كانت لي فرصة الالتقاء بفنانين تشكيليين من المغرب وكثير من الدول العربية وغيرها، ومن بين هؤلاء التشكيلي المغربي عبد اللطيف نيت عدي، وكان ذلك ضمن أنشطة الملتقى الدولي لقصبة الفنان في قلعة مكونة لسنة 2014. وقد أنجز ورشة مفيدة جدا وتتعلق بالبورتريه وما يتعلق بتحقيقه من زوايا وأبعاد وتقاسيم وظلال وإضاءة وغير ذلك. وقد أثارتني أعماله التي اطلعني عليها شخصيا، فكتبت عنها ما اعتبره انطباعات أولية كالتالي:
بقسمات عميقة الدلالة عما يثوي في دواخل الإنسان… بعناية فائقة باللمسة اللونية والبعد الجمالي.. باحترام دقيق للملامح والوضعيات، يقدم التشكيلي عبد اللطيف نيت عدي أعماله المتنوعة التي يغلب عليها البورتريه بكل ما يحمله من تعبير عميق عما يحيط ويجيش بالنفس الإنسانية. أعمال تحمل أمزجة الأشخاص وتحيل إلى حياتهم الخاصة، فهي وإن كانت ثابتة تحيل إلى الحركة المتمثلة في نوع القسمات ونوعية النظرات عبر الدقة في الاختيارات اللونية والتظليلية، ولعل السر في ذلك يكمن في تحكمه ودرايته بمواضع الإضاءة بالشكل الذي تبدو من خلاله الوجوه المرسومة طبيعية، بعيدة عن التصنع، في علاقتها بالملمح والسن والانتماء الاجتماعي والسوسيوثقافي… فالإضاءة المناسبة لتضاريس الوجه تكسب البورتريه تأثيرات وجمالية خاصة… وهذا ما يظهر في أعمال هذا المبدع.
تشعر وأنت تتأمل منجزه الإبداعي بكَوْن كُلّ أعماله متزنة المكونات من أجل تعبيرات تبدو صادقة، فالعيون والشفاه والوجنات وغيرها تقتضي التدقيق في التقديم بشكل يقدم الملمح الفعلي المتكامل التعبير بعيدا عن أي ثغرة تسيء إليه في شموليته. من هنا تأتي صعوبة الاحترافية في البورتريه، والحال أن عبد اللطيف يظهر أنه متمكن من أدواته تشكيل البورتريه بكل متطلباته وأبعاده، مما يدل على حبه وتفرغه للإبداع، بما فيه رسم البورتريه.
في أعماله المتعددة تقديم إبداعي لوجوه أشخاص تُلمّحُ إلى حالات نفسية متعددة، مما يجعلها موحية بخلجات المشاعر والأحاسيس المختلفة. كما تدل على حسن اختياره للمرسومات اختيارا مبنيا على طول الاحتكاك والتجريب في المجال. واعتقد أن اهتمامه وعشقه البالغ للبورتريه آت من كونه رامزا إلى الحالة النفسية، فكل بورتريه إحالة إلى بيئة ومحيط تحكمه عادات وتقاليد… بجزء من الجسد يصور المكامن والأسرار الدفينة، والتأملات العميقة الدالة على براعته في اختزال التعبير عن المشاعر عبر بورتريهات ناطقة بالكثير. في أعماله كثير من الأصداء الأمازيغية والعربية، فهو يمتح من قلب التراث المغربي بكل تجلياته وتنوعاته الغنية. يقدم المرأة الأمازيغية بزيها وملمحها المجسدة لعلاقتها الحميمية والعريقة ببيئتها بما تحمله من معطيات تراثية وقيمية تستحق الخلود.
المتأمل لأعماله يقف على كون البيئة المغربية بتنوعاتها هي الهاجس الأول والطاغي على كل أعماله، مما يؤكد عشقه وخدمته للمساهمة في تخليد هذا التراث الزاخر بمعطيات بديعة جميلة… معطيات يعمل عبد اللطيف جاهدا كي يبرز بعضها عبر بورتريهات مؤثرة ومثيرة.. إنه مثال للفنان الملازم للإبداع المجد في سبيل البحث والابتكار والتجديد في أسلوب رسم وتشكيل البورتريه، هذا الأخير الذي يَلج عبره عالما تنخرط من خلاله ريشته كي تفاعل اللون والخيال والواقع بغية تقديم عمل تأثيري جميل يثير الحس والشعور والتعاطف مع الوجوه المفعمة بالمشاعر الجياشة.
إنه يبدي مهارته الفائقة في الوجوه عبر استحضارها في مخيلته محددا أوصافها المبرزة لجزء من الأحاسيس الثاوية خلفها ما يعكس تميزه الفني وتميز ذاكرته البصرية المستلهمة للجميل والمؤثر.
وبعيدا عن البورتريه نجد عبد اللطيف يبحر في المتح من عناصر التراث ما يراه أهلا بأن يبرز وجها جماليا يمكن تجسيده عبر اللمسة اللونية الجميلة. ففي أعماله الأخرى يقدم مساحات لونية موضوعة على اللوحة باحترافية خاصة.. مساحات رغم تجريديتها فهي مقربة إلى المشاهد عبر الإضافات القليلة من فسيفساء مغربي أو كلمات وحروف عربية …مما يبرهن على سعة تعاطيه للتشكيل بكثير من موضوعاته وتقنياته، فهو يرسم بالباستيل وبألوان زيتية ومائية وغير ذلك. «في أعمال عبد اللطيف روعة المكون التراثي المغربي بكل ما يحمله من أصالة وعمق جمالي… يتجلى ذلك في كل مفردات أعماله من معمار وملابس وغير ذلك… في بعض لوحاته تلمح زخارف فسيفسائية تذكر بعظمة الحضارة المغربية بكل مكوناتها العربية والأمازيغية والإسلامية، هذا المزيج من المكونات الجميلة تزيده لمسات هذا الفنان روعة وبهاء وبأسلوب تشكيلي لا يخلو من مسحة حداثية بعيدة عن الإغراق في التجريد المفرغ للتراث من دلالاته ومعانيه».
عبد اللطيف نيت عدي، فنان تشكيلي، له تجربة طويلة في الكاليغرفية، والبورتريه، والفريسك، والقصبات والسينوغراف. له مشاركات كثيرة في مجال الإبداع داخل وخارج المغرب، وكانت أعماله موضوعا لمقالات في منابر إعلامية مغربية. أقام معارض فردية وجماعية ابتداء من1986 إلى الآن.
كاتب وتشكيلي من المغرب
لحسن ملواني