذاتها منذ قرابة الـ 14 سنة».
وأضاف المدرّب أنّ فريق رفع الاثقال الذي فقد 10 من عناصره الـ15 في «غلاسغو» باسكتلندا، يتدرّب منذ فترة من الزمن في مرآب ينتمي لأحد السكان الكاميرونيين، وليس ذلك فقط، وإنما يستخدم في تمارينه معدّات تنتمي، في جزء منها، إلى صاحب المرآب، وهو أحد الشغوفين بألعاب القوى، فيما ينتمي الجزء الآخر للمدرّب مبالا.
وأوضح الأخير أنّ الثلث فقط من المعدّات المستخدمة في تمارين الفريق يشكّل مساهمة من الدولة الكاميرونية في عام 2000، ما يجعلها، في الوقت الراهن، فاقدة للصلاحية بشكل كامل. فمجموعة المعدّات عبارة عن عدد من القضبان الحديدية المتآكلة بفعل الصدأ الذي اعتراها، إضافة إلى أقراص ممزّقة، فقدت حشوها الداخلي على مرّ الزمن، بحسب «مبالا»، والذي كشف، في السياق ذاته، أنّه وفريقه لا يملكون فضاء مخصّصا للتمارين، ولا اللوحة الأرضية المستعملة لامتصاص صدمة التقاء جسد الرياضي بالأرض عند أدائه لتمارينه. ولرأب النقص الحاصل على هذا المستوى، استنجد الرياضيون بقطعة من اللوح المقوّى، مستخدمين إياها كواقي من الاصطدام مع الأرض في بعض أجزاء المرآب. وتابع «مبالا» حديثه قائلا: «ستلاحظ أنّ الفتيات اللاتي يتدرّبن هنا لا يستخدمن القضبان الحديدية المخصّصة للإناث، لأنها لا توجد أصلا، ولهذا فهن يضطررن لاستعمال معدات الرجال، وهذا أمر شاق خصوصا على مستوى المعصمين».
ماكين مومبيسي كليمونتين، كابتن الفريق الوطني الكاميروني للسيدات لرفع الأثقال، تتحدث بمرارة: «رفع الاثقال هو ما يجلب أكثر ما يمكن من الميداليات إلى البلاد (الكاميرون). ومع ذلك، يتمّ تجاهلنا نحن الرياضيين. ما أتمناه فعلا هو أن تتكفّل بنا الدولة وتدعمنا، لأنه لو تم الاعتناء بنا، فسيكون بإمكاننا تقديم نتائج أفضل ممّا تعوّدنا القيام به».
وبالإضافة إلى نقص معدات التدريب، يشكو أعضاء الفريق من غياب التدريبات التحضيرية بسبب نقص التمويل.
مبالا عاد ليقول: «الرياضيون لا يحصلون حتى على ما يكفيهم من الطعام. ففي غلاسغو، على سبيل المثال، لم تصل تجهيزاتنا إلاّ قبل ثلاثة أيام من نهاية المسابقة. لقد كنا الوفد الوحيد الذي لم يكن لديه سوى بدلة رياضية واحدة. وبالإضافة إلى ذلك، كان من الضروري أن يضرب الرياضيون من أجل حصولهم على منحهم ومكافآتهم».
وبسؤاله عن سبل التصدّي للهجرة غير الشرعية للرياضيين الكاميرونيين، قال مبالا إنّ الحلّ يكمن، بشكل أساسي، في دعم وتوفير المعدّات الخاصة بهم، لافتا إلى أنّه «من أجل الحفاظ على الرياضيين، هناك طريقة بسيطة، وتتمثّل في تمكينهم من منح دراسية أو تيسير عملية حصولهم على عمل، إذ لا بدّ من أن تكون للرياضي صفة تحدّد بوضوح مكانته، ويدرك من خلالها حقوقه».
وخلص مبالا إلى أنه «عندما تضمّ الأندية الأوروبية رياضيينا الذين هاجروا بطريقة غير شرعية، فإنها تقوم بتوفير وظائف لهم، وتزوّدهم بالمعدات اللازمة. وفي صورة قدّمت الكاميرون وظيفة ومعدّات لرياضييها، فستضع حدّا لهجرتهم… هؤلاء الرياضيون يغادرون إلى أماكن أخرى لأنّه يتم الاعتناء بهم جيدا هناك».
في المملكة المتحدة، حصل الرياضيون الذين تخلّفوا عن رحلة العودة إلى الكاميرون في أعقاب أولمبياد لندن 2012 على تأشيرات وقتية لمدة 6 أشهر، من قبل السلطات البريطانية.
وبانقضاء الفترة المحدّدة، لم يواجه الرياضيون تعقيدات تذكر حيال أوضاعهم «غير الشرعية»، بما أنّ مراقبة تصاريح الإقامة نادرة وتكاد تكون غير موجودة بالمرّة في بريطانيا، وحرية التنقل مضمونة للجميع في هذا البلد. البعض الآخر من الرياضيين الكاميرونيين الفارين من بلدانهم تمكنوا من الحصول على اللجوء في بريطانيا، حيث يواصلون حياتهم المهنية كملاكمين، مثل توماس أسومبا وبليز يبمو، واللذين فرّا خلال أولمبياد العام 2012. جملة من الوضعيات تشجّع بشكل بارز «هجرة العضلات» الافريقية نحو الخارج.