الظاهرة الأوضح في الحياة السياسية الأمريكية اليوم هي غضب المواطن من نخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي تحتكر منذ عقود إدارة شؤون الحكم والسلطة وتتداول مقاعد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فيما بينها.
محمولا على موجات الغضب، تمكن رجل الأعمال دونالد ترامب من الاقتراب كثيرا من أن يحسم لصالحه بطاقة الحزب الجمهوري للترشح في الانتخابات الرئاسية بعد فوزه بعدة جولات في الانتخابات التمهيدية. والغضب هذا هو ما تشعر به قطاعات واسعة في الطبقة الوسطى الأمريكية إزاء سيطرة المصالح الاقتصادية والمالية الكبيرة على نخب الحكم والسلطة، وإزاء عجز المسؤولين التنفيذيين والمشرعين في واشنطن عن تمرير وتطبيق سياسات تهتم بالأحوال المعيشية للطبقة الوسطى التي وإن لم تتدهور خلال السنوات الماضية فهي لم تتحسن، وإزاء استعلاء نخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أولويات التعاون المتجاوز للفواصل الحزبية لإنجاز سياسة عامة تحقق الصالح العام.
هذا الغضب هو الذي يجعل من رجل أعمال يتبنى خطابا مجتمعيا مقيتا في عنصريته ضد المسلمين والعرب والمهاجرين غير الشرعيين القادمين من أمريكا اللاتينية، ويتسم خطابه بشأن السياسات العامة بغياب الأطروحات المحددة وأحيانا بالسطحية الفاضحة، وتحيط بسجله المهني العديد من الشكوك والأقاويل (من فضيحة جامعة ترامب إلى إعلان الكثير من الشركات التجارية التي أسسها لإفلاسها وتحايلها بذلك على استدانات كبيرة)، يجعل منه المرشح المفضل لبعض القطاعات المحافظة داخل الطبقة الوسطى الأمريكية التي ضاقت بمرشحي نخبة الحزب الجمهوري، وفقدت الثقة بقدرتهم على تجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها عليهم المال (السياسي والانتخابي).
قد يختلط غضب المواطن المحافظ من النخبة، نخبة واشنطن كما تسمى أمريكيا، باستعداد مريض لدى بعضهم لتقبل الأفكار العنصرية، ولممارسة شيء من التماهي مع المشاعر السلبية باتجاه المهاجرين غير الشرعيين، ولمسحة من الافتتان بخطاب ترامب الفاشي عن المسلمين واللاجئين ووعوده المتهافتة عن إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة ودول العالم على نحو يأتي بالشركات والمصانع وأماكن العمل التي رحلت إلى آسيا وأمريكا اللاتينية وأماكن أخرى إلى الديار الأمريكية مجددا- ووعود ترامب متهافتة هنا إما لأنها غير ممكنة عمليا أو لأنه كصاحب أعمال خاصة يفعل عكسها تماما بإغلاقه بعض مصانع الملابس التي كانت له في الولايات المتحدة و»ترحيلها» إلى الخارج. غير أن العامل الأساسي، وفقا للعديد من قياسات الرأي العام التي أجريت خلال الأشهر الماضية لتفسير صعود ترامب، يظل مرتبطا بالغضب من نخبة واشنطن وبحث المواطنين المحافطين عن بدائل لسياسيين مثل السيناتور ماركو روبيو (ولاية فلوريدا) والسيناتور تيد كروز (ولاية تكساس) وهما من المتنافسين على بطاقة الترشح الرئاسي للحزب الجمهوري.
ذات الغضب هو الذي يرتب ميلا واضحا بين القطاعات التقدمية للطبقة الوسطى الأمريكية باتجاه السيناتور برني ساندرز الذي ينافس وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على بطاقة الترشح الرئاسية للحزب الديمقراطي. لا يتعاطف الناخب المؤيد لساندرز مع الخطاب العنصري ضد المهاجرين غير الشرعيين أو المسلمين، بل يشعر بتضامن حقيقي مع قضاياهم ويبحث عن سياسات عامة تمكنهم من الاندماج في المجتمع الأمريكي دون خوف أو كراهية. لا يتعاطف الناخب المؤيد لساندرز مع مقولات إغلاق الحدود الأمريكية في وجه «القادمين من الخارج» أو مع إلغاء السياسات العامة التي طبقها الرئيس الحالي باراك أوباما لصالح محدودي الدخل كالرعاية الصحية الإلزامية. ولا تطرح كلينتون في حملتها الانتخابية من السياسات ما يختلف مع ذلك.
غير أن الناخب المؤيد لساندرز يفتقد للثقة في نخبة الحزب الديمقراطي التي تمثلها كلينتون بتاريخها هي السياسي وبتاريخ زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون. يفتقد أيضا للثقة في المصالح الاقتصادية والمالية الكبيرة التي تدعم حملتها ويتخوف من ثم من انعدام قدرة المرشحة إذا صارت ساكنة البيت الأبيض على تمرير وتطبيق سياسات لا تتماشى مع رغبات أصحاب الثروات والأموال. يفتقد أيضا للثقة في إمكانية أن تتعاطف إدارة رئاسية لكلينتون مع سياسات عامة يسارية الطابع تنتصر لحقوق محدودي الدخل والطبقة الوسطى، ومن بينها إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والعالم لحماية سوق العمل والعمال الأمريكيين حتى وإن كانت وسيلة ذلك الوحيدة هي الخروج من الإتفاقيات التجارية مع دول الأمريكيتين وفرض ضرائب تصاعدية على المنتجات والسلع المستوردة وإخضاع البنوك لرقابة حكومية مشددة والمزيد من تدخل الحكومة الفيدرالية في إدارة الشأن الاقتصادي.
الغضب أيضا هو الشعور المسيطر على ناخب الطبقة الوسطى المؤيد للسيناتور ساندرز الذي لم يكن معروفا لقطاعات واسعة في الرأي العام الأمريكي قبل السباق التمهيدي للانتخابات الرئاسية. الغضب، وفقدان الثقة في مرشحة نخبة الحزب الديمقراطي، والبحث عن بديل بعيدا عن النخبة. وهنا، على الرغم من الاختلافات الجذرية بينهما وبين خطابهما وبرامجهما، يتساوى ترامب وساندرز. هما نتاج لغضب الطبقة الوسطى.
٭ كاتب من مصر
عمرو حمزاوي
ولكن لوفاز ترامب بكل ماينادى به من أفكار شبه المتطرفه وبكل الشتائم والإهانات التى يوجهها لطوائف معينه من الشعب الأمريكى وخاصة المرشحيين الجمهوريين (تد كروز، وماركو روبيو)،،والتى أصبحت حديث الكثيرين من الشعبالأمريكى وخاصة المثقفين منهم ،، السؤال هو فى حالة فوزه برئاسة أمريكا هل يحق للجيش الأمريكى الإطاحه به ووضعه فى جوانتنامو كما فعل الجيش المصرى برئيسه المنتخب محمد مرسى رغم أن مرسى لم يتفوه بأى مقوله ضد أى طائفه من طوائف الشعب المصرى؟ أم للديموقراطيه وجهان وجه أمريكى ووجه لدول العالم الثالث فيما يخص إنتخاب رئيس البلاد؟. وشكرا للقدس العربى