أنا مع بشار الأسد!

حجم الخط
55

الأول من فلسطين والثاني من تونس، كلاهما صحافي وكلاهما صديق أو.. هكذا يفترض. يقول الأول « ليس مهما أن يبيـــد بشار الأسد شعبه بالكامل، المهم أن يبقى هـــو ومعه شعلة المقاومة ضد إسرائيل»، أما الثاني فكلامه أهون بكثير إذ يقول «أنا مع الأسد، أحيانا يجب في لحظة اتخاذ القرار…إما أن تختار السيىء مع بعض الأمل في أن يتغير الحال وإما أن تختار الأسوأ وترى بعينيك الانهيار».
أما الفلسطيني، وهو ليس الوحيد من هذا الرأي بين قومه، فمن الصعب جدا، حتى لا يقال شيء آخر، فهم كيف يمكن لمن ضاع وطنه بالكامل، وهو من مناطق 1948، ويرى ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بإخوانه في الضفة والقطاع، ويستغيث بالعرب والعالم كله لنجدته، أن لا يرى غضاضة في أن يلتفت إلى جاره السوري، وهو من لم يقصر معه يوما ونكبته قد تكون أكبر من نكبته أصلا، ليقول له.. «إسمع أنا مع بشار ولو أبادكم جميعا»!!. أكثر من ذلك، ما يفعله نتنياهو اليوم بالفلسطينيين، بل وما فعله جميع أسلافه من قبله، لا يساوي شيئا أمام ما فعله بشار بشعبه، ومعه أبوه من قبله. بل أكثر وأكثر من ذلك، ما فعله حكام سوريا «المقاومون» بالفلسطينيين في أكثر من مناسبة لم يكن بعيدا، في أحسن الحالات، عن كثير مما فعله بهم كثير من الزعماء الصهاينة. يكفي أن نتذكر ما جرى في مخيم «تل الزعتر» في لبنان عام 1976 أو حرب المخيمات وحصارها عام 1983 في طرابلس أو مؤخرا مخيم اليرموك في دمشق. هذا دون الحديث عن الضرر الذي ألحقته القيادة السورية طوال نصف قرن بالعمل الوطني الفلسطيني ككل وأغلبه يدخل في باب المزايدات الفارغة.
وأما التونسي، وهو الآخر ليس الوحيد من هذا الرأي هناك، فمن الصعب جدا، حتى لا يقال شيء آخر، كيف يمكن له أن يفتخر بأنه أنجز ثورة أطاحت بحاكم مستبد ولا يرى غضاضة أن يعلنها صريحة أنه مع بشار الأسد الذي يهون أمامه بطش أي حاكم عربي آخر. بن علي ،الذي قيل فيه كل ما قيل، لا شيء يذكر لا من قريب ولا من بعيد ببشار. ثم ماذا لو جاء إلى التونسيين في عز سعيهم للإطاحة ببن علي من يقول لهم : أنا مع بن علي!! ترى بماذا كان سيشعرون أو كيف يردون وهم من لم ينسوا أو يغفروا إلى الآن كيف أن فرنسا وقفت مع الرئيس السابق وأمدته بوسائل قمع المظاهرات، فكيف لو أنها تدخلت عسكريا لنجدته، كما يفعل الروس اليوم مع بشار؟! هذا بالضبط ما يمكن أن يشعر به السوري اليوم عندما يسمع تونسيين يقولون إنهم مع بشار وتدخل الروس إلى جانبه، مع أن بن علي لم يفعل في شعبه في أقل من شهر ما يفعله بشار باستمرار في شعبه في يومين لا غير.
الفلسطيني أعمى بصيرته كرهه للإسرائيليين فوقف مع كل من يصرخ ضدها ولو زورا وبهتانا، والتونسي أغشى بصيرته كرهه لكل الحركات الإسلامية المسلح منها وغير المسلح فصار يؤيد من يعاديها مهما أتى من أفعال. لو عبر الإثنان عن استهجانهما للحركات التكفيرية المخيفة التي تحارب الأسد (وليست كلها كذلك)، وهي من تحاول تعويض دكتاتورية دموية بدكتاتورية أخرى باسم الدين، لفـُـــهم ذلك بسهولة، إذ في هذه الحركات فعلا الكثير مما يـُـرعب عن الديمقراطية والدين معا، لكن أن يــركن الإنسان للظالم فقط لأنه يحارب سيئين، هو المتسبب الأول في جلبهم إلى بلاده، فذاك ما لا يمكن استساغته.
لا كره إسرائيل وممارساتها ولا كره الحركات الجهادية المتطرفة، ولكل وجاهته الخاصة، يمكن أن يبررا القول إني مع بشار، فالمقارنة بينه وبين من يحاربونه لا تعطي للوقوف معه أي مشروعية إذ «المقارنة لا تعني الصواب» كما تقول الحكمة الفرنسية، وأقوى منها طبعا ما جاء في كتاب الله العزيز «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلا تَعْدِلُوا»، أي لا يحملـكم بغض قوم على ألا تعدلوا في الحكم عليهم أو فيهم.
لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن من وقفوا مع ستالين وهتلر وموسوليني في انتهاكاتهم الداخلية أو مغامراتهم الخارجية، أو إلى التاريخ القريب مع ميلوسوفيتش في حربه المجنونة ضد البوسنة، كان لهم هم أيضا حججهم وتبريراتهم، غير أن رحيل هؤلاء الطغاة لم يترك لهؤلاء من بعدهم سوى وصمة تلاحقهم إلى اليوم أنهم كانوا يوما ما مع من لا يجوز أخلاقيا قبل سياسيا الانحياز لهم. وهكذا سيؤول الوضع مع أنصار الأسد. أما التذرع ببقاء سوريا لتبرير دعم الأسد، مع أنه هو نفسه من أضاع البلد بصلفه وعناده وفتحها على مصراعيها لجيوش أجنبية وجعلها نهبا لميليشيات متطرفة، معه وضده، فكلام متهافت للغاية… فأي معنى لبقاء الوطن بعد أن يهلك كل مواطنيه!!؟؟

