المبشرون التوراتيون جسدوا أغرب أشكال الدجل السياسي الديني في العقدين الأخيرين، خاصة مع تطور الماسونية إلى حركة الصهيونية العالمية التي ضمت كبار الساسة الغربيين المسيحيين واليهود، وكان من أهداف الحركة الصهيونية انشاء دولة يهودية على أرض ما، وحاولت أن تحقق ذلك على أرض فلسطين بمساعدة بريطانيا الاستعمارية، التي كانت تحتل أرض فلسطين.
وهكذا تحالف المال والسياسة العسكرية فتوجا كل ذلك بإعلان «دولة إسرائيل» سنة 1948 وهو الهدف الذي عملت عليه الماسونية اليهودية التاريخية وتشكلاتها الصهيونية العالمية الجديدة.
التقت المسيحية الكاثوليكية باليهودية في تحالف، بعد تصالح تمت فيه تبرئة اليهود من دم عيسى عليه السلام بدعوى، أن يهود اليوم غير يهود الأمس، وهم غير مسؤولين عن تلك الفعلة الشنيعة التي ارتكبها يهود الأمس. ومثل هذا التحالف دفع باتجاه فكرة «الهرمجدون» تلك الفكرة الشيطانية في ثوب دجل ديني، ومعها سيعود المسيح كي يحكم بين الطرفين، وهكذا عملت الصهيونية السياسية على تأجيل خلافها مع المسيحية في سبيل مواجهة العرب والمسلمين، وإخراجهم من أرضهم فلسطين، بدعوى أنها الأرض التي أعطاها الله لليهود، حتى أن القادة الصهاينة لا يهتمون بالإسرائيليين الذين يُفضلون مقايضة الأراضي المحتلة بالسلام مع الفلسطينيين.
وقد أشارت الكاتبة الأمريكية جريس هالس في كتابها «النبؤة والسياسة» إلى درجة الابتزاز السياسي الذي وصل الحال به في الولايات المتحدة على يد المحافظين الجدد خاصة، واليمين المسيحي اليهودي الصهيوني من استغلال النبؤات الدينية في هذا العقد الأخير. ولم يكن حلم هرتزل في اعتقادها روحانيا، بل كان جغرافيا، حلما بالأرض والقوة، وعلى ذلك فإن السياسة الصهيونية ضللت الكثير من اليهود بشكل خاص. وقد نسج الصهاينة السياسيون تلك الأكذوبة التاريخية عن أنه لم يكن هناك فلسطينيون يعيشون في أرض فلسطين.
هكذا تكلم أغلب قادة إسرائيل الذين خدموا غايات سياسية لا دينية، وعبروا بلغة مكررة عند أغلبهم أنه ليس للعرب أي حق في الأرض، فهي أرض اليهود التي يُحدث عنها الكتاب المقدس، ولا نقاش في هذا الأمر والأقوى هو الذي يحصل على الأرض. ومن هنا ندرك عمل إسرائيل الدائم في الحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي، وهو الأمر الذي يفسر تحالفها مع اليمين المسيحي. فالغايات واضحة وإن تغير توجه الصهاينة واعتمادهم كليا على الولايات المتحدة بعد أن كان توجههم السياسي الأول إلى إنكلترا.
واليوم يعمل اللوبي الصهيوني داخل الأوساط اليمينية المسيحية الجديدة أن يوافق الكونغرس بشكل دائم على أهداف إسرائيل السياسية، وأن يغض الطرف عن مشاريع الاستيطان، ويضخ المال، ويشحن السلاح نحو تل أبيب، اضافة إلى الغطاء الدبلوماسي في المنظمات الدولية، الذي يضمن تبرير أي عمل عسكري اجرامي تقوم به إسرائيل، ولا يهم إذا ما ارتقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.
المحافظون الجُدد هم الذين أَنِسُوا بالفكر التوراتي الماسوني الصهيوني الجديد، ويدعون في هذا السياق إلى عودة اليهود إلى أرض فلسطين تمهيدا لعودة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وقبل نزوله يجب في اعتقادهم قتل المسلمين وذبحهم في بقاع الأرض، خاصة في فلسطين. وهو تقريبا ما دفع باتجاهه المحافظون الجدد على أرض الواقع . وقد تلقف الإنجيليون الجُدد المعروفون بالإرهاب والخراب والمتهافتون على الحروب، ويمثلهم أحسن تمثيل بوش الابن نصوص سفر الرؤيا وادعاءات هرمجدون، وإن كان سفر الرؤيا هو آخر أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وفيه «هرمجدون» هي ملتقى جيوش العالم وملوكها، ويسعى هؤلاء لأن يهلك معظم أو كل سكان الشرق الاسلامي العربي من أجل أن ينزل المسيح – مسيح النصارى أو مسيح اليهود لا ندري . وما زال اليمين المسيحي الأمريكي بِدفْعٍ من رديفه الصهيوني يسعى لتحقيق أهدافه المجنونة. ويمكن أن نجد لما يحدث في الأقصى وكامل فلسطين بعضا من تفسير لأعمال مدفوعة بأكاذيب مفضوحة وأشكال دجل سياسي وديني لن يحقق شيئا مأمولا لهؤلاء، وإن كان قد زعزع الاستقرار في المنطقة منذ وطأ العابرون أرض فلسطين التاريخية المقدسة.
كاتب تونسي
لطفي العبيدي
قال تعالى: “وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا” (سورة الإسراء، 4 ـ 5). صدق الله العظيم.