إنّ أحداث 11 سبتمبر كانت سقوطا في هاوية التاريخ ونهاية فلسفة القوّة الأمريكية ومقولة الجغرافيا المنيعة، تلك الجغرافيا التي افتُكّت غصبا من سكّانها الأصليين فما يسمّى بالتاريخ الأمريكي هو في الأصل تاريخ شعوب المايا والأزتك أو الهنود الحمر، كذلك اسرائيل التي ادّعت أنّها قدّمت لشعبها أرضا موعودة وجدتها بلا شعب.
تتماثل أمريكا ووليدتها اسرائيل في التضليل التاريخي والبحث عن المنعطفات الكبرى في التاريخ لتحويرها وإلباسها لبوسا دينيا كاذبا وإظهار تاريخها التاريخ الذي لا سابق له كما لو أنّ شهادة الميلاد تؤخذ من العدم. وهكذا يسقط اسم شخص اسباني على قارة بأكملها منذ عام 1492، فيغدو «أمريغو» مانح شهادة ميلاد أمريكا وتغدو فلسطين أرضا بلا شعب تمنح لشعب بلا أرض.
إنّه النموذج الأوفى للنصب والاحتيال التاريخي الذي تتلف فيه جغرافيا السكّان المحلّيين ويحوّر فيه التاريخ الأهلي. ولطمس التاريخ الأصلي تمارس شعائر قرونا من الزمن إذا لزم الأمر للتغطية على الإبادة الأمريكية للسكّان الأصليين ، وفي ذلك يتنافس المتنافسون . فإسرائيل الأخرى قامت وتقوم بالأعمال الإبادية والتهجيرية نفسها التي أدّتها أمريكا على أكمل وجه، ويأتي كلاهما في النهاية وبعد كلّ ذلك الاجرام ليدّعيا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد أيقظت الولايات المتحدة العالم على حقيقة زيف القيم الديمقراطية التي تدّعيها وشهد التاريخ على اخفاقها واسرائيل أيضا في ملامسة المعايير الأخلاقية المطلوبة، وتلك علامة وصول إلى حافة الانهيار والافلاس من الناحية الأخلاقية، وبعد كلّ ذلك تتوقّع الولايات المتحدة بعد زرع كيانها الوظيفي اسرائيل في المنطقة ومواصلة دعمها بالمال والسلاح أن تستمتع بسيطرتها على العالم إلى الأبد.
إنّه حلم إبليس بالجنّة، في الوقت الذي أصبحت أوروبا ذاتها حليفة أمريكا تبحث في تطوير اقتصادها الخاص بها والحصول على قوّة مسلّحة على نحو مستقلّ مدركة بذلك أنانية الولايات المتحدة وجشعها، وهي المتغيرات الخفية التي يُكشف بعضها في المحن الكبرى وفي الامتحانات العسيرة ومثال ذلك المسألة السورية التي أربكت الكثيرين ودفعت أكثرهم إلى مراجعة حساباتهم والقراءة من ورقة بدل الارتجال مخافة السرديات الخاطئة. وتدرك أوروبا اليوم أنّ أمريكا عبر سعيها المحموم لتمثيل أوروبا قاطبة إنّما تهدف لإعادة تفكيكها وجعلها نسيجا لا قويا . ومع ذلك لا تزال بريطانيا تتذيّل لأمريكا ولا تدرك أنّها إلى جانب اسرائيل تُقارب دولا منبوذة تتخبّط في مجدها الذاتي المغرور وقوتها العسكرية التي انحدرت دراماتيكيا منذ بدء مغامرتها العراقية.
فمنذ ذلك الوقت بدأ انهيار الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها تاريخ من الظلم والجريمة في حق شعوب الأرض قاطبة، فالحروب التي شنّتها لم يسلم منها أحد والتحوّل الأهمّ في اعتقادي يكمن في أنّ الأمم المتحدة السلاح الرسمي لأمريكا وبريطانيا اللتين يستخدمانها لتشريع الحروب والمغامرات غير القانونية واحتلال الدول ذات السيادة وحماية الدول الاستراتيجية الصديقة مثل اسرائيل لم تعد في متناول الدول المارقة لكي تجيز العدوان الدولي كما تريد، فروسيا والصين أصبحتا حاجزا قويّا يفرض إعادة التوازن الدولي المفقود، ويمنع العهر السياسي المعهود أمريكيا والمسوّغ بريطانيا والمهلّلُ له اسرائيليّا.
هكذا ترتبط أمريكا تاريخيا ووثائقيا بنسب مفارق لها لا تمتلك بنية قومية، ولعلّه السبب في سعيها إلى تقويض كلّ البُنى القومية ذات الحضور في التاريخ عبر انتقامها من الجميع، فهي تضمر الكراهية لكلّ القوميات بما فيها أوروبا التي زرعت الكيان الأمريكي ضمن مزيج اسباني برتغالي وافريقي بعد اكتشاف الأرض التي كان يقطنها المايا والأزتك والهنود الحمر عموما، مثلما أدّى طرد اليهود من أورشليم على يد الرومان سنة 130م إلى إقامتهم في حالة شتات وتاليا في وضع أقلّية دائمة حتى عام 1948 عند افتكاك فلسطين وتسليم بريطانيا أرضا عربية ليهود الشتات.
إنّه التاريخ المتشابه والنسب المفارق لكليهما، والجغرافيا المفكوكة من قبلهما، ولعلّه الفهم المساعد حينئذ على إدراك نوايا اسرائيل العدوانية وأطماعها التاريخية في أرضنا وأنهارنا وحضارتنا ، العامل الجيني يفسّر إلى حدّ كبير تشابه السّلوك وتقارب النوايا بين أمريكا واسرائيل فلا غرابة والحال كذلك أن يمشي العار عاريا.
كاتب تونسي
لطفي العبيدي
مقال موجز بليغ