٭ كاتب وإعلامي تونسي

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اللقلق --الهند..:

    تحياالتكنولوجيا الروسية والامريكية وليخسئ الخاسئوون

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    كلامك يا أستاذ كريشان ينطبق على بعض المثقفين الليبراليين الذين لا زالوا يؤيدوا السيسي واجرامه برابعة وكذلك باقي الشلة من الظالمين كالقذافي وصالح وعسكر
    وميليشيات الجزائر والسودان وموريتانيا والعراق وحتى ايران وروسيا ووووو

    ينقص الليبراليون ببلادنا شيئ واحد ألا وهو الضمير

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول michel:

      السؤال المرعب الذى لا يتركنى والذى لا أستطيع أن أتحاشاه هو : لماذا فى منطقتنا وفى بلادنا العربية والأسلامية فقط كل هذه الوحشية والتدمير والقتل والذبح والتهجير والترويع والتشريد لأناس مساكين ؟ من أفغانستان إلى أريتريا والسودان إلى سوريا والعراق وليبيا و مصر واليمن من نيجيريا إلى مالى وحتى البوسنة وكوسوفووالبانيا وتركيا ؟ هل هناك مسؤول ؟ هل هى لعنة النفط وتجارة الاسلحة التى وجدت فى هذه البلاد سوقا مربحة لهذه النشاطات وأرضا خصبة لها ؟ تعددت الأسباب والموت واحد !

    2. يقول صالح:

      يعني يا سيد كروي الضمير أصبح مقتصرا على الإسلاميين مثلا؟ مثل هذا النقاش غير مجد. الناس يفكرون بطرق مختلفة وإذا كنت تعيش حقا في النرويج فيفترض أن تعرف أن احترام المواقف المختلفة وحرية التعبير عنها هي من أول أصول الممارسة الديمقراطية.
      أنا فلسطيني-أردني وأنا أيضا مع الرئيس بشار الأسد. والأمر يا سيد محمد كريشان، مع احترامي لوجهة نظرك، لا يمكن تبسيطه بالطريقة التي طرحتها في مقالك. نعم، أنا مع الأسد لكنني لست مع الأسد في إبادة الشعب السوري وأنا على يقين أن الرئيس الأسد ليس بصدد ولم يفكر يوما في إبادة الشعب السوري. لكنني سأقول لك شيئا واحدا: إن ما ارتكبته ما تسمى بـ”المعارضة المسلحة” خلال العام الأول من الصراع المؤسف في سورية أسوأ مما ارتكبه حزب البعث الحاكم والأجهزة الأمنية السورية ضد الشعب السوري.

  3. يقول دحماني محمد - الجزائر:

    تحية الى الرئيس الدكتور بشار الأسد و الى الشعب السوري الذي تتآمر عليه حوالي مائة دولة ، و لكن النصر سيكون من نصيب أبناء سوريا الشرفاء و المخلصين .

  4. يقول مجد الصباح -فلسطين:

    اخي العزيز محمد .
    لقد اصبت .. ففي بلدي يوجد البعض ممن يقفون مع بشار فقط لكرههم للصهاينه , ولكن للاسف الشديد يوجد اخريين يقفون معهم من منطلق عقائدي ,,, فحسبنا الله ونعم الوكيل في بشار واعوانه …
    اللهم ارحم اخواننا في سوريا وانصرهم على الطاغيه …

    1. يقول mus - casablanca:

      اللهم ارحم اخواننا في سوريا والرئيس الدكتور بشار الأسد

  5. يقول ابوجندل الاحوازي:

    بعض من ابناء تونس و للاسف يرى بان حلال هو يثـــــور و حرام على الغير ان يثــــور !!! أما مايجري في سوريا هو كما قال احد الاعلاميين :في سوريا قوى عظمى تقاتل شعبا حرا ممنوع عليه السلاح

  6. يقول احمد سامي مناصره - الاردن:

    حَسِبتُكَ جاداً أستاذ محمد، الشكر لله انك لم تكن كذلك.

  7. يقول المغرب:

    مقال ممتاز وتحليل موضوعي فهمت ان الصحفي التونسي هو غسان بن جدو اما الصحفي الفلسطيني فلا اعرفه نظرا لكثرتهم

  8. يقول dumani:

    لا فض فوك وليخسأ المنحبكجية

  9. يقول حي يقظان:

    الأخ محمد كريشان،

    منذ زمن بعيدٍ بعيدٍ، والحكام العرب المجرمون، وعلى رأسهم النظام الأسدي المافيوي الأشد إجرامًا، لا يستقوون إلا على الشعوب العربية المنكوبة، ولا يقمعون إلا أبناء وبنات هذه الشعوب، أينما ولوا وجوههم. وما الحروب الضروس القائمة التي يشنُّها هؤلاء الحكام العرب المجرمون على أبناء وبنات هذه الشعوب (وهم في حقيقة الأمر يقتلون أبناء وبنات جلدتهم ليس إلا)، وما هذه الحروب سوى أدلة تاريخية وواقعية ونفسية على هذا الكره الذاتي والنبذ الذاتي والانتحار الذاتي. وهذا يدلُّ، بدوره، على أن هؤلاء الحكام العرب المجرمين لم يتطوروا نفسانيًّا بعدُ إلى ما وراء ما يُعرَف بـ«الطور الفمِّي» في أطوار التطور المادِّي والمعنوي للنفس الإنسانية. تمامًا كما هي الحال في السلوك «النفسي الاجتماعي» الفعلي لآكل لحم البشر(أو الـ cannibal) الذي يُبدي في البداية توقًا عاطفيًّا شديدًا إلى التهام ألدِّ خُصُومه، ولكنه في النهايةِ يلتهم مُساكِنيهِ الأكثر حميميةً.

    هذا هو الواقع النفسي الاجتماعي المخزي والشائن لهؤلاء الحكام العرب المجرمين، ويا للأسف!

  10. يقول دكتور فلسطيني- كندا:

    يا سيد كريشان ونحن نحبك ونقدرك ونتابع كتاباتك الشيقة الا انه لم يحالفك الحظ هذه المرة
    نقول وانا فلسطيني بان اغلبية الشعب الفلسطيني مع ثورة اخواننا السوريون لكن نحن هنا لسنا في دائرة الاتهام لكي ندافع عن انفسنا فانت تعلم وللاسف ان الثورة السورية قد مزقت العالم العربي بين مؤيد ومعارض والفلسطينيون هم جزء من العالم العربي
    اما ان تمنن بوجود اللاجئين الفلسطينيين في سوريا فهذا ليس مناسبا ولائقا
    وننتقد انتقائك للفلسطيني وانت تعلم ن هناك من الاعراب من هم اكثر ولاءا للنظام السوري
    وكيف نكون ملكيين اكثر من الملك والذي قتل وشرد وحرق البلد وادخل اليها طواغيط الفرس والروس هم سوريون انفسهم
    صحيح ان النظام السوري الاجرامي قتل الالاف وشرد الملايين الا ان ضياع بلد بكامله واحتلاله على مدى ثمانين عاما من المفسدون في الارض وتشريدهم لشعب باكمله وانتهاكهم لحرمة الاقصى هو اكبر جريمة عرفها التاريخ المعاصر
    مع التحية ووفقكم الله في نقل كلمة الحق

1 2 3 5

إشترك في قائمتنا البريدية